وكالات - الاقتصادي - مئات الآلاف من القوات البرية ستنتشر في مسرح المعركة على مدى 90 يوماً، وسينضم إليهم نصف البحرية الأميركية وأكثر من 1000 طائرة؛ هذا هو السيناريو المرعب الذي قد يتحقق في حال نشوب حرب بين أميركا وكوريا الشمالية وتحولها لحرب عالمية ثالثة، بعد أن خرج مستشار الأمن القومي الأميركي، هربرت ماكماستر، الإثنين 1 مايو/أيار 2017، يدعو للتأهب والاستعداد من أجل تحرك عسكري ضد بيونغ يانغ، لكن هل أميركا مستعدة فعلاً؟
الكاتب الأميركي توماس ريكس نشر مقالاً في مجلة فورين بوليسي، أوضح فيه أن واشنطن لن تكتفي بإرسال سفن حربية إلى المنطقة، ونصب نظام متقدم مضاد للصواريخ في كوريا الجنوبية؛ بل إن استعداداتها أكثر من ذلك بكثير.
فعلى مدار عشرات السنوات، عقد المخططون العسكريون الأميركيون الكثير من الجلسات، وفكروا خلالها في سيناريوهات الحرب المقبلة ضد كوريا الشمالية، بمشاركة قواتها البحرية والجوية والبرية والخاصة، حتى أطلق على واحد منها "أوبلان 5027" وأخرى "أوبلان 5029"، وهي استراتيجيات الولايات المتحدة للقتال وإلحاق الهزيمة بأي هجوم من قِبل كوريا الشمالية.
ويتحدث ريكس عن هذه الخطط التي ستحوّل كوريا الشمالية إلى ساحة حرب مستعرة، والمعوقات التي قد تواجه واشنطن في حال شنّ ضربة استباقية.
وتقضي الخطة 5027، بنشر الجيش الأميركي مئات الآلاف من القوات في مسرح الحرب على مدى 90 يوماً، بالإضافة إلى نصف البحرية الأميركية وأكثر من 1000 طائرة.
وهناك أيضاً خطة "أوبلان 5029"، للتعامل مع أي انهيارٍ مفاجئ لحكومة بيونغ يانغ، والقيام بمهام مثل تأمين مخزون الأسلحة النووية والبيولوجية.
وإلى جانب أن هاتين الخطتين وغيرهما الكثير، قد تتعرض لمراجعاتٍ متعددة باختلاف القادة وبتغير الظروف العالمية، يبقى هناك أسئلة صعبة تواجه الولايات المتحدة، وفق ريكس.
أولاً: هناك مشكلة الضربة الاستباقية؛ هل يمكن للجيش الأميركي أن يقوم بضرباتٍ جوية تنسف الصواريخ والرؤوس الحربية؟
الإجابة هي: لا؛ فمن المؤكد تقريباً أنَّها مدسوسة في أنفاقٍ محفورة بعيداً في عمق الصخور الصلبة.
ويروي الكاتب تجربة له في سخاء الكوريين الشماليين ببناء الأنفاق، ويقول: "كنتُ ذات مرة في الطرف الجنوبي من نفقٍ قاموا بحفره تحت المنطقة المنزوعة السلاح مع كوريا الجنوبية، وكان ذلك مثيراً للإعجاب، وقيل إنَّه مجرد واحدٍ من العديد من الأنفاق. وفي ذلك اليوم الضبابي نفسه، ضل ربَّان المروحية يو إتش-60 الأميركي التي كنا نستقلَّها طريقه شمال العاصمة، وهبطت الطائرة في موقعٍ عسكري للولايات المتحدة قريب من المنطقة المنزوعة السلاح. وبعدها أبلغنا بخجل أنَّ هناك نوعين من ربَّان المروحيات: أولئك الذين يضلون طريقهم، وأولئك الذين يدَّعون زوراً أنهم لا يضلون الطريق".
لكنَّ الضربات الجوية الأميركية، التي من الممكن أن تنطلق من قواعد في الجنوب، أو من اليابان، أو حتى من جزيرة غوام التابعة للولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع التشويش الإلكتروني المكثَّف والعمليات السيبرانية، ربما يمكن أن تقلل بشدة من قدرة كوريا الشمالية على إطلاق أي شيء؛ فاتصالاتها الداخلية سوف تتوقف تقريباً.
توماس ريكس، يقول إنه إذا تبنَّت الولايات المتحدة منهجية الضربة الاستباقية، فثمة فرصة جيدة للقيام بضربة للإطاحة بالقيادة بهدف تدمير النخب الحاكمة في بيونغ يانغ. ويمكن للطائرات من دون طيار أن تحلِّق في الأجواء للتحذير من أي قاذفة تخرج من الأنفاق. ويبدو أن وظيفة مطلقي الصواريخ في كوريا الشمالية هي الوظيفة الأخطر في العالم الآن، وأكثر الوظائف قابليةً للترقِّي في المناصب كذلك.
ويضيف الكاتب الأميركي أن أول مشكلة كبيرة بخصوص الضربة الاستباقية، هي مدفعية كوريا الشمالية. فكوريا الشمالية لديها الآلاف من قطع المدفعية على طول المنطقة المنزوعة السلاح. وفي اللحظة التي يدركون فيها ما يحدث، ربما يبدأون إطلاق القذائف على سيول. ولا أعتقد أنَّه يمكنهم الاستمرار في ذلك فترةً طويلة، فالمعدات رديئة الصنع على الأغلب، ولن تنفجر معظم القذائف، وربما يجدون أنَّ الاستمرار في إطلاق القذائف أمرٌ صعب عندما يردّ الجانب الآخر عليهم بإطلاق النار، ويقصف كل باب نفق تفتحه كوريا الشمالية بالقنابل العنقودية.
إن احتمال سقوط قذائف مدفعية حول منطقة سيول الكبرى، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 20 مليون نسمة، هو أمرٌ محبط، حتى لو لم يتمكن القصف من إصابة الجزء الجنوبي من المدينة، وحتى لو استمر القصف بضعة أيامٍ فقط. بيد أن الأمر لن يصل على أي حال إلى "بحر النيران" الذى وعدت بيونغ يانغ قبل بضع سنوات بغمر سيول به.
أما المشكلة الثانية -بحسب الكاتب- فتتلخص في المثل القائل بأنَّه: "طالما كسرته، فعليك بشرائه"؛ وهي أنَّه كلما كان دور الولايات المتحدة في القضاء على أسرة كيم الملكية الحاكمة في الشمال أكبر، تحملت أكثر عبءَ المشكلة، وأصبحت مسؤولةً عن توفير المواد الغذائية وحفظ النظام بين السكان، من بين أمورٍ أخرى. وحتى لو تمكنت من إقناع الأمم المتحدة بنشر قوات حفظ سلام، سيكون على الولايات المتحدة أن تقدم الخدمات اللوجيستية؛ إذ إنَّ قلة من الدول الأخرى قادرة على القيام بجزءٍ بسيطٍ منها. ومن المؤكد غالباً أنَّه ستكون هناك عملية إغاثة إنسانية كبيرة على أقل تقدير.
لكن، ماذا لو لم يكن الجميع في كوريا الشمالية سعيداً بهذا التحول في الأحداث؟
يعتقد ريكس أن معظمهم سيكونون سعداء بالقضاء على الملكية الشيوعية المطلقة. لكن البعض لن يكون سعيداً بذلك. هذا فضلاً عن أنَّ المخططين العسكريين الأميركيين قلقون بشكلٍ خاص من الجزء الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة الكورية، بالقرب من روسيا. ماذا لو صمد هذا الجزء، ورفض الموافقة على وقف إطلاق النار، وأصر على الاستمرار في تبنِّي التقاليد العظيمة لأسرة كيم؟ هكذا سوف تحتاج إلى أكثر من قوات حفظ السلام. ونحن نعلم جميعاً بما ينذر به التعثر في حربٍ برية بآسيا.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي، هربرت ماكماستر، قد دعا أيضاً الإثنين، الدول الكبرى لردع النظام الحاكم في كوريا الشمالية من تطوير ترسانته النووية، مؤكداً أنه يتحدى المجتمع الدولي.
وقال في مقابلة مع فوكس نيوز، إن "بيونغ يانغ تشكل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وكذلك للصين وغيرها؛ لذا من الضروري لنا جميعاً مواجهة هذا النظام".
وأضاف: "على الرغم من أن إدارة ترامب تفضّل العمل مع آخرين من أجل حلّ الأزمة بعيداً عن العمل العسكري، فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تستعد لتدخُّل قواتها عسكرياً".