وكالات - الاقتصادي - يبدو أن الصداقات الحقيقية تواجه اختبار الصمود أمام تحديات الحياة المعاصرة والصداقات الإلكترونية الافتراضية، إذ كشفت دراسة بريطانية حديثة أن واحداً من كل 8 أشخاص يعاني من العزلة الاجتماعية ولا يمتلك صديقاً مقرباً يمكنه الاعتماد عليه.
ويعد هذا الرقم انعكاساً لانتشار ظاهرة العزلة الاجتماعية، ما يعتبره المختصون ارتفاعاً ملحوظاً ومثيراً للقلق قياساً بالسنوات السابقة.
وأفادت جمعيتان بريطانيتان هما Charities Relate الخيرية و Relationships Scotland أن ما يقرب من 7 ملايين شخص في بريطانيا ليس لديهم أي صديق يمكنهم الاعتماد عليه.
ورغم أن الدراسة أجريت على عينة من 5 آلاف شخص في المملكة المتحدة، إلا أنها تلقي الضوء على تأثير تزايد اعتماد الناس على وسائل التواصل الاجتماعية، واختلال ميزان العمل مع الحياة اليومية، وتفاقم الضغوط الناجمة عن تربية الأطفال، على طبيعة علاقات الصداقة بين الناس في أي مجتمع كانوا.
وكشف التقرير، الذي صدر تحت عنوان "لست وحدك- نوعية العلاقات الاجتماعية في المملكة المتحدة"، أن 13 % من المشاركين لم يكن لديهم أي شخص مقرب منهم، أي بزيادة 10% عن نتائج عملية مسح مماثلة أجريت في عامي 2014 و2015.
واكتشف الباحثون أيضاً أن نصف البالغين تقريباً 45% في المملكة المتحدة شعروا بالوحدة على الأقل لبعض الوقت، والخمس أي تقريباً 18% شعروا بالوحدة في غالب الأوقات أو على نحو دائم.
وتعليقاً على هذه الظاهرة قال الرئيس التنفيذي كريس شيروود لصحيفة Daily Mail البريطانية: "ينصحنا الناس بأن نحصي أصدقاءنا الحقيقيين، لكن ما يثير القلق هو أن الكثير من الناس يشعرون أنهم بلا صديق واحد يمكنهم الاعتماد عليه".
كما اتضح من التقرير أن واحداً من بين كل 6 أشخاص لم يشعروا أبداً أنهم محل عطف من قبل شخص آخر، أو نادراً ما شعروا بذلك.
بالمقابل، كشف البحث جانباً إيجابياً أظهر أن 83% من الناس تربطهم علاقات جيدة مع أصدقائهم.
كما اتضح من عملية المسح أن عدد الأصدقاء المقربين الأكثر رواجاً يتراوح بين اثنين أو ثلاثة، بنسبة 18% من المشاركين، في حين صرَّح 6% أن لديهم أكثر من 10 أصدقاء مقربين.
وشكَّلت 31% نسبة الأشخاص الذين ليس لديهم أي صديق مقرب، والذين عبروا عن شعورهم بالإحباط أو الاكتئاب أو اليأس، إما في غالب الأحيان أو على الدوام.
وتعتبر هذه النسبة أكثر مرتين ونصف المرة، عن الأشخاص الذين لديهم 4 أصدقاء مقربين أو يزيد 13%.
وكان من اللافت زيادة عدد الأشخاص الأصغر سناً (16 إلى 24 عاماً) الذين عبروا عن شعورهم بالوحدة بعض الأوقات، مقارنة بكبار السن، وذلك بنسبة تقارب الثلثين (65%)، بينما أعرب الثلث تقريباً 32% عن شعورهم بالوحدة بشكل دائم.
أما بالنسبة للفئة التي تتراوح أعمارهم بين 65 عاماً فما فوق، فصرَّح 32% منهم أنهم شعروا بالوحدة على الأقل في بعض الأحيان، و11% شعروا بالوحدة في غالب الأوقات أو على نحو مستمر.
واعتبر شيروود أن، "اكتساب الأصدقاء والحفاظ عليهم ليس أمراً سهلاً، وقد يستغرق وقتاً وجهداً لا نتوفر عليهما دائماً"، وأضاف: "يجهد الإنسان نفسه في التوفيق بين حياته المهنية والأسرية، وقد يبدو أحياناً كما لو كان لدينا عدد كبير من الأصدقاء عبر الشبكات الاجتماعية، لكن هل يمكن لأحد معرفة حقيقة ونوعية هذه الصداقات فعلاً؟".
يخلص شيروود إلى القول: "نحن بحاجة إلى نسج العلاقات الاجتماعية حفاظاً على صحتنا، ولا ينبغي أن نعتقد أنها مكاسب مسلم بها، وتحقيقاً لذلك يحتاج الناس إلى دعم يساعدهم في تنمية الصداقات الشخصية والشعور بأنهم جزء من المجتمع".
المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة “نعم” للإعلام الرقمي د. عمار بكار سبق وأن نشر مقالة في موقع "الوطن" فنّد من خلالها تأثير التكنولوجيا على العلاقات، مذكرًا بأنه قد يكون اختيارًا يلجأ الناس للعزلة وتقليل عدد الأصدقاء حتى ترتاح من أعباء الحياة الاجتماعية عندما يمكنها ذلك، وأن الشبكات الاجتماعية أسهمت في قضاء الكثير من الاحتياجات الإنسانية بجهد محدود، مما جعل الكثير من الناس يلجؤون إليها على حساب الحياة الاجتماعية الحقيقية.
لكنه يرى أيضًا أن علاقات الصداقة التي يتم تأسيسها أو صيانتها عبر التكنولوجيا، تكون عادة ضعيفة وليس لها عمر طويل ولا تستطيع تلبية الكثير من الاحتياجات العميقة التي تتطلب التقارب الروحي والنفسي.