وكالات - الاقتصادي - "عجقة، صفة ، مصروف، سوق باسكيليت، اعمل معروف"، بهذا الشعار ذي النغم المميز المكتوب على حوائط مدينة بيروت، تحاول مجموعة من المهندسين اللبنانيين إقناع مواطنيهم بأن يتخلّوا عن سيارتهم خلال ذهابهم للعمل، وأن يستخدموا الدراجات الهوائية بدلاً منها.
ووفرت هذه المبادرة تجربة فريدة للمواطنين اللبنانيين الذين استجابوا لها، حيث ذهبوا إلى العمل على متن الدراجة الهوائية، ووفّروا الوقت، ولم يسجنوا أنفسهم داخل سياراتهم في زحام السير، لم يفكِّروا في مشكلة إيجاد مكان لصف السيارة في بيروت المزدحمة، لم يهدروا الوقود، ما خسروه هو شيء واحد فقط هو الدهون!
صحيفة الغارديان البريطانية اهتمت بهذه المبادرة، وأفردت لها تقريراً مصوراً عنونته "بيروت أحلى بالدراجات".
جاد إدريس هو أحد المواطنين الذين شاركوا في مبادرة ركوب الدراجات خلال الذهاب إلى العمل في لبنان، قال لـ"هاف بوست عربي": "أحب الدراجة في بيروت، وأفضِّل ركوبها ليلاً".
وأضاف أنّه لو كانت طرق لبنان مؤهّلة للدراجات لكان استخدمها حيثما أراد الذهاب، وأعرب عن سعادته بأنّ ركوب الدراجة يؤدّي إلى حرق الدهون لا الوقود، الأمر الذي يعده مفيداً صحياً وبيئياً.
وجاءت هذه المبادرة استجابة لأمل يحدو كل اللبنانيين بكلِّ فئاتهم بمعالجة مشكلة الازدحام المروري في بلد جبلي ضيق المساحة، لديه واحد من أعلى معدلات ملكية السيارات في العالم العربي .
ولذا تشكّلت مجموعة Chain Effect في عام 2014، وهي مؤلّفة اليوم من 6 مهندسين لبنانيين، أطلقوا فكرة توفير الوقت ويمكن عبرها اختصار المسافات و"صديقة للبيئة" في الوقت ذاته، وهي استخدام الدراجة الهوائية بدلاً من السيارة.
ناديبة رعد، إحدى مؤسسات المشروع تحدَّثت لـ"هاف بوست عربي" عن الفكرة التي بدأت تجذب اللبنانيين، ولفتت إلى أنَّ المجموعة تقوم بنشاطات لإقناع الناس بأهميّة الدراجة الهوائية، وأجرت ورشة عمل مع جمعيّة علَّمت فيها الأطفال كيفية إصلاح الدراجات وركوبها، كذلك قالت إنَّ المجموعة نظَّمت مشروعاً تمّ تقديم الدراجات فيه بشكل مجاني للناس لمدة 24 ساعة، لكي يذهب المواطنون إلى أعمالهم بها لا بالسيارات، وقد لقيت إقبالاً من 120 شخصاً.
وأوضحت رعد أنَّ أكثر ما شدّ المواطنين كان الرسم على الجدران، وهي الطريقة التي يتبعها المهندسون حيث يبحثون عن أكثر الجدران التي يحدث بقربها زحام سير ويرسمون عليها، كطريقة لإقناع العالقين في سياراتهم باستخدام الدراجات الهوائية.
وأشارت إلى أنّهم رسموا حتى الآن على 20 حائطاً، في البترون وطرابلس بشمالي لبنان، إضافة للعاصمة بيروت. وكتبوا تعابير لافتة مثل "لو كنت عالبيسيكلات كنت وصلت"، "بيروت أحلى عالبيسيكلات"، "سوق بيسكلات وخلّي السيارة بالبيت"، "سريعة متل الرصاص وصفّتها بلا وجع راس"، وهذه العبارة إشارة إلى ندرة المواقف في بيروت.
إحدى المشاركات ستيفاني يارد قالت: "كانت تجربة رائعة، في العادة أستغرق ساعتين للوصول إلى مكتبي في السيارة، لكنّي اجتزت المسافة بساعة واحدة على الدراجة". أمّا لينا كسيبي التي ذهبت إلى عملها على الدراجة فاعتبرتها فرصة فريدة، معربةً عن سعادتها بالمشاركة. بينما قال بشار طبيخ: "ليس بإمكاني أن أقود الدراجة إلى العمل لكنني أعمل لذلك".
من جهتهم، نشر بعض المشاركين آراءهم حول هذه التجربة الفريدة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فلفت طارق الوزّي إلى أنّه ذهب من منزله إلى عمله ، ولم يعلق في زحام السير ولم يتوتر كالمعتاد خلال انتظاره في السيارة. بينما قال نعوم الصايغ: "لو كنت عالبيسكلات كنت وصلت عالبيت من زمان".
جواد مكارم نشر صورته داخل العمل، حيثُ وضع الدراجة خلف مكتبه، بعدما وصل إلى عمله في الجدَيدة، بعدما انطلق من منزله في بيروت.
هذه عيّنة صغيرة من اللبنانيين الذين قاموا بتجربة للتخلص من عبء زحمة السير، الذي بات الهم الشاغل للبنانيين الذين يقبعون داخل سياراتهم لساعات يومياً خلال ذهابهم إلى العمل أو العودة إلى المنازل، وخصوصاً في فصل الشتاء حين تغرق بيروت بالمياه التي تتجمّع في برك لتشكل عقبة أمام السيارات، كذلك فمواكب السياسيين دون استثناء تعرقل المواطنين وتؤخرهم عن مواعيدهم.
وفي حادثة وقعت مؤخراً، حدث تلاسن بين مرافقي رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وبين أهالي شاب متوفٍ، حينما كانت القوى الأمنية تقطع الطريق تسهيلاً لمرور الرئيس، فاعترض الأهالي لأنَّ الجنازة لا تحتمل الانتظار.
وإذا قدّرنا معدلاً عاماً بأنّ كل لبناني يقضي ساعة يومياً على الطريق بسبب زحام السير، فهذا يعادل 30 ساعة شهرياً أي حوالي 15 يوماً سنوياً على الطرقات أو محبوساً داخل سياراته، ما يؤدّي إلى تراجع بالإنتاجيّة إضافةً إلى هدر بالملايين.
وفِي هذا الإطار، كشفت مؤسسة "Sweroad" السويدية المتخصصة بالسلامة المرورية، التي أجرت دراسة علميّة مجانية للوضع المروري في لبنان بإشراف وزارة الأشغال العامة والنقل، أنّ الخسائر الماديّة في لبنان من حوادث السير وزحامه قُدِّرت بأكثر من مليار دولار في عام 2004 مثلاً، وهي وإن كانت دراسة قديمة فهي تظهر فداحة الوضع الحالي، حيث ازداد عدد السكان، ولم تشهد البلاد خلال تلك الفترة توسعاً في مشروعات الطرق والنقل العام في ظل الأزمات والحروب التي شهدتها البلاد.
المشكلة لا تقتصر على الآثار الاقتصادية للزحام، بل تتعدى ذلك لمجال أخطر، فقد وقعت جرائم مؤخراً في لبنان بسبب أفضليّة المرور، وهذا ما تفسّره الدراسات عن الانعكاس السلبي للازدحام المروري على صحة المواطنين، الذين إضافة إلى التعب الجسدي وألم الظهر، يصابون بالتوتّر وارتفاع ضغط الدم.
في سياق منفصل عن هذه المبادرة، رعى رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري مؤخراً إطلاق مشروع بيروت لمحطات الدراجات الهوائية الآلية، أو ما يعرف بـ"Bike Sharing System"، الذي ينظمه المجلس البلدي لمدينة بيروت وشركة "BIKE For ALL"، وهو المشروع الأول من نوعه في لبنان، وأعرب الحريري عن أمله بتنظيم مناسبات لا تستخدم فيها السيارات، بل الدراجات الهوائية، لكي تبقى بيروت صديقة للبيئة.