كوريا الجنوبية الأولى عالمياً في الابتكار وفق مؤشر بلومبرج.. كيف حصل هذا؟
AHC: 0.80(%)   AIB: 1.08(0.92%)   AIG: 0.17(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.27(%)   AQARIYA: 0.78(%)   ARAB: 0.82(1.23%)   ARKAAN: 1.29(1.53%)   AZIZA: 2.84(%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.49(0.00%)   BPC: 3.74(%)   GMC: 0.76(%)   GUI: 2.00(0.00%)   ISBK: 1.12(%)   ISH: 0.98(%)   JCC: 1.53( %)   JPH: 3.58( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.47(%)   NAPCO: 0.95( %)   NCI: 1.75(%)   NIC: 3.00(0.00%)   NSC: 2.95(%)   OOREDOO: 0.79(0.00%)   PADICO: 1.01(0.00%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 3.91(0.26%)   PEC: 2.84(%)   PIBC: 1.09(%)   PICO: 3.50(%)   PID: 1.91(0.53%)   PIIC: 1.72(%)   PRICO: 0.29(3.33%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.06(1.85%)   RSR: 4.50(%)   SAFABANK: 0.68(%)   SANAD: 2.20(%)   TIC: 2.98(%)   TNB: 1.20(%)   TPIC: 1.95(0.52%)   TRUST: 2.85(%)   UCI: 0.38(%)   VOIC: 5.29(%)   WASSEL: 1.00(0.00%)  
9:56 صباحاً 13 شباط 2017

كوريا الجنوبية الأولى عالمياً في الابتكار وفق مؤشر بلومبرج.. كيف حصل هذا؟

د. أمجد غانم – خبير جودة وتخطيط استراتيجي وتطوير مؤسسي

الابتكار هو أحد الضرورات الأساسية في إدارة أعمال المؤسسات الحكومية والخاصة وهو العنصر الرئيسي للبقاء والنمو في ظل الظروف المتغيرة والتنافسية العالمية، فالتغيير ناتج عن حاجة الانسان وطموحه للارتقاء وهو سمة مميزة وثابتة لدى البشر على اختلاف اجناسهم والوانهم. 

ويعتمد حجم التغيير ونوعه لدى شعب أو دولة ما على قدرة هذه الدولة بمؤسساتها العامة والخاصة على الابتكار، ومن هنا تبرز حاجة الدول للابتكار لتتمكّن من المواكبة والبقاء والتطور في ظل البيئات الديناميكية والمتغيرات المعقدة، فالتجديد حاجة ملحة لا تمكّن الدول من المواكبة فقط، ولكنه يفتح لها ابواب التميز والمنافسة ويمكنها من تقديم القيمة المضافة العالية بتحويل الفكر والأفكار الجديدة الى خدمات ومنتجات وسلع وبالتالي تحقيق النمو والازدهار للمؤسسات والمجتمع والدولة – هذا هو اقتصاد المعرفة. 

وإضافة الى ما يحدثه الابتكار من ثورات في انتاج وتقديم منتجات وخدمات جديدة، فإنه يؤدي الى رفع الإنتاجية وتقليل التكاليف وتحسين الجودة وتحقيق الرضا لكل المعنيين والفخر والاعتزاز بالدولة وأدائها العالي. 

ولهذا لم يعد الابتكار رفاهية، بل حاجة ملحة وضرورة من ضرورات البقاء، وجسراً للدول والمؤسسات والأفراد للعبور للمستقبل، وبدونه تدخل المجتمعات تدريجياً في حالة من الترهّل والتقهقر والشيخوخة وأخيراً الاندثار، أي عدم القدرة على التطور والتأثير في الحاضر والمستقبل مما يؤدي الى التبعية والاعتماد على الاخرين. 

وهذا ما ظهر جلياً في قول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "الابتكار هو أن تكون أو لا تكون: أنا حكومة مبتكرة، إذن أنا حكومة موجودة".

إن ما سبق ذكره نستطيع أن نراه في تجربة كوريا الجنوبية التي استطاعت خلال 3عقود أن تصبح قوة اقتصادية عالمية (تحتل الترتيب 15 عالمياً في حجم الناتج المحلي عام 2015 وفق تقرير البنك الدولي) وتتحول من بلدٍ كان يعيش على المساعدات إلى بلد يمنح المساعدات. 

وفق تقرير مؤسسة بلومبرج Bloomberg (bloomberg.com) الصادر في شهر يناير 2017 والخاص بدراسة وتحليل مستويات الابتكار للدول، فإن كوريا سجّلت الرقم الأول عالمياً في مجال الابتكار - كما يوضح جدول ترتيب الدول أدناه (أول 18 دولة للأعوام 2016 و2017). 

حيث يعتمد مؤشر بلومبرج على عدة مدخلات وهي: البحث العلمي، القيمة المضافة عمليات التصنيع، الإنتاجية، التكنولوجيا، مؤشر التعليم الجامعي للقوى العاملة، الأبحاث العلمية في القطاع الحكومي والخاص، وبراءات الاختراعات.

بدايةً، كمقدمة تاريخية موجزة، خضعت كوريا الجنوبية في عام 1910 للاستعمار الياباني الذي استمر36سنة، ونالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية 1945 وبعد ذلك أصبحت شبه الجزيرة الكورية مسرحاً للصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي، حيث تم تقسيم كوريا إلى دولتين: واحدة في الشمال خاضعة للقوات السوفيتية، وأخرى في الجنوب تابعة للاستعمار الأميركي، بحلول منتصف 1949 انسحبت القوات الأميركية والسوفيتية. 

خلال هذه الفترة كانت كوريا الجنوبية تعاني من دمار اقتصادي وفوضى سياسية حيث لم يكن دخل الفرد فيها يتعدى 80 دولاراً في السنة، وكانت تعيش في مرحلة ضعف، وكان يعتبر اقتصاد كوريا الجنوبية أضعف من اقتصاديات الدول الأفريقية.

أذن ما الذي حصل وكيف تمكنت كوريا الجنوبية الجلوس على قمة الابتكار في العالم؟

كان من أهم العوامل التي ساعدت كوريا الجنوبية على النمو الاقتصادي هو الاستفادة من التجارب التي مرت بها بداية من الاحتلال الياباني لها، حيث إن الوجود الياباني على أراضي كوريا الجنوبية على مدى 35 عاما هيأ فرصة التواصل مع إدارة متطورة وفق معايير العصر آنذاك والاحتكاك بمظاهر التقدم الصناعي، ووجودها بالقرب من اليابان والصين وتوفرها على واجهتين بحريتين جعلها تنفتح على العالم الخارجي وتفتح الباب أمام الأفكار والاستثمارات وتبادلها بينهم، واستيراد وتكييف التكنولوجيا الأجنبية ثم بينما في الوقت نفسه تعزيز قدرتها التكنولوجية الأصلية من خلال استفادتها من مشروع مارشال ومن المساعدات الأمريكية.

العامل البشري في كوريا الجنوبية كان أهم وصفة للنجاح وتحقيق التنمية الوطنية، حيث لعبت اليد العاملة الماهرة الكورية دورًا حاسمًا في إنجاح التجربة التنموية الكورية، ففي ظل افتقارها للموارد الطبيعية وضيق المساحة الجغرافية وشُح رأس المال، راهنت القيادة الكورية على رأس المال البشري كمورد للتنمية. 

فاستثمرت بشكل كبير في التعليم ومدارس التأهيل المهني لتطوير إنتاجية عمالها وتحسين مهاراتهم لمواكبة التطورات التكنولوجية التي واكبت عمليات التصنيع السريع. 

وهكذا ارتفعت نسبة الإنفاق على التعليم من 2.5% سنة 1951 لتصل إلى أكثر من 23% من الميزانية بحلول الثمانينيات، كما أولت الدولة التدريب والتأهيل المهني اهتمامًا كبيرًا مع التركيز على العلوم والتكنولوجيا، وبلغ عدد الطلبة الذين يتابعون دراساتهم في الشعب التقنية والعلمية حوالي 70% من مجموع الطلبة سنة 1980.

إن تركيز القيادة الكورية على التعليم في كافة مراحله وسعيها الدائم إلى تحسين مستوى التعليم وتطويره كان من أسباب النهضة الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة فيها، حيث ان كوريا حققت الترتيب العالمي رقم 3 في الانفاق على التعليم تقرير منظمة الـ OECD (Education at Glance 2014: OCED Indicators).

ولم يتوقف الأمر على التعليم فقط بل تم التركيز على والاهتمام بالبحث العلمي باعتباره المدخل السليم إلى التنمية وعمليات الإنتاج، وتحقيق الرفاهية للشعوب، وضمان تفوقها وتقدمها على نظيراتها حيث احتلت كوريا وفق مؤشرات بلومبرج الرقم الأول عالمياً في مؤشرات البحث العلمي، وبراءات الاختراع والقيمة المضافة في قطاعات الصناعة وهذه كلها تعتمد على الأبحاث العلمية. 

فالبحث العلمي هو المجال الحيوي الذي يحرك عجلة العلم ويثرى العقول، وهو ما جعل كوريا الجنوبية توليه الكثير من الاهتمام، وتسخر إمكانات كبيرة وكل ما يحتاجه من متطلبات سواء كانت مادية أو معنوية. 

وأنشأت العديد من المكاتب والهيئات لتنسيق البحوث، وأنفق كل من القطاع الخاص والعام موارد مالية ضخمة لردم الهوة التي كانت تفصل كوريا عن الدول المتقدمة، ثم أصبحت تنفق الآن لتطوير تكنولوجيا جديدة وتحقيق المزيد من التقدم خصوصًا في مجالات تقنية المعلومات وتقنية النانو والبايوتكنولوجيا، للحفاظ على مكانتها كقوة تكنولوجية حيث حققت المرتبة الرابعة عالمياً في مجال كثافة التكنولوجيا.
 
كل ذلك أدى الى تزايد كمية الإنتاج وتنوع الإنتاج الصناعي (الكترونيات، اتصالات، سيارات) واحتلت مراتب متقدمة عالميا ويدل ذلك على التطور والتقدم والتنوع وتعدد المراكز والأقطاب الصناعية وتشغيل عدد كبير من العلماء والأيدي العاملة حيث هناك العديد من الشركات الصناعية الكبرى في مسار الشركات الأغلى والأغنى مثل (هونداي، وسامسونج، وكيا، وLG).

ولا يقتصر الأمر على ذلك بل وتسعى هذه الشركات إلى تخصيص جزء من ميزانيتها للبحث العلمي والتطوير فمثلا شركة هونداي تخصص 6% من ميزانيتها للبحث والتطوير والتعاون مع الجامعات، وبلغ انفاق شركة سامسونج على البحث العلمي 14 مليار دولار في العام 2014.

انفتاح كوريا الجنوبية على العالم الرأسمالي وانفتاح العالم عليه وتشجيع المبادرات الحرة والاستثمار والبحث العلمي واستقبالها للاستثمارات من اليابان وأمريكيا من اجل التنافس، ساهم ذلك إلى اعتماد كوريا على تقنيات متطورة في مجال الإعلام وارتفاع عدد العاملين في الانترنت وإنشاء الطرق والموانئ وسكك الحديد واعتماد الآلات والربوت في المجال الصناعي كل هذه العوامل ساهمت في ارتفاع الإنتاج وتنوعه وأدى إلى قوة الصناعة والتجارة واحتلالها أعلى مراتب التقدم على مستوى العالم وهذا ما نراه اليوم في كوريا الجنوبية. 

فقد استطاعت كوريا الجنوبية حكومةً وشعبًا جنبا إلى جنب، الاستفادة من حالة الضعف التي عاشتها تحت الاحتلال الياباني والأمريكي وعهد الحرب الباردة وتحول الإخفاقات التي عاشتها إلى دعائم تستند إليها لتنهض من جديد، والتركيز على العنصر البشري من خلال التعليم والبحث العلمي، والانفتاح على العالم الخارجي أن تحقق زيادة في الإنتاجية وتحسين الأداء وإيجاد المنتجات الجديدة وتطويرها وإيجاد أسواق جديدة بالإضافة إلى إيجاد فرص العمل الجديدة وان تكون في المقدمة وفي الطليعة.
 
ويمكن ان نلخص تجربة كوريا الجنوبية في ثلاث كلمات وهي أن العلم والتكنولوجيا والابتكار هي المحركات الأساسية للتنميـة المـستدامة والـشاملة.

Loading...