رحمة حجة
هل أنت متحمسة للدخول إلى القدس؟ هل تشتاقين استذكار الصّبا أو الطفولة في شوارعها العتيقة؟ الجمعة المقبل من رمضان هو يومك.
كي تستيقظي باكرًا وتذهبي باكرًا باتجاه حاجز قلنديا شمال القدس، نامي باكرًا؛ لأنكِ لستِ وحدَك من سيصله، بل آلاف مؤلفة من الساعين إلى دخولها.
وإذا سمعتِ جنديًا يعتلي صخرة في منتصف الحشد يردد بالعربية "ارجع لورا"، لا تتقهقري، إلا إذا استمال قلبكِ بالقول "هذا ممرٌ إنساني والتاني إلك"، لكن إذا ما فتئ يكرر "ارجع لورا" لأنك واحدةٌ من الممنوعين عن الأقصى لهذا اليوم، ابقي مكانك.
ستتذكّرين عن غير قصد وترصّد أفكارًا حول النظام، وربما يدفعُكِ الأمر للرجوع إلى الخلف وإفساح المجال لسواكِ، لكن، هذا يوم الفوضى، فتقدّمي، ولا تتركي فراغًا بين النساء إلا واركضي نحوه، دون أن تؤذي غيرك بــ"الدفش"، رغم أن الأمر يستلزمه أحيانًا؛ خاصّة إذا وقعتِ فريسة "المُدافَشَات"!
ستسمعين الكثير من التعليقات على الفوضى والاستغفار من إثمها والمشادّات الخفيفة بين النساء حولها، ومقارنتها بنظام العدو الإسرائيلي. كل ما يُسمع جديرٌ بالانتباه لكنه سيقود إلى جدل عقيم، وما نشهده يتكرر كل عام ولو أفلح الجدَل كنا رأينا الناس طوابير طوابير عند الحاجز!
في مشهد مسرحي مصري بين أشرف عبد الباقي وصلاح السعدني، يستغرب الأخير عدم دخول الأول في معمعة الشتيمة لمن يُناوشه، ويستخدم بدلًا من ذلك أسلوب "تمليل" الخصم، وخصمُك هنا العدو، ربما سيشمت بفوضانا ويشعر بعنجهية المُستعمِر، لكنه سيضجر أخيرًا منّا، فهو المسؤول أساسًا عن تنظيم كل هذه الحشود في مساحة الحاجز. أقنعي نفسك بالفكرة..
على يمين وشمال الحشد الذي عبَر الحاجز جنديتان تتفحصّان بنظرة ثانية وجوه النساء، وهما بالمرصاد لكل من "عميت عنها" النظرة الأولى. انغمسي وسط الحشد.
ها أنتِ في ساحة انتظار باصات القدس، أمامك حشدٌ وخلفك حشود. أكرر، لا تفكري بالنظام. صحيح أنكِ ستصلين على أيّة حال، لكن، هناك فرق بين الوصول باكرا والوصول منتصف الظهر! لا تنسي شراء التذاكر، التي ستسمح لك بركوب الباص.
في القدس، جرّبي الدخول من غير باب "باب العمود". لن تضلّي السبيل، فكل الأبواب تؤدي إلى المسجد الأقصى. وإذا توزع الناس عبر هذه الأبواب، لن تحدث أزمة.
وحين الدخول إلى المسجد الأقصى، حاذري الدخول ببنطال، حتى لو كان واسعًا، إذ لا ينقُصك جدل عقيمٌ أيضًا مع أحد حُرّاس البوابات الذي يرتدي "جينزا" وحذاء أميركي الصنع، ويقول لك بنبرة داعشية "أصلًا اللباس الإسلامي خمار مش بنطلون ضيّق".
كثيراتٌ ممن حولك ضَمِنّ دخول الجنة، لذا سيُغدقن عليك الإرشادات، وقد تدخلين "مجادلة" حتى مطلع الفجر، وتبيان أنك على خطأ ولن تحوزي رضا الله وثوابه. اكتفي بــ "جزاك الله خيرًا" كي تختصري.
وفي أزمة الخروج بعد الصلاة، ستعلقين في الأزمة، وهنا انتبهي على جيبِك وجسدك، فصيام المعدة قد لا يعني صيام البعض عن جيوب وربما أعراض الآخرين، ولا تُغريّنكِ بعض اللحى وتمتمات الاستغفار!
واعلمي أن: مسجد قبة الصخرة للصلاة حتى آخر ركعة في صلاة التراويح، والمسجد المرواني (الأقصى القديم) للنوم، وقبة الصخرة مجددًا لأداء صلاة الفجر حتى الساعة السابعة والنصف، وبعدها لا مكان!
بعض دائمات الحضور ينهرن الزائرات لإخراجهن من مسجد قبة الصخرة بلهجة تشي أنهن "حاميات الحمى" و"نحن المخرّبات". استيقظي وانسحبي بهدوء كي لا تكوني بذرة للفتنة!
الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وصوت عاملة التنظيف يرتفع على مسامع النساء في متوضأهن، تقول: "مسجد المرأة بيتها.. هذا مش فندق تنامن هون.. يلا اطلعن بدي أنظف.. شو تُئلة الدم هاي.. بكفي.."، إما أن تصمتي أو تكوني دفاع الصامتات.
ويبدو أن الموازنة المخصصة لنشر شبّان يرصدون انكشاف غطاء إحداهن إذا ما انزاح عنها، أو ظهر بعض بنطالها إذا ما رفعت رداء الصلاة لسيرٍ آمن؛ أكبر من الموازنة المخصصة لتنظيم حركة الخروج وتنظيف متوضّآت ثاني أهم مقصد لمسلمي العالم وطرد المتسولين، فربما الحفاظ على صيام الرجال أهمّ!
نقلا عن "الحياة الجديدة"