وكالات - الاقتصادي - واحدٌ من الأسباب المركزية خلف تحديد ارتفاع الطائرات هو أن الهواء يُصبح أخفّ مع كل قدمٍ ترتفعها الطائرة عن سطح الأرض، وبالتالي يُمكن للطائرة السفر بشكلٍ أسهل والتحرّك أسرع، وحرق وقودٍ أقل، وهو ما يوفر المال.
والارتفاع الأفضل للطيران يقع بين 30 ألفاً و42 ألف قدم- أعلى من هذا يصبح الأكسجين أقل من اللازم لتغذية المحركات، وأدنى من هذا تصبح مقاومة الهواء أكبر.
هذا الارتفاع المثالي حسب تقرير نشرته صحيفة The Telegraph البريطانية، مرتبط بالوزن المعتاد للطائرات النفاثة التجارية، ما يعني أن الطائرات الأثقل تطير على ارتفاعٍ أدنى، والطائرات الخفيفة على ارتفاعٍ أعلى.
الأكثر فاعلية في الواقع هو أن تستمر الطائرة في الارتفاع، بدلاً من تثبيت ارتفاعها عند الوصول إلى 35 ألف قدمٍ مثلاً، إذ إن وزن الطائرة يتناقص مع استهلاك الوقود وخفّة الهواء.
يشرح بيتر تيري، الذي يعمل طياراً للطائرات التجارية منذ 30 عاماً: "كل طائرة لديها ارتفاعٌ مثالي (يحقق أقل تكلفة وأقل حرقٍ للوقود) يعتمد على وزنها. طارت طائرات الكونكورد على ارتفاعاتٍ أعلى بكثير من 50 ألف إلى 60 ألف قدم، حيث لم تكن هناك طائرات أخرى، وبالتالي كان بإمكانها الاستمرار في الارتفاع".
ويشرح دوغ موريس، الكابتن بشركة Air Canada، أن القاعدة العامة هي أن الارتفاع الأعلى أفضل "لأن الهواء الأخفّ يسبب مقاومة أقلّ. هي مُقايضة بين كفاءة الوقود وبين الطاقة".
ما حال الجو على هذا الارتفاع؟
الطيران على ارتفاع آلاف الأقدام يعني كذلك أن الطائرات تتفادى الكثير من الأحوال الجوية السيئة التي يتعرّض لها الناس على الأرض. تعرف ذلك الشعور عندما لا ترى شيئاً إلا السماء الزرقاء من نافذة مقعدك على الطائرة، فقط لتنزل الطائرة إلى مطار الوصول حيث المطر الكئيب.
تؤوي طبقة التروبوسفير -أقرب طبقات الغلاف الجوي إلى الأرض- أغلب الظواهر الجوية في العالم. في هذه الطبقة، التي يقدّر ارتفاعها بـ36 ألف قدمٍ في المعتاد، تزداد احتمالات تكوّن الغيوم، وكذلك سقوط الأمطار الثقيلة وهبوب الرياح العاصفة. تفضّل الطائرة العيش في الستراتوسفير، ما يعني اضطراباتٍ جوية أقل بكثير.
يعني الطيران على ارتفاعٍ عالٍ أيضاً أن الطائرة تتمكن من تفادي الحركة المرورية الجوية، مثل الطائرات الخفيفة أو المروحيات، والتي تطير على ارتفاعٍ أدنى، بالإضافة إلى الحشرات والطيور.
والطائرات الخفيفة ليست مزودة بمقصورات مضغوطة الهواء، لذا تبقى تحت ارتفاع 10 آلاف قدم، فأي ارتفاعٍ أعلى سيتطلب من الطيار ارتداء قناع أكسجين لكيلا يفقد الوعي.
إن حدث شيء سيئ لطائرة على ارتفاع 35 ألف قدم، مثل انقطاع الطاقة عن المحركات، فإن الطيار أمامه من الوقت للتعامل مع الموقف ما هو أكثر بكثير مما لو كانت الطائرة على ارتفاع 10 آلاف قدمٍ وفقط.
ربّما يبدو هذا سخيفاً، لكن تذكر أن الطائرات يظل بإمكانها الهبوط بأمان، حتى وإن تعطل كلا المحركين، لذا فإن امتلاك مزيدٍ من الوقت لتنظيم الأمور قبل القيام بمثل هذه المناورة قد يُنقذ الكثير من الأرواح.
كلما ارتفعت أكثر، زادت البرودة، حتى ارتفاع 40 ألف قدم. إن كانت درجة الحرارة على الأرض 20 درجة مئوية، فإنها ستكون سالب 57 درجة مئوية على ارتفاع 40 ألف قدم. وعلى ارتفاع 35 ألف قدم تكون درجة الحرارة حوالي سالب 54 درجة مئوية.
القيمة المعروفة باسم الارتفاع الأدنى الآمن LSALT مطبّقة من قِبل هيئات الطيران حول العالم، ومن ضمنها هيئة الطيران المدني البريطانية وإدارة الطيران الفيدرالية الأميركية.
يقول ريتشارد تايلور من هيئة الطيران المدني البريطانية "ينطبق هذا أكثر بكثير على الطائرات الخفيفة من طائرات المسافرين، لكن من غير القانوني الطيران على ارتفاعٍ أدنى من ألف قدم فوق منطقة مشيّدة، وعلى ارتفاعٍ أدنى من 500 قدمٍ فوق أي شخص، أو مركبة أو مبنى. وهذا يرجع لأسبابٍ بيئية مثل الضوضاء بقدر ما يرجع للاحتياطات الأمنية".
يجب ألا تطير الطائرات على ارتفاعٍ أدنى من ألف قدمٍ فوق "أعلى جسمٍ ثابت" تحتها، ويجب على الطيارين التأكد من أن الارتفاع كافٍ للابتعاد عن المناطق المزدحمة في حالة تعطل المحركات.
وكما هو واضح، لا تنطبق هذه القوانين على الإقلاع والهبوط، عندما تكون الطائرة في ممرّات طيرانٍ منظّمة.
ليس هناك حدٌّ أقصى للطيران، إلا أن المحرّكات ستُصارع كلّما انخفضت مستويات الأكسجين، والتواصل مع الأرض سيُصبح تحدياً أكبر.
الرقم القياسي لأعلى ارتفاعٍ سجلته طائرة نفاثة هو 123,520 قدماً، سجّلة أليكساندر فيدوتوف في 1997 محلّقاً بطائرة ميغ 25 M عسكرية سوفيتية.
وبالمناسبة، الرقم القياسي بالنسبة للطائرات الورقية هو 89,590 قدماً، سجّلته طائرة لم تطِر إلى هذا الارتفاع، وإنما أُطلقت في الهواء بواسطة بالون هيليوم.
هي قاعدة متبعة من أجل الحفاظ على سلامة الطائرة والركاب تحظر على قائد الطائرة وفريقه الانشغال بالحديث، أو أي نشاط آخر قبل الوصول إلى ارتفاع 10.000 قدم عند الإقلاع، وذات الارتفاع عند الهبوط.
وبدأ اتباع هذه القاعدة بعد حادثة طيران وقعت لشركة Eastern Air Lines عام 1974، والتي تحطمت قبيل الهبوط على مدرج مطار شارلوت دوغلاس في جو غائم وقتل 72 شخصاً كانوا على متنها.
بعد التحقيق تبين أن السبب وراء الحادث لم يكن سوء الأحوال الجوية، أو صعوبة الرؤية بسبب الضباب الكثيف، بل " كانت الثرثرة حول عدة مواضيع متنوعة تراوحت بين الاختلافات السياسية حتى أسعار السيارات المستعملة" والتي جعلت طاقم الطائرة ينشغل تماماً عن مراقبة لوحات التحكم.