وكالات - الاقتصادي - اختر كتاباً أنت متأكد تماماً أنَّك لن تحبه، لأن أسلوبه خاطئ، أو لأنه لا يناسب ذوقك، أو لا تروقك سيرة مؤلفه الذاتية.
وربما تتخذ خطوةً إضافية حتى لتجعل التحدي أكثر صعوبة: اختر كتاباً تعتقد أنك ستكرهه، ومن فئةٍ لا تحب القراءة فيها منذ أن كنتَ في المدرسة الثانوية، ومكتوبٌ بواسطة كاتبٍ تميل إلى تجنب مؤلفاته.
الآن اقرأ هذا الكتاب حتى الصفحة الأخيرة "المريرة".
هل يبدو الأمر كالجحيم؟ إذاً أنت على وشك تحقيق بدايةٍ جيدة.
الأمر لا يتعلق بقراءة كتاب تعلم أنه سيئ، والذي هو متعةٌ في حد ذاته، مثل شخصيةٍ شريرة محبوبة بشكلٍ استثنائي، بل يتعلق بالعثور على كتابٍ يتحداك، وقراءته حتى الكلمة الأخيرة.
حاول أن تنجح بهذا التحدي في زمنٍ يعتمد فيه الناس على مصادر محدودة للمعلومات تتوافق مع أفكارهم المتحيزة المسبقة، مثل تلك التي يتابعونها على تويتر، أو الندوات التي يختارون حضورها، أو البرامج الإذاعية الصباحية، فليس من المفاجئ أن يقرأ معظمنا أيضاً كتباً نميل إلى تفضيلها.
القراءة هواية ممتعة ومستهلكة للوقت.. فلماذا تضطر لقراءة شيءٍ لا تحبه؟
قراءة ما تكره تساعدك على اكتشاف الأشياء التي تُقدِّرها، سواءٌ كانت أسلوباً، أو جملةً في قصة، أو حُجة. ولأن الكتب تستغرق وقتاً طويلاً؛ فهي تحتاج من الكاتب أو القارئ تركيزاً أكبر مما يحتاجه برنامجٌ حواري تلفزيوني أو رابطٌ على موقع فيسبوك.
إذ يمكنك الانتهاء من مشاهدة فيلم في ساعتين ونسيانه بعد ذلك، ولكن الأمر ليس كذلك بعد قراءة رواية، فمواصلة قراءة 300 صفحة حتى نهايتها يعني أنك تنغمس في عالم شخصٍ آخر، وتكتشف كيف يبدو الأمر. وهذا جزءٌ مما يجعل عدم استكمال الكتب التي تكرهها شيئاً صعباً. فبدلاً من أن تترك الكتاب، انتقل إلى الصفحة التالية وتصارع مع أفكارها: ما الذي يجعلها تُشعرك بعدم الراحة؟
وتحكي المدونة باميلا بوول على صحيفة The New York Times تجربتها مع أكثر كتاب كانت تكرهه -رواية "The Fountainheadd"- والتي كانت مادةً إضافية في صفٍ جامعي عن الهندسة المعمارية في القرن العشرين.
the fountainhead novel
لم تكن باميلا تعلم شيئاً عن آين راند (مؤلفة الرواية) أو عن نظرية الموضوعية، وقررت عرض الرواية على صديقها الاشتراكي المتشدد الذي يعمل بالهندسة المعمارية معتقدةً أنَّها ستنال إعجابه.
وتقول المدونة، سألني باشمئزاز: "كيف يمكنكِ أن تجلبي ذلك إلى منزلك". فأجبته على استحياء: "لكنَّه عن الهندسة المعمارية!". وجدتُ نفسي بين صفحات الرواية، أعاني من تصرفات بطل الرواية المستبد هوارد رورك، الذي يحكم قبضته على المنزل ويعترض دائماً. أما بطلة الرواية، دومينيك، التي تأتي بطبيعة الحال في المقام الثاني خلف رورك، فاستمرت في التنقل بين الغرف مرتديةً فساتين طويلة تُشبه العواميد.
رغم ذلك، ثابرت. تقول باميلا مضيفة، وبعد 100 صفحة لاحقاً، كنت مثل اشتراكيةٍ فرنسية أكثر من أي وقتٍ مضى.
أنهيتُ كل صفحةٍ تعيسة من الرواية بمزيجٍ من الغضب واليأس، وعندما انتهيتُ من قراءتها تماماً، كان أكثر ما علق بي هو معرفتي التامة بأنَّني لم أكن ولن أكون تحرريةً أبداً.
في الأيام السعيدة السابقة، كنت أسمح ببساطة لمحتويات الكتب أن تتجمع في رأسي بتناغم؛ إذ كنت أقرأ ثم أمضي عندما أنتهي. وسواءٌ استمتعت بما أقرأ أم لا، لم أتعلم كيفية القراءة حقاً إلا بقراءة الكتب التي أكرهها، والكتب التي استفزت مشاعر الغضب والاستياء بداخلي، تقول باميلا.
واعتبرت أن الدفاع عن أفكارك يجعلك قارئاً أفضل، وأكثر تشككاً، بل يجعلك ناقداً. والجدال مع الكاتب في ذهنك يدفعك إلى التوصل لبرهانٍ معارض.
وأحياناً تكتشف موقفك حين تواجه الموقف المعارض. كل ما يتطلبه الأمر بالنسبة لي هو أن أقرأ كتاباً للمؤرخ الأميركي هوارد زين أو المؤرخ الإنكليزي بول جونسون، وكلاهما جدير بالكراهية بسبب طريقتهما الاستقطابية، من أجل تحديد تأويلي الخاص للتاريخ. هذا هو أصعب ما في قراءة الكتب التي تكرهها. أن تتصارع مع افتراضاتك وتدافع عن استنتاجاتك، هذا يمنحك شعوراً أن لك غرضاً محدداً. وتعرف حينها أين تقف، حتى إن كان ذلك يعني أنَّك ستقف وحيداً.
واحدة من أكثر المراجعات اللاذعة التي كتبتُها على الإطلاق كانت عبر صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ككاتبة مستقلة.
كان الكتاب الذي كُلفتُ بمراجعته عن كيفية تربية الأطفال. أردتُ أن أحب الكتاب، واتفقت مع كثيرٍ من محتواه، ولكن مؤلفيه كانوا مقتنعين للغاية ببحثٍ معينٍ، وبطرقٍ تخدم أطروحتهم. ومثلما ذكرتُ في المراجعة، كان المؤلفون ميالين لوصف الدراسات النفسية والمشروعات البحثية كما لو كانت تجارب كيميائية، مع استخدام عباراتٍ مثل "اختبار التحليل العلمي" و"علم العلاقات الاجتماعية للأطفال مع نظرائهم"، استحضاراً لصورة المغني الإنكليزي توماس دولبي وهو يكرر كلمة "العلم!" في أغنيته الشهيرة ""She Blinded Me with Science".
شعرتُ أن الكتاب يتلاعب بالقُرَّاء، وشعرتُ بالخيانة بشكلٍ شخصي (كتبتُ سابقاً كتاباً عن كيفية تربية الأطفال، وغضبتُ للغاية بسبب شعوري بمدى الضرر الذي سيلحق بمجال التربية جرَّاء هذا الكتاب)، ونيابةً عن القراء الذين ربما لا يمتلكون الخلفية التي تمكنهم من تحليل البيانات بالكتاب. فالآباء الجدد قابلون للتأثر بمثل تلك المعلومات سريعاً، وأعلم ذلك لأنَّني كنت واحدةً منهم.
يمكن للأمر أن يكون ممتعاً ومفيداً عندما يستفز كتاب مشاعرك العدائية. ويمكن أن يخبرك عن موضوعٍ أو عن نفسك كقارئ أكثر مما تعتقد أنك تعرف. وربما حتى يتحداك لتُغيِّر رأيك أحياناً.
بالطبع، توضح لك العديد من الكتب التي تكرهها الحقائق وتؤكدها ببساطة. ويمكنني أن أخبرك مباشرةً ما الذي جعلني أكره رواية "Flashman" للروائي الإنكليزي جورج ماكدونالد فريرز، رغم أنني قرأتها منذ 15 عاماً مضت. فهي رواية مذهبية، وهو ما لم يكن مبشراً بالخير بالنسبة لي عندما اقتنيتها بناءً على اقتراح صديقي الحميم الجديد. ولأي سببٍ كان، عندما يتعلق الأمر بالروايات المذهبية، لا يروق لي الأمر إطلاقاً. رواية "Flashman"، التي نُشِرَت عام 1969، وأحبها الناس مثلما أحبوا أعمال الكاتب الإنكليزي بي جي وودهاوس ولكن شعبيتها كانت أقل قليلاً، كانت الجزء الأول من سلسلة روايات متلاحقة ذات أسماء صادمة مثل "Flashman and the Redskins" و"Flashman’s Lady". وتضمن غلاف الجزء الأول من رواية "Flashman" صورة رجل واثق يرتدي زياً رسمياً بصحبة عذراء عارية الصدر وتنحدر من أصولٍ غريبة. أحياناً يمكنك الحكم على كتابٍ من غلافه.
ولكنني واصلتُ القراءة على أية حال. هناك، قابلتُ الشخصية الرئيسية للرواية، هاري باغيت فلاشمان، الذي يُتجول في الإمبراطورية البريطانية، ويتنقل بين إسكتلندا، والهند، وأفغانستان، وتصحبه شخصياتٌ ثانوية من التاريخ البريطاني مثل: اللورد أوكلاند، الحاكم العام للهند، وتوماس أرنولد مدير مدرسة الرغبي، وغيرهم. ولكن الأحداث الرئيسية تتعلق بفلاشمان، وهو جندي صغير في سلاح الفرسان وسكير لعوب، يقضي أوقاته بين المبارزة والمرح و"الإغواء القسري". يتردد على العاهرات معظم الوقت، ولكنَّه يستمتع أيضاً باغتصاب راقصة أفغانية. لستُ ضد أن يكون بطل الرواية وغداً رائعاً، ولكنني لم أستمتع حتى بكره هذا الرجل. أردتُ فقط أن أبتعد عنه. وفي نهاية الأمر أردتُ أيضاً أن أبتعد عن الحبيب الذي رشح لي هذه الرواية.
كما أنَّ قراءة الكتب التي تكرهها بإمكانها جمع القراء معاً. أن يحب الناس الكتب التي تحبها هو أمرٌ رائع، ولكن الأمر الأكثر إثارة هو أن تجد شخصاً ما يكره نفس الكتاب بنفس القدر الذي تكرهه به. لهذا السبب يحب نقاد الكتب الرثاء. وأكثر المناقشات الحيوية على الإطلاق التي قمتُ بها مع القراء الآخرين كان بعضها حول مدى سوء أحد الكتب التي قرأناها.
لذلك انطلق، وخالط القراء الآخرين الذين يكرهون ما تكرهه، أو اقرأ الكتب التي تكرهها بمفردك. واعلم أنَّ شخصاً ما في مكانٍ ما يريد أن يضرب بنفس ذلك الكتاب التعيس عرض الحائط. فقط رجاءً انتهِ من قراءته قبل أن تفعل ذلك.