نضال الفطافطة
في غزة "المدينة التي لا تصلح للحياة" حسب تسمية المؤسسات الاممية يقدر عدد سكانها في 2014 يقدر بـ 1.76 مليون نسمة، وللعام التاسع على التوالي تعاني من الحصار الذي يخنق القطاع والاغلاق المستمر لمعبر رفح المتنفس الوحيد لأهالي القطاع للعالم ككل.
تبادر الدول التي تدعم غزة للتخفيف من مرارة العيش وسط مصادرة كل الحقوق واهمها التنقل والسفر ووسط واقع سياسي مجهول لا يمكن التكهن به لتقديم مشاريع نحتفي بها دون ان ندرك بشكل مدروس ما النتيجة.
فيخيل لك وانت تتابع اخبار قطاع غزة أن لسكان القطاع فقط خياراين هما الشهادة او الزواج، وذلك حسب المشاريع التي تقدم بغياب واضح للمشاريع الخاصة بالتنمية الاقتصادية، قد يُعتقد انه من الجنون التحدث عن الاقتصاد والاحلام في غزة طالما هي محاصرة، ولكن طالما هناك مبادرات وابتكارات في غزة بناءة ومؤثرة يقدمها الشباب متغلبا على الحصار، علينا ان نتساءل: لماذا لا يوجد اي دعم للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وخاصة في ظل ما يمكن أن تؤثر به من ناحية ايجابية على سكان قطاع غزة والاقتصاد الفلسطيني .
في نظرة خاطفة على آخر الاحصائيات حول الفقر والبطالة نجد أن الارقام مخيفة وأن استمرار الصمت حيالها هو مشاركة في الجريمة بغياب استراتيجيات وسياسات واضحة للحد منها .
فحسب تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بلغت نسبة البطالة في غزة 40.8% في الربع الأول من العام 2014 ، ونسبة فقر هي 60 بالمئة تجعل قطاع غزة يحتل المرتبة الثالثة عربيَا من حيث أعلى معدلات للفقر بعد السودان واليمن، وفق تقرير للبنك الدولي الذي صدر مؤخرًا.
وتزايدت نسبة الفقر والبطالة بعد العدوان الأخير بسبب تدمير المنشآت التجارية واغلاق الانفاق، ويبقى الأمل الوحيد امام الغزيين هو اعادة الاعمار وفتح المعابر، ولكن في ظل غياب التوافق الفلسطيني الفلسطيني والفلسطيني المصري بسبب تدخل حماس بالشأن المصري الداخلي ، تبقى هذه مجرد احلام تغذيها غياب الرغبة الجدية من أجل انهاء الانقسام والبدء في اعادة الاعمار .
شهد القطاع مؤخرا عدد من الزواجات الجماعية المدعومة من الخارج، فمثلا دفعت تركيا حديثاً ما يقارب اربعة ملايين دولار من اجل تزويج 4000 شاب من قطاع غزة بمنحة 2000دولار لكل عريس شاب، بمشاركة عدد من أبناء الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة ومن أصحاب البيوت المدمرة ومن أبناء الأسرى ومن جرحى الحرب الأخيرة على غزة يعتبر بالنسبة لهم دفعة جديدة للحياة مع كامل التقدير لهم ولمعانتهم التي تفوق كل الاعتبارات لانها انسانية بالدرجة الاولى .
ولكن بتساؤل بسيط ماذا ستكفي ألفا دولار؟ وماذا يمكن ان يستفيد منها؟، البعض قد يعتبر ان تساؤلي مستنكرا وان هذا المبلغ يكفي للخروج من الأزمات الحالية من مصاريف الزواج، ولكن بعد ذلك كيف سيتم تحمل مصاريف الحياة؟ وماذا بعد الزواج ان كانت المشاكل المادية ستخنقه وتكدر صفو الحياة الزوجية؟
ولكن لماذا لا ننظر للموضوع من زاوية اخرى وحسب المثل الصيني "لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد السمكة،"فمن خلال هذا المثل اجتاحت الصين العالم كاكبر قوة اقتصادية في وقت قياسي محققة نهضة في كافة المجالات.
لماذا لا يتم دعم الشباب من اجل الاستثمار بالمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغيرة فيكتسبوا قوت عيشهم منها طول حياتهم ويطوروها بدلاً من أن تعطيهم نقوداً كل يوم أو كل شهر ستصرف دون اي حساب وفائدة تعود عليهم؟ .
بملاحظة بسيطة وصادمة تخرج مؤسسات التعليم العالي في غزة حوالي 30000 الف طالب وطالبة يضافون لقائمة العاطلين عن العمل، ولا يوجد فرص عمل لهم لأن القطاع العام لا يستوعب وظائف جديدة حيث انه متخم بموظفي السلطة وموظفي حكومة حماس، وتؤكد السلطة انها لا تستوعب اكثرمن 7% بالمئة سنويا لان نسبة الرواتب في ميزانية السلطة تشكل اكثر من 50%.
ووسط الارقام المعقدة والحقائق الصادمة يجب ان يكون هناك حلول تقدم من اجل تشجيع الاستثمار وخاصة ان المشاريع الاقتصادية الصغيرة في الدول النامية تعتبر اساساً للتنمية الاقتصادية، و بدونها لا يمكن انجاز أي تقدم وخاصة انها تساهم في خلق فرص عمل تمتص جزءاً من البطالة وتعمل في ذات الوقت على الحد من الطلب المتزايد على الوظائف الحكومية؛ ولا يمكن ايضا ان نتجاهل دورها في مكافحة الفقر والعوز و زيادة الدخل وتحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض السلع والخدمات التي يحتاجها المجتمع الفلسطيني في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في فلسطين، كما أنها تعمل علي تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي لإتاحة الفرصة للفئات المهمشة لامتلاك مشاريع وتفعيلها في المجتمع.
ولكنها غيبت في قطاع غزة، و لم توجد الا بمبادرات ذاتية من اشخاص يحاولون ايجاد فرص عمل، فمعظم القائمين على المشاريع الصغيرة هم من الشبان وخريجي الجامعات الذين لم يجدوا فرصة عمل في القطاعين الخاص أو الحكومي، فاضطروا للاقتراض أو بيع حلي أمهاتهم أو زوجاتهم لإقامة مشاريع يعتاشون منها، ومعظم المشاريع الصغيرة لا يتعدى رأس مالها 12 ألف دولار. وبكل اسف وبسبب عدم الارشاد الصحيح وغياب التوجيه كان الفشل مصير بعض المشاريع .
في فلسطين وتحديدا في غزة هناك غياب واضح لدور المجتمع المدني ورجال الاعمال في تعزيز ومنح الفرص الاستثمارية للشباب الفلسطيني، وعلينا أن ندرك أن المؤسسات الدولية لا يمكن ان تقدم وحدها كل شيء من الدعم المادي والتوجيه والارشاد حول الفرص وطبيعة الاستثمار وعن المشاريع التي يحتاجها المجتمع الفلسطيني لتوفير فرصة لنجاح هذه المشاريع. وهنا يمكن النظر لعدة مبادرات لرجال اعمال سعوديين لعبوا دورا بارزا في خدمة الشباب والمجتمع السعودي من خلال المشاريع ومنح فرص تمويل وتدريب للشباب كمركز عبد الله الحمد الزامل لخدمة المجتمع و باب رزق جميل أحد مشاريع عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع، في بلد كالسعودية تتوقع انه لا يحتاج الى مثل تلك المبادرات بسبب وجود النفط ، وعندما ندرك حجم وتاثير هذه المراكز في خدمة الشباب والمجتمع السعودي يصبح التساؤل عن دور رجال الاعمال الفلسطينين ملحا وشرعيا اكثر ويستحق الاجابة بل شفافية ووضوح.
في النهاية ان أردنا لغزة ان تعود للحياة علينا ان ندعم شبابها بالتغلب على الفقر والبطالة من خلال انشاء مؤسسات وطنية تدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وفق سياسات مدروسة لما يحتاجه القطاع بشكل خاص لا ان نتركهم في حالة من الفراغ الذي قد يعرضهم لتبنى افكار السلفيين وداعش والسقوط في وحل العمالة وكذلك مساءلة رجال الاعمال والمؤسسات الوطنية حول دورها المجتمعي في دعم الشباب، ليس المهم ان نقول شكرا تركيا وشكرا قطر لانهما تقدمان مشاريع محدودة يستفيد منها فئات محددة فقط مقتصرة على الزواج ، المهم ان يتم خلق مشاريع تساعد على الحياة الكريمة التي يستحقها المواطن الغزي بعيدا عن المناكفات السياسية .
فليست الحياة في قطاع غزة زواجا أو استشهادا وحروبا.