وكالات - الاقتصادي - ربما يجد بعضهم أن الحديث عن الممحاة والأوراق والأقلام ليس له قيمة، وخاصةً بعد التطور التكنولوجي والرقمي، الذي صارت معه كل أعمال الكتابة والرسم والتدوين تُجرى بضغطة زر.
لكن، وبعيداً عن سحر الأوراق والأقلام، وعدم قدرتنا على الاستغناء عنهما بشكل كامل، فإن الرسامين مثلاً، لا يمكنهم التوقف عن استخدام الأوراق والأقلام بكل ألوانها وأنواعها، وطبعاً لا يمكنهم الاستغناء عن الممحاة.
تاريخ قديم
يبدو أن فكرة التراجع عن الأخطاء، والبدء من جديد كانت مريحة وجذابة للإنسان منذ القدم، إلى درجة أنه استخدم قطع الخبز المرطب بالماء؛ لمحو كتاباته وإعادة استخدام الألواح مرة أخرى في العصر الميجي Meiji period، وهي حقبة في التاريخ الياباني تُنسب إلى الإمبراطور الياباني Meiji.
وقد استخدم الرومان واليونانيون ألواحاً قابلة للمسح وإعادة الكتابة عليها، كانت تسمى Palimpsest، ويقال إنها غالباً كانت ألواحاً من الشمع الناعم، تُكشط الكتابات من عليها باستخدام الحجر الرملي.
واستخدم الإنسان القديم كذلك أقراص الشمع، وأحياناً قطعاً من الحجر الرملي، أو الحجر الخفاف Pumice Stone؛ لمحو كتاباته من على الرقاع الجلدية وورق البردي.
رب صدفة
عام 1770، التقط المهندس الإنكليزي إدوارد نارين، صدفةً، قطعةً من المطاط النباتي بدلاً من قطعة الخبز، ليجدها تقوم بمسح الكتابة وبشكل أفضل من الخبز.
هذا الاكتشاف الذي صاغه، ووصفه الكيميائي جوزيف بريستلي في 15 نيسان من العام نفسه، بقوله إنه رأى قطعاً من المطاط تُستخدم بشكل ممتاز لمحو كتابات بالرصاص الأسود، وقال إن نارين كان يبيعها في هذا الوقت.
وسُميت قطع المطاط هذه في وقتها بالكاوتشوك Caoutchouc، ولاحقاً استخدم اسم Rubber، نسبة إلى فعل المحو ذاته "Rubbing".
وكانت مشكلة هذا المطاط النباتي تكمن في رائحته الكريهة، وحساسية بعضهم منه، بالإضافة إلى كونه غير متماسك، وسريع الاهتراء، الأمر الذي تداركه الكيميائي تشارليز جوديير عام 1839، حين توصل إلى معالجة المطاط كيماوياً بمادة الكبريت، التي تجعله أكثر تماسكاً وأطول عمراً، وهي العملية المعروفة كيماوياً بـ"Vulcanization".
وفي عام 1858، توصل المهندس الأميركي هايمان ليبمان إلى اختراع بتركيب ممحاة صغيرة على أحد أطراف القلم الرصاص، والذي اشتراه المستثمر الأميركي جوزيف ريكيندورفر بما يوازي 2 مليون دولار في وقتنا هذا!
ولاحقاً، انتشر هذا القلم المزوَّد بممحاة في الولايات المتحدة الأميركية، وصار المفضل لدى الغالبية، إلا أن ريكيندورفر كان سيئ الحظ؛ إذ قضت المحكمة العليا بالولايات المتحدة الأميركية، بأن تركيب ممحاة للقلم يجب ألا يعد اختراعاً؛ لأن القلم موجود من قبل وكذلك الممحاة؛ وعلى أثر ذلك أُلغيت براءة اختراع ليبمان التي اشتراها ريكيندورفر، وتمكنت لاحقاً شركات أخرى من إنتاج قلم مزود بممحاة، دون أن تكون مدينةً بشيء لكليهما!
أشكال متعددة.. وأنواع مختلفة
في وقتنا الحالي، تتنوع أشكال الممحاة وخامات صناعتها، وإن كانت الغالبية العظمى منها مصنوعة من الفينيل الأبيض، أو المطاط الصناعي. وتتميز الممحاة الجيدة بسهولة انزلاقها على الورق، وعدم تركها خدوشاً أو آثاراً عليه.
ويقوم عمل الممحاة بالأساس على ميكانيكية الفرك "Rubbing"، التي تولد حرارة تدفئ سطح الغرافيت، الذي يُصنع منه القلم الرصاص؛ ولأن جزيئات الفينيل أو المطاط أكثر قابلية للالتصاق بذرات الغرافيت، من الورق، فإنها تزيله مخلّفةً بقايا يمكن نفضها بسهولة عن الورق.
وتوجد الممحاة في أشكال مختلفة لتناسب استخدامات الرسامين، بعضها على شكل عجين "Kneaded Eraser"، وتأتي في قوالب تشبه الصلصال، وتكون لينة جداً ومصنوعة من المطاط غير المعالج، وسهلة التشكيل حسب المساحة المراد التعامل معها على الورق، وتخدم أغراض الرسم بالفحم أو الباستيل؛ لأنها لا تترك أي بقايا خلفها، لكنها تحتفظ باللون داخلها، ومن ثم تحتاج للتنظيف.
وأيضاً، توجد الممحاة التقليدية البيضاء، المصنوعة من الفينيل الأبيض، وهي متماسكة وتنظف جيداً، ولا تسبب خدوشاً في الورق، وذراتها تلتصق بالغرافيت بسهولة؛ لذا تستخدم مع الأقلام الرصاص، لكنها تترك بقايا خلفها يمكن نفضها بعد الانتهاء.
وتتوافر الممحاة كذلك في شكل قلم، وهي مجرد ممحاة من الفينيل الأبيض، لكن على شكل أسطواني رفيع، وتُستخدم لمسح الأجزاء الدقيقة، أو صناعة الظلال والفراغات على الورق.
وتعج أماكن بيع القرطاسيات بالعديد من الأنواع والأشكال والعلامات التجارية؛ بل وبألوان وروائح مختلفة، في تحدٍّ واضح للتكنولوجيا والعالم الرقمي، متراصّة بجوار الأقلام الخشبية وأقلام الفحم، في عالم سحري يعرف كيف يجذب عشاقه مهما راودتهم عنه الشاشات والأزرار.