رام الله- القدس الاقتصادي- حسناء الرنتيسي- هل جربت شراء القطين من احدى مدن فلسطين؟ حتما لو جربت فإنه سيذهلك حقيقة شبه غياب للقطين الفلسطيني، في الوقت الذي كانت فيه تلك الصناعة تحديدا من الصناعات البيتية التي لا تكاد تخلو من قرية فلسطينية، أما الآن فالتين يسقط على الأرض ولا يجد من يصنعه، وأشجار التين تهرم وتقع ارضا ولا تجد من يجدد انباتها، وما يتبقى من الماضي إلا أجداد يتحسرون على أشجارهم وصناعتهم التي يمحوها غبار الزمن.
الحاجة رحيلة من قرية رنتيس تستعيد ذكرياتها في طقوس صناعة القطين في القرية، تقول "كنت واخواتي نتوجه عصرا لأرضنا المزروعة بأشجار التين واللوز، فنتسابق على جمع التين الذابل، الذي يقع على الأرض، ثم "ننشره" بالشمس، ونجففه، وتستغرق العملية حوالي ثلاثة ايام تقريبا، وكل يوم نجمع التين المجفف وننتقي الأفضل منه، ثم ندوسه بالأرجل ليتماسك أكثر، ثم نضعه في الخابية بعد أن تنتهي امي وعماتي من تجهيزه، وكنا نبيع جزءا منه ونحتفظ بالبقية للأكل، وخاصة في الشتاء".
عرفات شتية رئيس قسم البستنة في وزارة الزراعة، قال ان صناعة القطين مرت بمرحلة تاريخية في فلسطين، فما زالت ترتبط بالتراث وتشكل جزءا منه، فهناك أصناف متعددة للقطين، منها ما كان ينضج على الشجرة بشكل طبيعي، ويذبل ويقع على الأرض، فيصبح ذا جودة جيدة إن وقع على تربة جيدة ونظيفة، بينما يكون سيئ الصنع إن وقع على تربة ملوثة، ثم توجه المزارعون لعمل "مصاطب" يقع عليها التين الذابل حتى لا تتلوث.
صناعة القطين في طريقها للزوال
ويشير شتية الى تلاشي أصناف من القطين، وذلك لأسباب عدة، أهمها الاستيراد من تركيا بكميات كبيرة، ونتيجة للعناية الكاملة بتصنيعه، وتطور الطرق المستخدمة في صناعة القطين لديهم كان إنتاجهم من القطين افضل، من حيث الصمود ضد التلف.
يقول العطار ابو ندى، صاحب محل عطارة في رام الله ان الناس أهملت هذه الصناعة، فما عادت كمية الإنتاج تكفي الطلب المحلي، ما دفع لاستيراد القطين التركي، الذي يزيد سعرا عن البلدي، فالقطين التركي يبلغ سعر الكيلو منه حوالي 30 شيقلا، بينما البلدي يبلغ سعر الكيلو منه نحو 24 شيقلا.
اما عن رؤيته لأسباب إهمال هذه الصناعة، فيقول ابو ندى إن ظروف الحياة دفعت الناس إلى إهمال أرضهم وأشجارهم، فاندفعوا للعمل بأجرة يومية او شهرية في الوظائف والبناء والحرف الأخرى، فقل نصيب هذه الأشجار من الاهتمام، حتى كادت تختفي هذه الصناعة لولا بقاء عدد من المزارعين.
البلدي أفضل.. بدائية التصنيع تؤدي لتلفه
رغم مرور عشرات السنين على صناعة القطين في فلسطين، ورغم التطور الذي حدث في كثير من الصناعات، إلا أن صناعة القطين ما زالت تستخدم فيها الطرق البدائية.
ومع وفاة كبار السن ونقص كميات الإنتاج تراجعت هذه الصناعة، ما حد منها، والأسباب كثيرة، منها ما له علاقة بالاحتلال نتيجة مصادرة الاراضي ومنع بعض المواطنين من الوصول لأراضيهم، وأخرى ذاتية من ظروف الحياة الجديدة ووسائل العمل التي نأت بالمزارع عن أرضه، هذه الأسباب وغيرها ساهمت كثيرا في غياب هذه السلعة كمنتج محلي، أو توفرها بكميات قليلة.
ويفضل العطار ابو ندى القطين البلدي على التركي، ويقول إن البلدي جودته وطعمه أفضل، لكنّ طريقة عرض القطين التركي في علب بشكل يجذب الزبائن حدّ من اقبال الناس على شراء القطين البلدي، كما يضيف صاحب محل الشلة للعطارة ان القطين التركي لا يتلف مع الوقت، بعكس البلدي الذي يظهر فيه الدود إن بقي لمدة طويلة، ويشير إلى أن ذلك لا ينقص من جودته، فالقطين البلدي هو الأفضل، وقلّة الإنتاج المحلي هي السبب وراء استيراد القطين التركي، ولمعالجة قصة تلف القطين البلدي مع الوقت يشدد على أهمية استخدام طرق عصرية في إنتاج وتصنيع القطين، ما يجعله أكثر صمودا ضد التلف.
صناعة القطين ذات جدوى اقتصادية
ابو ندى اكد على حاجة السوق للقطين البلدي، وقال ان سعر الكيلو جيد للمزارع، وبالتالي يمكن أن يتم زراعة مساحات كبيرة بالتين لسد الثغرة في حاجة السوق، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة استخدام طرق عصرية تمنع الإنتاج من التلف مع مرور الوقت، إضافة إلى تغليفه بشكل جذاب والاهتمام بطريقة العرض، وهو ما تفوقت به الصناعة التركية.
العطارون ابو ندى وصاحب محل الشلة للعطارة وشتية اجمعوا جميعا على الجدوى الاقتصادية لصناعة القطين بسبب حاجة السوق له، وخاصة في ظل توفر مساحات جيدة من الأراضي التي يمكن أن يتم استغلالها لزراعة التين والاعتناء به، لكن يشير شتية الى توجه المزارعين إلى بيع ثمار التين دون تصنيعها كقطين، وذلك لأنهم يرون أن بيعها هكذا مجد اقتصاديا بشكل أكبر، رغم التأكيد على الجدوى الاقتصادية من بيع التين كقطين.
وزارة الزراعة تدرس دعم صناعة القطين
واشار شتية الى جهود وزارة الزراعة في وضع خطط لدعم هذه الصناعة، حيث تدرس إرسال عدد من المزارعين لتركيا او جلب عدد من المزارعين التركيين لفلسطين للاستفادة من خبراتهم، وتدريب المزارعين الفلسطينيين، كما تسعى الوزارة بذلك لايجاد أصناف جديدة تتفوق على الأصناف الموجودة وتؤدي للتنوع في العرض.
كما اكد شتية أن وزارة الزراعة توزع عددا من الأشتال على المزارعين في المناطق التي يصلح فيها زراعة التين بشكل أفضل من غيرها، ويشير إلى مطالبتهم الوزير للاهتمام بصناعة القطين، وعمل أصناف ملائمة، واستخدام طرق مكافحة جيدة تحمي الثمرة من التلف، فإذا نضجت الثمرة وكان في داخلها ذبابة فاكهة فإنها تتعرض للتلف، ما استجوب ايجاد عناية كاملة ومتكاملة بالقطين لتحسين إنتاجه.
كما يشير إلى وجود ماكنات خاصة لتجفيف القطين، فهناك لوحات شمسية تجفف الثمرة، وهي موجودة عندنا لكن فقط للتجارب، منها واحدة في جامعة النجاح الوطنية وأخرى في مركز التنوع الحيوي.