وكالات -الاقتصادي - في شهر فبراير الماضي، أعلنت شركة "ساني سايد أب" للعلاقات العامة والتي تتخذ من العاصمة اليابانية طوكيو مقرا لها أن الموظفين يمكنهم مغادرة العمل مبكرا في الجمعة الأخيرة من كل شهر، لكن المشكلة هي أنه لا أحد يرغب في المغادرة مبكراً.
يقول ريوتا هاتوري، رئيس قسم التواصل الدولي في الشركة: "هذا ليس من طبع اليابانيين.. ففي ثقافة العمل اليابانية نحن نعمل بجد كبير لساعات طويلة، ولا أحد يغادر مبكرا.. لم يفلح ذلك."
تعد هذه الفكرة جزءًا من مبادرة أطلقتها الحكومة اليابانية في 24 فبراير الماضي لتحسين سمعة البلاد السيئة فيما يتعلق بالعمل لساعات طويلة.
وتشجع الشركات العاملين على مغادرة العمل الساعة الثالثة مساء من الجمعة الأخيرة من كل شهر، والتي تعرف باسم "الجمعة الاستثنائية"، على أمل أن تساعد هذه الراحة على التخفيف من التوتر في مكان العمل. لكن تبين أن ذلك أصعب مما يبدو في ظاهر الأمر.
وترفع شركة "ساني سايد أب" شعار "دعونا نروح عن أنفسنا" وتعمل على تحفيز الموظفين على مغادرة العمل في وقت مبكر.
ويقول هاتوري: "علينا أن نمنحهم مكافآت".
وحصل كل موظف وافق على مغادرة مكتبه الساعة الثالثة مساء في "الجمعة الاستثنائية" على مكافأة قدرها 3200 ين (28 دولار).
وذهب بعضهم إلى محلات تشبه الحانات يطلق عليها سام "إزاكايا" تقدم أطباق طعام صغيرة، بينما ذهب أخرون للعب كرة القدم.
ومع ذلك، مازال الكثير من الموظفين في شركات أخرى مترددين في مغادرة العمل في وقت مبكر، في الوقت الذي يبدو فيه تحفيز العاملين على مغادرة العمل في وقت مبكر فكرة رائعة في بلدان أخرى.
وتقول نوماتشي (26 عاما)، وهي ترتب العلب الملونة في صندوق الشاحنة الصغيرة: "أود أن أشارك في الجمعة الاستثنائية، ولكن لا يوجد مجال لذلك. ومن المستحيل مغادرة العمل في وقت مبكر".
تقول نوماتشي إنها قد تغادر مبكرا إذا شارك مديرها في "الجمعة الاستثنائية"، لكن إلى أن يحدث ذلك، لا يجرؤ أي موظف على أن يكون أول المغادرين.
ويعد هذا شيئا معهودا في اليابان، التي يعمل فيها الموظفون أياما طويلة بمقابل أو حتى بدون مقابل، كما تقول باريسا هاغريان، استاذة الإدارة في جامعة صوفيا في طوكيو.
تقول هاجريان إن السبب في ذلك يعود بصورة جزئية إلى نقص الأيدي العاملة، لذا يقوم كل شخص بعمل إضافي، مضيفة: "في شركة لا يوجد بها عدد كاف من الموظفين، لا يمكنك القول إن بعضهم ينبغي أن يذهب لمنزله مبكرا لأنك لن تجد موظفين لاستكمال المهام المطلوبة".
لكن ثقافة اليابان المتعلقة بالعمل الجاد قد وصلت إلى مستوى الأزمة، مما دفع الحكومة للتحرك. وتسبب العمل المضني، الذي يطلق عليه في اليابان اسم "كاروشي"، في عدد من الوفيات، مما سلط الضوء على شغف اليابانيين سيء الصيت بالعمل.
ولعل أبرز مثال على ذلك هو انتحار ماتسوري تاكاهاشين، التي كانت تعمل في مجال الإعلانات، عام 2015 خلال أعياد الميلاد عن عمر يناهز 24 عاما.
وتركت تاكاهاشين، التي كانت تعمل أكثر من 100 ساعة إضافية في الشهر، ملحوظة لوالدتها تقول فيها: "لماذا ينبغي أن تكون الأمور غاية في الصعوبة؟".
ووُجد أن تاكاهاشين كانت واحدة من بين 2159 عاملا ماتوا أو انتحروا في ذلك العام بسبب العمل الإضافي لساعات طويلة. وفي أكتوبر، أصدرت الحكومة تقريرا أظهر أن 25 في المئة من الشركات بها موظفون يعملون 80 ساعة إضافية أو أكثر في كل شهر. وبهذا المعدل، تشير أرقام الحكومة إلى أن هؤلاء الموظفين باتوا عرضة للخطر بسبب العمل بشكل أكثر من اللازم.
ولمواجهة هذا الوضع، سعى رئيس الوزراء، شينزو أبي، لإيجاد طريقة لتخفيف عبء العمل في البلاد، بما في ذلك تشجيع الموظفين على المشاركة في الجمعة الاستثنائية بدءاً من فبراير.
وبعد مرور "جمعتين استثنائيتين"، لم يشارك إلا عدد قليل من الشركات. وقد تزامنت الجمعة الاستثنائية الشهر الماضي مع حلول موسم تفتح أزهار الكرز، وهو طقس من طقوس فصل الربيع يتوجه فيه اليابانيون والسياح إلى الحدائق والمعابد لمشاهدة الأشجار المكسوة بزهور الكرز الزهرية اللون. لكن تلك الجمعة كانت أيضاً آخر يوم من أيام السنة المالية اليابانية، ما يعني أن انشغال الكثير من الشركات حال دون إتاحة الفرصة لموظفيها للمغادرة مبكرا.
ولم يشارك سوى عدد قليل من العاملين في سلسلة مطاعم "دومينوز للبيتزا" في مغادرة العمل مبكرا في تلك الجمعة الاستثنائية، وهو ما دفع سلسلة المطاعم إلى القيام بحملة إعلانات تشير إلى أن العمال الذين يعودون للعمل صباح يوم الإثنين يكونوا محبطين ومكتئبين بعد أن ضاعت عليهم فرصة مغادرة العمل مبكرا في "الجمعة الاستثنائية".
وعلى الرغم من المبادرة التي أطلقها رئيس الوزراء، فإن الدوائر الحكومية نفسها لم تراع "الجمعة الاستثنائية"، فمثلهم مثل معظم الموظفين اليابانيين، يبدأ موظفو البلدية في مدينة كوبه صباحهم بقرع الأجراس الساعة التاسعة صباحا، وهو ما يعني أن الجميع ينبغي أن يكونوا على مكاتبهم.
وتقرع الأجراس مرة ثانية في تمام الساعة الواحدة ظهراً لتشير إلى حلول ساعة الغداء على الرغم من أن غالبية الموظفين يتناولون الطعام بسرعة على مكاتبهم. وفي الساعة الخامسة مساء تقرع الأجراس من جديد إيذاناً بانتهاء يوم العمل، لكنك لا ترى الكثير من الموظفين يغادرون مكاتبهم. وفي الساعة التاسعة مساء يقرع جرس نهائي ليخبر الموظفين بأن عليهم فعلاً أن يغادروا ويذهبوا إلى منازلهم. ورغم ذلك يبقى كثير من الموظفين منكبون على العمل ولا يغادرون.
يقول عمدة كوبه، كيزو هيساموتو، إنه يأمل أن يغير من هذا الواقع، مشيرا إلى أنه يؤيد فكرة "الجمعة الاستثنائية" والجهود الرامية إلى تخفيف عبء العمل عن كاهل الموظفين. لكن الموظفين في بلديته لن يشاركوا في ذلك.
يقول هيساموتو إنه بدأ بالعمل على خفض عدد ساعات العمل الإضافي التي يقضيها الموظفون.
ووفقا لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية، فقد ذكرت 130 شركة حتى الآن أنها ستشارك في تخفيض ساعات العمل الإضافي، لكن الحكومة ليس لديها معلومات عن كيفية مشاركة هذه الشركات وما إذا كانت ستسمح لموظفيها بأخذ أوقات استراحة أو إجازات.
وفي الشركة التي يعمل بها هاتوري، لم يتباطأ العمل لمجرد أن الموظفين أطفأوا حواسيبهم. وعلى العكس من ذلك، وجد هاتوري نفسه غارقاً في مكالمات واتصالات في أول "جمعة استثنائية".
وبينما كان زملاؤه يستمتعون بلعب كرة القدم أو الذهاب إلى الحانات، وجد نفسه مازال جالساً يعمل على مكتبه، ويقول معترفاً بذلك: "نعم، كان علي أن أعمل".
لكن في شهر مارس أغلقت الشركة أبوابها بالكامل يوم الجمعة الاستثنائية، وهذه المرة لم تكن الشركة بحاجة إلى منح مكافآت لتشجيع الجميع على الذهاب للمنزل، على الرغم من أن العاملين بنظام الساعة قد حصلوا على مرتباتهم كما لو كانوا في العمل. ويقول هاتوري إنه وزملاءه ذهبوا لتناول مشروب ومشاهدة فيلم سينمائي أو ذهبوا إلى صالون التجميل.
وغادر رئيس الوزراء مكتبه الساعة الثالثة بعد الظهر بالضبط لقضاء عطلة نهاية أسبوع بعيداً عن العمل لأول مرة منذ الإجازة التي قضاها في أغسطس الماضي، حسب وسائل الإعلام.