ليس من باب المجاملة او التعاطف، ان تفوز فلسطين بالمرتبة الأولى (عن الفئة الرابعة) في جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر، في آذار الماضي، كأفضل مشروع تنموي في مجال تطوير النخيل، والتى شاركت فيها 34 دولة عربية وأجنبية، بعدد 137 بحث متقدم للجائزة الدولية.
فقد حقق مزارعو النخيل في فلسطين خلال السنوات الماضية، قفزة نوعية في زراعة أشجار النخيل من حيث الكمية والنوعية وجودة المنتج، وقد يصبح هذا المنتج نفط فلسطين القادم.
في هذا التقرير يُسلط مراسل معا في الخليل الاضواء على زراعة تمر المجول، في أريحا والاغوار، حيث تشير احضائيات الى حجم الاستثمار السوقي في هذا المنتج يزيد عن 200 مليون دولار، كما انه يُشغل ما يزيد عن 5 آلاف مهندس وفني وعامل، كما يتطرق التقرير الى الصعوبات التي تواجه تدفق نفط فلسطين واهمها نفاد المياه حيث جفت 7 آبار في الجنوب الشرقي من أريحا وهذا يُشكل تهديداً على مستقبله.
200 ألف شجرة تمر مجهول والانتاج 10% من الانتاج العالمي
أشارت دراسة صادرة عن غرفة تجارة وزراعة وصناعة محافظة اريحا والأغوار في عام 2014، إلى أن زراعة النخيل من الاستثمارات الواعدة، إذ تضاعف انتاج التمور ما بين عامي 2012 و 2014 بنسبة 100% لتصل كمية الانتاج إلى نحو 4000 طن، مقارنة بـ 2100 طن تم انتاجها عام 2012.
كما تشير احصائيات الى أن مبيعات تمر المجهول خلال العام 2014، كانت 10.1 مليون دولار، بزيادة 233% عن مبيعات العام 2012، كما أن صادرات تمر المجول في العام 2014 بلغت 10 مليون دولار، بزيادة وقدرها 379% عن العام 2012، ومن المتوقع ان ترتفع هذه الارقام خلال الموسم الحالي.
وقد بلغت ذروة زراعة أشجار النخيل في منطقة أريحا والأغوار بين عامي 2009 - 2010، وبحسب مدير زراعة أريحا والأغوار، عمر بشارات، فقد تم زراعة نحو 200 ألف فسيل -بنيات- بزيادة وقدرها 37% من مجموع النخيل المزروع، على مساحة تقدر بنحو 14 ألف دونم، وهذا سيرفع من كمية انتاج التمر الى نحو 5000 طن مع نهاية موسم 2015، وهي كمية تعادل 10% من الانتاج العالمي لتمر المجول.
والمنطقة الأساسية التي يزرع بها المجول هي أريحا والعوجا والجفتلك وصولاً إلى الزبيدات وفيما عدا ذلك تقتصر الزراعة على صنف "البرجي" نظراً لتحمله درجات الحرارة المنخفضة مقارنة بالمجول.
وتوقع بشارات، أن يصل انتاج فلسطين من تمر المجول خلال 10 سنوات قادمة الى 25 ألف طن، وقال:" من المتوقع ان يصل انتاج التمر المجول خلال 10 سنوات الى 25 الف طن، وقد نصل الى هذا الرقم في غضون سنوات قليلة، وقد يتم مضاعفة هذا الرقم اذا ما تم تحرير الاغوار من الاحتلال الاسرائيلي".
تمر المجول
يعتبر تمر المجول اليوم، أحد اهم وأغلى التمور على مستوى العالم، بسبب شكله الجذاب، ومذاقه الحلو، كما انه لا يزال فاكهة البلاط الملكي المغربي، وخلال السنوات الماضية كثر الطلب على هذه الفاكهة في الأسواق العالمية، وباتت من فواكه المائدة، وتعتبر منطقة غور الاردن في أريحا أحد أهم المناطق لإنتاج تمر المجول في العالم، نظراً لتوفر كافة شروط زراعتها، كالمناخ الجاف الحار والتربة الجافة، والمياه ذات الملوحة العالية والمساحات الشاسعة.
وتحتاج نخلة المجول، من 3 - 5 سنوات لكي تعطي محصولاً ذا قيمة اقتصادية، ويقسم تمر المجول الى عدة أنواع تتراوح في وزنها وسعرها وشعبيتها، وكلما زاد وزن حبة المجول زاد سعرها، وانواعها: "ميديوم" من 12-16 غم، "لآرج" من 16-20 غم، "جامبو" من 20-25 غم، و "سوبر جمبو" من 25-40 غم، وهذا الحجم غير موجود في العالم ولا حتى في كاليفورنيا والمغرب، وهذا بالتالي يمنح التمر الفلسطيني ميزة خاصة، حيث باتت تعتبر منتجا فاخرا يذهب للأسواق رفيعة الذوق بما في ذلك أشهر الفنادق الفاخرة العالمية.
110 مليون دولار حجم الاستثمارات في المجول والقيمة السوقية تجاوزت 200 مليون دولار
يقدر المهندس بشارات، بأن حجم الاستثمارات الموجودة في تمر المجول في منطقة أريحا والأغوار بنحو 110 مليون دولار، فيما أشار خبير الى أن القيمة السوقية لحجم الاستثمارات في هذا القطاع تتجاوز 200 مليون دولار، كونها استثمارات بعيدة المدى، ويحتاج المستثمر سنوات تمتد من 5 الى 6 أو 7 سنوات من بدء الاستثمار، لجني المردود المالي من استثماره.
وفي هذا الصدد، يقول أحمد القواسمي، عضو الهئية الادارية لشركة الزراعون العرب وأحد المستثمرين في التمر المجول:" الاستثمار في تمر المجول ذا مخاطر عالية، خاصة وأن غالبية المزارع في المناطق المصنفة (C) وهناك صعوبة في الحفر والتنقيب على آبار المياه، وتعتمد غالبية المزارع على مد أنابيب المياه من مناطق بعيدة الى مزراعهم لتوفير المياه لري المحصول".
وزاد في حديثه:" هذا استثمار بعيد المدى، وتم ضخ ملايين الدولارات الامريكية، للحصول على نتيجة بأفضل الأحوال بعد 7 سنوات، من انتاجية نخيل المجول، ولكن أمامنا واجب وطني وهذا الواجب يقع على كل مزارعي الأغوار وأريحا والمناطق الفلسطينية الأخرى، للحفاظ على الارض الفلسطينية من التسرب".
وقال بشارات:" بدأت زراعة تمر المجول في أريحا في العام 1989 في الجفتلك، وتدخلت الاغاثة الزراعية لمساعدة المزارعين عام 1996 وقامت بتوزيع بعض الفسائل على المزارعين، ثم تدخلت وزارة الزراعة الفلسطينية، لدعم المزارعين ضمن سياسة الوزارة للدفع باتجاه تغيير الانماط الزراعية ذات الربحية العالية للمزارعين".
وتابع في حديثه:" خلال السنوات الماضية، بدأت كميات المياه تقل في أريحا وتقل معها الجودة وترتفع الملوحة وباتت لا تصلح لري محاصيل الخضار، قمنا بتوجيه المزارعين نحو زراعة التمر المجول وقدمنا لهم فسائل لزراعتها".
من جانبه قال طارق ابو لبن مدير عام التسويق في وزارة الزراعة:" نحن كوزارة زراعة نعتبر انفسنا شركاء مع المزراعين، ونساهم في تسهيل عرض منتجاتهم في المعارض، وقمنا بدعم المزارعين بالفسائل، ويعتبر تمر المجول من أهم المزروعات بعيدة الأجل، كما اننا نقوم بمنع استيراد التمر المجول الاسرائيلي الى السوق الفلسطيني في موسم القطاف، اضافة الى محاولاتنا الدؤوبة لمنع تهريب التمر من المستوطنات الاسرائيلية للسوق المحلي".
وضمن مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي دعمت القطاع الخاص لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في الأراضي الفلسطينية، يعتمد تدخل الوكالة على رؤية استراتيجية وتخطيط وتحضير للمستقبل لضمان استمرار نمو وتطور القطاع، وتعمل الوكالة من خلال مشروع "Compete" مع المزارعين والشركات على تهيئة القطاع لهذا الحجم من الانتاج سواءً فيما يتعلق بالبنية التحتية او تطوير العملية التصنيعية والتسويقية منذ العام 2009.
وقال المتحدث الرسمي للقنصلية الامريكية العامة في القدس:" ساعدت الوكالة الأمريكية للتنمية من خلال مشروع "Compete" على تطبيق نظام جودة للسوق الأوروبي والأمريكي بما في ذلك أيزو 22000 وBRC وGLOBALGAP، كما وتم توفير نظام إلكتروني "Traceability" بإمكان كافة مزارعي النخيل الاستفادة منه وتطبيق متطلبات الجودة العالمية".
جفاف 7 آبار و200 مليون دولار مهددة بالضياع
من أكثر المخاطر الاستثمارية التي تواجه المستثمرين في تمر المجول، نقص المياه، وهذا الخطر ظهر للسطح بعد جفاف 7 آبار في الجنوب الشرقي من أريحا، وبحسب بشارات، فإن هذه الآبار قد جفت مرة واحدة، ولا يُعرف سبب جفافها مرة واحدة، وقد يكون السبب وراء ذلك وقوع هزة أرضية في المنطقة أدت لاختلاف طبقات الأرض، وجفت معها الآبار.
وقال بشارات:" الخطر الحقيقي الذي يهدد مئات الملايين من الدولارات هو جفاف المياه، اضافة الى الخطر المحدق بآلاف العمال الذين يعملون في قطاع التمور بأريحا بشكل مباشر وغير مباشر، وعلى جميع المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة التكاتف وايجاد حل سريع لمشكلة المياه".
ويوافقه في الرأي القواسمي، والذي قال:" كما قلت سابقاً تكاليف مدخلات انتاج التمر عالية جداً، وخاصة المياه والتي بدأت بالجفاف في عدة آبار، ومع استمرار هذا الجفاف فإننا مهددون بشكل مباشر، ونطالب بلدية أريحا ووزارة الزراعة وسلطة المياه الفلسططينية، بايجاد حل سريع ودائم لمشكلة جفاف المياه في أريحا والاغوار".
اضافة الى ذلك، فإن المستثمر لا يشعر براحة في الاستثمار خاصة وأن غالبية الشركات قامت باستئجار مزراعها من وزارة الاوقاف الاسلامية، لفترة 25 عاماً، وبعد ذلك تؤول المزارع بما عليها لوزارة الاوقاف، وتطالب الشركات بإطالة فترة العقود لـ10 أعوام اضافية لتصبح 35 عاماً.
وفي هذا السياق يقول القواسمي:" لا يوجد أمان للاستثمار، في ظل أن الأراضي التي قمنا باستئجارها تنتهي عقودها في غضون 25 عاماً، ولا يقتصر الاسثمار على الزراعة، فهناك خطوط انتاج للفرز والتعبئة والتغليف وثلاجات خاصة لحفظ التمر، ولا ننسى أن الاستثمار في التمر المجول هو استثمار بعيد المدى، ولضمان استمرارية الاستثمارات في هذا القطاع الهام لا بد من زيادة أعوام الاستئجار من قبل وزارة الاوقاف للشركات".
معالجة مشكلة المياه
وقالت مصادر مائية، لحل مشكلة نفاد مياه الري في مزارع التمر، من الممكن استخدام تقنية تكنولوجيا المياه الممغنطة لمعالجة ملوحة المياه، او من خلال استخدام ونقل المياه العادمة المعالجة في محطة البيرة لري سهل العوجا والتي تبلغ مساحتها 30 ألف دونم، وذلك يعني وجود فرص هائلة للتوسع والامتداد والاستثمار في قطاع التمر المجول، والذي يعتبر بمثابة نفط فلسطين القادم.
عن وكالة معا