غزة-الاقتصادي – اسلام ابو الهوى- هناك تبدو الحياة مختلفة تماما عن الحياة لتي نسمع بها لمزارعي العالم حيث الهدوء والخضرة والوجه الحسن، قرب الحدود هناك حياة لكنها محفوفة بالمخاطر يلفها الموت من كل جانب، لكن تنتصر إرادة الحياة دائما لتخبرنا أن الحياة تستحق منا العمل والمثابرة .
ولتخبرنا أيضا أن طبق الخضراوات أو الفاكهة أمامنا ربما يكون مغمسا بمعاناة ودم مزارع عاش هناك وواجه كثيرا من الصعوبات. إنهم يتحدون الموت "الاقتصادي" كانت هناك، كانت مع المزارعين، استمعت إليهم، رأت الحزن يطل وهم يتحدثون عن معاناتهم لكنها أيضا رأت أيديهم تصمع الحياة وتتحدى الموت لتخرجه من باطن الأرض حياة جميلة لأجيال قادمة ستعرف يوما أن مزارعي الحدود رسموا بمعاناتهم وحياتهم اليومية تفاصيلهم. هذه التفاصيل يوجزها المزارع عزمي أبو هداف( أبو محمد) 45 عاما الذي يعيش أوضاعا صعبة للغاية بسبب وقوع ارضه قرب خط التحديد في قرية وادي السلقا في وسط قطاع غزة. وقال أبو هداف الذي يعيل أسرة كبيرة العدد مكونة من(30) فردا إن مزارعين خط التحديد يعملون في أجواء خطيرة يشعرون فيها أن اللقمة مغمسة بالدم بسبب الاستهداف الاسرائيلي للمزارعين.
ونوه أبو هداف الذي يملك قطعة من الأرض تبلغ مساحتها 25 دونما زراعيا إلى أن العائلة تعتمد فقط على الزراعة في هذه القطعة التي طالما تعرضت للتجريف والتدمير خلال سنوات انتفاضة الأقصى، مشيرا إلى أنه تكبد خسائر تبلغ قيمتها نحو 100 ألف دولار اميركي. وقال "عندما أذهب إلى الأرض في الصباح أجد آثار اقدام جنود الاحتلال وآليات واضحة ما يشعرني وعائلتي بالخوف"، مؤكدا أنهم يغادرون المكان حالما يسمعوا أصوات إطلاق نار من الآليات المتمركزة طيلة الوقت على الجانب الإسرائيلي. الوضع كان جيدا قبل انتفاضة الأقصى بدوره، قال أبو وائل وهدان (63) عاما إن الوضع قبل انتفاضة الأقصى كان جيدا والخير وفيرا، ومع عام 2000 بدأت تتوالى الكوارث على رؤوسنا ببدء عمليات التجريف لأراضينا المزروعة بالحمضيات بكافة أشكالها مضيفا أنه في عام 2001 بدأ الاحتلال بتجريف 200 متر على الحدود الفاصلة.
وتابع بحزن "رغم كل المعاناة التي كنا نلقاها إلا أننا لم نيأس يوما وكنا نعاود زراعة أرضنا من جديد بالرغم من تأكدنا أنها ستجرف مرة أخرى، ولكن أرواحنا معلقة بأراضينا ولا يمكننا تركها جرداء . ولفت إلى أن قوات الاحتلال كانت تستخدم أساليب قمعية في تعذيب أصحاب الأراضي، فإن جرفوا الأشجار تركوا آبار المياه، وإن تركوا آبار المياه جرفوا الأشجار، مشيرا إلى استمرار اطلاق النيران على ماتورات المياه الأمر الذي يكلف تصليحها مبالغ باهظة جدا ليس وفق امكانيات المزارع البسيط . كما طالب الجهات المختصة بمساعدة المزارعين في معاودة زراعة الحمضيات إلى جانب تأهيل وتصليح الماتورات لخدمة الزراعة في فلسطين. بيت حانون ..كانت سلة غذائية! من جهته، قال المزارع أبو نايف (47) عاما "أنا مزارع منذ صغري، خرجت من المدرسة فقط لأعمل في قطاع الزراعة وتربية النحل مع والدي وجدي"، مشيرا إلى أنه يعمل في هذه البيارة منذ 1984 ويزرع بها جميع أنواع الحمضيات. واستطرد بحزن " كانت الحياة جميلة جدا والإنتاج كثيرا، فكانت توصف بيت حانون بأنها سلة قطاع غزة الغذائية إلى جانب التصدير للسوق الاوروبية خاصة يوغسلافيا.
ولفت إلى أن قوات الاحتلال في عام 2001 جرفت جميع الأراضي الزراعية دون استثناء على الشريط الحدودي وامتد التجريف إلى وسط بيت حانون حتى أنه طال الأراضي المحاطة بالبيوت، منوها إلى أن ذلك الوقت من أصعب الأوقات التي مرت به بيت حانون فتراث وتاريخ يضيع أمام أعين أهالي البلدة. وأضاف أنه في عام 2003 بدأ اتحاد لجان العمل الزراعي بتصليح الأراضي الزراعية وإعادة تأهيلها لزراعة الحمضيات ولكن قوات الاحتلال عاودت تجريف الاراضي في عام 2006 وبرغم كل ذلك لم يفقدوا الأمل وعادوا زراعتها وريها بدمائهم فالكثير من شبان وحتى نساء العائلة اغتالتهم نيران الاحتلال الاسرائيلي .
وتابع أنه في عام حرب 2008/2009 قامت قوات الاحتلال بتجريف الأراضي الزراعية للمرة الثالثة إلى جانب تجريف الآبار ما جعل المزارعين يتوجهون إلى زراعة الحنطة ( القمح والشعير ) على بعد 300 متر، مشيرا إلى أنه بعد هدنة 2012 أصبح بعض المزارعين يزرعون على بعد 150/200 متر للشريط الحدودي وقد قاموا بزراعة القمح وحصده. سوء الأحوال يدفع المزارعين إلى المخاطرة في السياق نفسه، قال مدير عام اتحاد لجان العمل الزراعي محمد البقري عمل المزارعين في المناطق الحدودية هو عمل خطير وشاق ويحمل الموت في طياته لكن سوء الأحوال على كافة الأصعدة في قطاع غزة هو من يجعلهم يلجأون إلى متابعة أراضيهم ومعاودة زراعتها كلما جرفتها قوات الاحتلال. وأضاف البقري أن اتحاد لجان العمل الزراعي العمل يعمل على زراعة المناطق الشرقية المحاذية لحدود قطاع غزة ليتمكن المزارع الفلسطيني من مزاولة مهنته التي طالتها انتهاكات قوات الاحتلال المستمرة خاصة بعد إعلان الهدنة بعد حرب في تشرين ثاني لعام 2012 حيث قام الاتحاد بتوزيع ما يزيد عن11 طنا من بذور القمح على 225 مزارعا في بيت حانون وجباليا وجحر الديك والبريج والمغازي.
وأشار البقري إلى أن الاتحاد يقدم العديد من المشروعات التي تهدف لدعم المزارعين على الحدود الملاصقة لقوات الاحتلال منها استصلاح الأراضي الزراعية وتربية الأغنام وتوزيعها عليهم إلى جانب تقديم بعض المساعدات العينية كالسياج والنايلون. توجيه المانحين لخدمة مناطق التماس وقالت مصادر مسؤولة في وزارة الزراعة إن الوزارة تقوم بكافة الأنشطة والمهام الزراعية للمزارعين وتخص مناطق( التماس) الحدودية بجل اهتمامها، أما من ناحية الدعم المالي فالوزارة ليست جهة مانحة ولكنها تضع أهم المشاريع التي تخدم المزارعين وتوجه المانحين لخدمتهم في مناطق التماس الحدودية. وأضافت المصادر لـ" القدس الاقتصادي" أن الهدف من مساعدة ودعم مزارعي الحدود لضمان ثباتهم على الأراضي وحمايتها من الاستيطان ولتعويضهم عن الخسائر الهائلة الناجمة عن العدوان الاسرائيلي المتواصل عليهم وعلى محاصيلهم التي يعيشون من ورائها.
وذكرت المصادر أن المشاريع القطرية والتركية تقوم بأعمال كبيرة منها صناعة الآبار وإعادة تأهيلها واستصلاح الأراضي الزراعية وتزويد المزارعين بشبكات الري والأسيجة بالإضافة إلى مشاريع في الإنتاج الحيواني المختلف. كما تدعم وزارة الزراعة نشاطات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والأهلية والدولية التي تقدم خدمات لمزارعي الحدود التي تدفعهم الحاجة لمتابعة شؤون أراضيهم الزراعية. يذكر إلى قوات الاحتلال تقيم منطقة أمنية عازلة على طول الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة تتراوح مساحتها بين 300-1000 متر تبعا لمزاج الجندي الاسرائيلي الذي يحرس المنطقة والذي يتحكم بأوامر اطلاق النار على المزارعين في حدود تلك المنطقة. وفي أعقاب الحرب الأخيرة على غزة، سمحت قوات الاحتلال بالوصول إلى مسافات قليلة من خط التماس إلا أنها عادت وفرضت نوعا من القيود وإجراءات أمنية على الأرض ما جعل المزارعين يعيشون في خطر دائم. >