هل فكرت من قبل أنه قد لا يكون الغرض من الذاكرة هو تسجيل وتذكر كل شيء، فإذا كان الهدف من الذاكرة هو تسجيل المعلومات إذًا لماذا ننسى الكثير من التفاصيل من حياتنا اليومية ، ولماذا تقوم الدماغ بمحو الذكريات عديمة الفائدة، ولكن حقيقة الأمر أن عدم القدرة على تذكر بعض الأشخاص والمعلومات ما هو إلا سمة من سمات المخ وليس خلل كما نعتقد.
يعتقد معظمنا أن الذاكرة لا بد أن تكون مثالية أي لا ننسى أبدًا؛ ولكن ربما النسيان يساعدنا على التكييف في هذا العالم المتغير باستمرار، فقد صرح اثنين من علماء الأعصاب أنه ليس من المُفترض أن تكون الذاكرة مثل مسجل الفيديو، ولكنها مثل قائمة من القواعد المفيدة التي تساعدنا على اتخاذ قرارات أفضل، لذلك فمن المنطقي أن أدمغتنا تجعلنا ننسى المعلومات الخاطئة أو التي لا تكون ذات صلة والتي قد تشوش تفكيرنا، فحتى الآن لا نعرف حدود ما يمكن أن يُخزنه الدماغ البشري، فإذا جاز التعبير هناك مساحة كافية كي نتذكر كل شيء؛ ومع ذلك يقوم المخ ببعض الأنشطة التي تتسبب في النسيان عن طريق استبدال الخلايا العصبية القديمة بخلايا عصبية جديدة أو إضعاف الروابط بين الخلايا العصبية.
نسيان المعلومات القديمة يمكن أن تجعل الذاكرة أكثر كفاءة، ففي دراسة حديثة عام 2016 قام العلماء بتدريب الفئران للعثور على متاهة المياه، وتم نقل موقع المتاهة وإعطاء بعض من الفئران أدوية تساعدهم على نسيان الموقع الأصلي، فوُجد أن الفئران الذين نسوا الجولة الأولى من التدريب قد وجدت متاهة جديدة بسرعة أكبر، فكثيرًا ما يعلق بأذهاننا أسماء خاطئة لبعض الأشخاص ونتمنى أن نتمكن من محو تلك الذاكرة ووقف الخلط بينها وبين الاسم الصحيح.
نسيان المعلومات القديمة يمكن أيضًا أن يساعدنا على تعميم المعلومات بدلا من حفظها كمعلومة واحدة منفردة مثلما يحدث في أجهزة الذكاء الاصطناعي، إذا كنت تعلم الكمبيوتر كيفية التعرف على الوجوه كل ما سيفعله هو معرفة التفاصيل المحددة لكل وجه، ولكن عند تعريضه لوجه جديد فلن يعرف أنه وجه من الأساس لأنه لم يتعلم القواعد العامة مثل أن الوجوه عادة ما تكون بيضاوية ولها عينان وأنف وفم، ولكن كل ما تعلمه الكمبيوتر أن بعض هذه الصور لها عيون زرقاء وبعضها لديها عيون بنية وبعضها شفاه أكثر سمكا وهكذا، دون أن يعرف السمات الأساسية لكل الوجوه عامةً.
تميل أدمغتنا إلى نسيان الذكريات العرضية بسرعة أكبر من المعرفة العامة (الذكريات الدلالية)، فالذكريات العرضية تميل إلى أن تتلاشى بسرعة مثل معرفة القميص الذي كنت ترتديه قبل ستة أسابيع والمعلومات الروتينية الأخرى غير المفيدة.
فالمبدأ هو نسيان كل شيء باستثناء تلك الحوادث البارزة مثل الأحداث الصادمة، فتلك الأحداث تلتصق بأدمغتنا لأن الدماغ يريد منا أن نتذكر الأشياء التي ستساعدنا على البقاء وتجنب المخاطر، فالدماغ يتذكر جيدًا الأشياء التي تساعد على بقائنا من منظور تطوري، وربما يكون قد اكتسب هذه السمة في عملية التطور أثناء التكوين لتذكر فقط أن الاشياء التي لها علاقة ببقائنا على قيد الحياة. لذلك ربما عدم القدرة على تذكر بعض الأشخاص ما هو إلا سمة من سمات أدمغتنا وليس خلل كما نظن.