غزة- القدس الاقتصادي- مازال مزارعو غزة يشكّون في فوائد استخدام مياه الصرف الصحي في الزراعة بعد أن أدخلت هذه التقنية مؤسسات زراعية مختلفة لمواجهة الشح المتواصل في المياه ومن أجل الحفاظ على مخزون المياه العذبة المهدد بالتوقف خلال سنوات قليلة كما يقول خبراء المياه.
جهود لاقناع المزارعين بجدوى الاستخدام
وما بين الرفض والقبول بذلت كثير من المؤسسات الزراعية جهودا كبيرة لإقناع المزارعين بصحة هذا الاستخدام الذي لا يحمل أي مضار جانبية إذا تم تحلية مياه الصرف الصحي وفق الأسس العلمية الصحيحة.
لماذا يرفض المزارعون هذا التوجه؟ وهل هناك فعلا أضرار جانبية على المزروعات؟ وما هي فوائدها؟ وهل هناك جهة تراقب عملية تحلية مياه الصرف الصحي؟ وأيضا قبل كل شيء كيف تتم العملية وما هي آثار توسعها وانتشارها؟ وماهي التكلفة المادية وهل هذه التقنية الحديثة ستسد النقص في مياه الري؟
هذه الأسئلة طرحتها "القدس الاقتصادي" على وزارة الزراعية في الحكومة المقالة التي أكدت أهمية هذه التقنية لتطوير الواقع الزراعي والحد من نسبة الهدر الكبير في المياه أثناء عملية الري خاصة تلك التي تعتني بالأساليب والوسائل البدائية.
وقال المهندس نزار الوحيدي مدير عام التربة والري في وزارة الزراعة في الحكومة المقالة إن المياه العادمة (الصرف الصحي) هي مياه سبق استخدامها للأغراض المنزلية أو الصناعية، منوها إلى أنه في حالة قطاع غزة لا يوجد فصل تقريبا بين هذين النوعين من الاستخدامات حيث توجد شبكة مجاري موحدة تجمع من كافة مدن القطاع التي يتداخل فيها مناطق صناعية ومنزلية يصعب فصلها عن بعضها البعض.
خمس محطات للمعالجة
وأوضح الوحيدي أن المعالجة تتم في خمس محطات للمعالجة يوجد منها اثنتان في منطقة الشمال ومحطة معالجة مياه في بيت لاهيا وهي قيد الإيقاف بعد استكمال المحطة الحديثة الواقعة في منطقة شرق جباليا بجوار المقبرة الإسلامية، والمحطة الثالثة هي محطة غزة والتي تستقبل المياه من مدينة غزة وضواحيها بما فيها مخيم الشاطئ والشيخ رضوان والمحطة الرابعة تقع في غرب خان يونس وتستقبل مياه المجاري من مدينة خان يونس فقط والمحطة الخامسة هي محطة رفح وتستقبل مياه المجاري من رفح المتصلة في البلدية ومخيم يبنا والشابورة.
وتعتبر أنظمة المعالجة في محطات غزة غير متطورة باستثناء المحطة الجديدة شرق جباليا والتي تستخدم الحمأة المنشطة في المعالجة ما ينتج مياه عالية الجودة تصلح لأغراض الري الزراعي غير المقيد إذا تمت تعقيمها كالورد.
وأضاف أن آلية المعالجة في المحطات الأخرى تعتمد على التخمير والتهوية ويضاف إليها في محطة غزة نظام BIOTOWERS وهي تزيد أكثر من كفاءة المعالجة، مؤكدا أن المعالجة في حد ذاتها هي عملية التخلص من الحمول العضوية أي الملوثات الموجودة في الماء بنسبة تقل من 1% عادة وكلما ارتفعت نسبة الازالة لهذه المواد كلما كانت المياه المعالجة أكثر جودة ويعبر عنها بمصطلح BOD ،COD وهما ترمزان إلى الأكسجين اللازم حيويا وكيمائيا للتخلص من الملوثات.
وأوضح أنه تقل الكفاءة في محطات المعالجة في قطاع غزة باستثناء محطة غزة حتى الآن والتي تصل فيها المعالجة بقيمة BOD عادة أكثر من 600ملم /لتر إلى أقل 50ملم /لتر عادة وأحيانا أكثر من ذلك عندما يتحسن ظروف التيار الكهربائي في المحطة.
تعتبر تكلفة المحطة المعالجة في غزة مقبولة والسبب الوحيد لارتفاعها هو سعر الطاقة، وتكلفة إعادة تأهيل الشبكات والمحطات اللازمة للضخ والخطوط الناقلة في حال تحميلها على التشغيل والصيانة في المحطة أي أن التشغيل والصيانة هم العاملان الأكثير أهمية لإنتاج مياه جيدة.
معيقات لإنتاج مياه جيدة
وبين الوحيدي أنه من أبرز العوامل التي تعيق إنتاج مياه جيدة هو صغر حجمها وتدني جودتها واستقبال المحطات لكميات من المياه فوق طاقتها على مدار العام، بالإضافة إلى ظروف الحصار التي تمنع دائما إدخال آلات جديدة لتوفر أموالا ومواد لازمة وضرورية للتطوير وإعادة التأهيل.
تستهلك غزة قرابة 200 مليون مكعب سنويا للأغراض الزراعية والصناعية والمنزلية منها حوالي 85 مليون متر مكعب للأغراض الزراعية أي أن الاحتياجات المائية للأغراض الزراعية أقل من الاحتياجات المنزلية ويعتبر ذلك مؤشرا مهما لتوجيه مخططات صناع القرار لإدارة الموارد الطبيعية.
ولفت إلى أن التوجهات في وزارة الزراعة وسلطة المياه وسلطة البيئة ووزارة الصحة كأهم الجهات العاملة في قطاع إدارة هذه المياه تفيد بأن استخدام المياه المحلية لمحاصيل محدودة يمكن اعتماد مياه لا تزيد درجة معالجتها عن الدرجة الثانية (المتوفرة حاليا) وبقيمة BOD في حدود 50-30ملج/لتر لري الحمضيات والزيتون والنخيل والأعلاف شريطة التوقف عن الري قبل شهر من جني المحصول وهذا بدأ العمل فيه منذ سنوات على صور قطع مشاهدة (محطات تجريبية) وأثبتت هذه التجارب نجاح المزارعين الفلسطينيين في التعامل مع هذه المياه لما يتمتعون به من كفاءة وثقافة عالية من خلال مشاركتهم بالتدريبات التي تقوم بها وزارة الزراعة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المعنية بالقطاع الزراعي.
وأكد الوحيدي أن هذه التجارب تمثل دافعا مهما واعتمدته وزارة الزراعة في مشاريعها في منطقة الأوقاف الشرعية بجوار المقبرة الإسلامية في جباليا حيث ستنطلق في القريب أكثر من مشروع للري بالمياه المعالجة والذي يتوقع أن يصل إلى أكثر من 15 ألف دونم والذي سيعتمد عليه في إحياء محصول الحمضيات الذي تعرض للتدهور بسبب ملوحة مياه آبار تلك المناطق.
وتعد مياه المجاري أفضل من حيث الملوحة ولا تسبب أي مشاكل للحمضيات وكذلك الزيتون والنخيل والأعلاف التي تتحمل ملوحة أكثر.
الملوحة الزائدة سبب لتقييد الري الزراعي
ونوه الوحيدي إلى أن الملوحة الزائدة في المياه هي السبب الأخطر في تقييد الري الزراعي ومنع زراعة الكثير من المحاصيل، مؤكدا أنه في حال توفر مياه صرف صحي قليلة الملوحة فإن هذا سيكون بمثابة الحل المنتظر لإعادة زراعة الكثير من المحاصيل التي تدهورت زراعتها أو توقفت.
وقال:" تعتبر معالجة المياه( الصرف الصحي ) ذات أغراض بيئية وصحية وزراعية فهي إلى جانب أنها عملية مهمة في حماية البيئة والحد من انتشار الأمراض فإنها تخدم القطاع الزراعي في توفير مياه صالحة للري، بالإضافة إلى احتوائها على الكثير من العناصر السمادية المهمة التي ستوفر في حال تطبيقها على كافة القطاعات الزراعية استهلاك أكثر من 40ألف طن من الأسمدة العضوية والكيميائية، مؤكدا أنه يسهم في الحد من مشاكل تملح التربة وتلوث مياه الخزان الجوفي، منوها إلى أن بعض الأسمدة وخاصة الكيميائية عالية التركيز من العناصر غير المقبولة للشرب.
وفي تجربة لوزارة الزراعة على محصول البرسيم (أهم محاصيل العلف الذي يحتاجه قطاع غزة والذي يتسبب في ارتفاع أسعار اللحوم والألبان في حال نقصه ) أثبت أن استخدام المياه المعالجة قد وفر أكثر من 100دولار اميركي سنويا لكل دونم حيث وفر 60 كليو جرام من سماد سلفات الأمونيوم ،و30 كيلو جرام من سمات سوبر فوسفات ،75و كيلو جرام من سلفات البوتاسيوم.
وأضاف أن هذه المواد مرتفعة السعر وتقلل الربح إلا أن عدم استخدامها واستخدام مياه الصرف الصحي أفاد في اتجاهين منها تقليل الملوثات الكيماوية والتخلص من متبقيات التلوث في مياه المجاري نفسها بطريقة آمنة ومجربة.
وأكد الوحيدي أن لمياه الصرف الصحي آثار جانبية إيجابية، لافتا إلى أنه لم ترصد أية أضرار في تجارب الوزارة التي تمت سابقا بل على العكس لقد كان هناك إقبال من المزارعين على استخدام المياه المعالجة بعد مشاهدتهم للتجارب السابقة، مشيرا إلى أنه من الممكن أن يحدث أضرارا معدودة في حال تعطل محطات المعالجة وانسياب مياه قليلة الجودة وفي هذه الأحوال لا يسمح بصرفها للمزارعين.
وأشار إلى أن المزارعين الذين يستخدمون المياه المعالجة يخضعون لفحوصات طبية وتدريبات إلى جانب ارتدائهم لملابس خاصة وكمامات وقفازات وعدم غسيل المنتج بمياه معالجة.