رام الله- الاقتصادي- قبل ساعتين من موعد آذان الفجر يصحو محمود خضير فروخ (ابوخضير) البالغ من العمر (56) عاما، يتوجه إلى حظيرة للأغنام اقامها بجانب بيته الكائن في حي الحساسنة القريب من مقر المقاطعة برام الله ويقوم بتفقد الماشية والعناية بها قبل أن يغتسل ثم يصلي وبعدها يتوجه إلى عمله في مدرسة اليتيم العربي فهو متخصص في هندسة الاتصالات والالكترونيات.
ابو خضير ليس إلا واحدا من مجتمع كامل يضم نحو 200 شخص هم عبارة عن أشقاء وأبناء عمومة وأبناؤهم وجميعهم من عائلة الفروخ من بلدة سعير بمحافظة الخليل يسكنون نحو 60 شقة في الحي يمتلكون فيه نحو 10 دونمات من الأرض ولديهم نحو 800 رأس غنم يقومون بتربيتها على بعد أمتار من مقر الرئاسة الفلسطينية وفي منطقة تعد الأكثر حيوية في مدينة رام الله ليجسدوا حالة من التعايش بين الحضارة والبداوة.
رغم أن منطقة الحساسنة تنخرط في الحياة الحضرية في مدينة رام الله وابناؤها يمتهنون مهنا مختلفة غير أن تربية الأغنام تظل التجارة الرابحة التي يعتمد عليها أبناء هذه المنطقة والتي جنوا من خلالها ثروة معقولة تكللت ببناء عمارات سكنية وشراء أراض وتعليم الأبناء.
تظل المنطقة التي تقع بين حي المصايف في رام الله وحي عين مصباح مثار جدل بين القاطنين فيها من جهة، وبين سكان المناطق المجاورة في الأحياء القريبة من جهة ثانية نظرا لانبعاث رائحة روث الحيوانات منها، ما دفع البعض إلى اعتبارها مكرهة صحية يجب التخلص منها للحفاظ على جمالية المدينة.
يشير ابو خضير إلى أن خمسة من أبناء المنطقة متفرغون لعملهم في رعي الأغنام أما البقية فيمتهون مهنا أخرى ووظائف مختلفة لكنهم يساندون الآخرين في تربية الأغنام.
ويبين أن معظم أبناء المنطقة متعلمون وحاصلون على شهادات أكاديمية، مشيرا إلى أن لديه تسعة من الأبناء (ست بنات وثلاث أبناء) جلهم إما حاصلون على شهادة البكالوريوس في تخصصات مختلفة(محاسبة وإدارة أعمال وعلوم مصرفية ورياضات) أو أنهم مازالوا في طور التعليم، مضيفا" أنا ألزم أبنائي بضرورة اكمال تعليمهم الجامعي، والحد الأدنى بالنسبة لي هو الحصول على شهادة البكالوريوس".
المهندس ابو خضير يتحدث بكل فخر بأن البيت الذي يسكن فيه ويتكون من ست طبقات ما كان ليكون لولا تربيته للأغنام، مشيرا إلى أن الوظيفة لا تكوّن ثروة.
وفي إشارة إلى الجدوى الاقتصادية لمشروع تربية الأغنام، يشير أبو خضير إلى أنه يجني ربحا مقداره 50 دينارا من كل خاروف في فترة زمنية لاتتعدى خمسة شهور، مبينا أن الطريقة النموذجية التي يتبعها في التسمين ساهمت برفع رأس ماله من الإغنام قرابة 200% في السنة الواحدة، فكل 100 رأس من الأغنام تتكاثر ليصل عددها في السنة التي تليها 300 رأس من الغنم.
وإذا كانت تربية الأغنام تمثل مصدر رزق أساسي لسكان حي الحساسنة، غير أن سكان المناطق المجاورة يرون أن تربية المواشي في قلب المدينة وبالقرب من المناطق السكنية تحديدا شكل مكرهة صحية وتسبب في تشويه جمالية المنطقة التي تحيطها عمارات سكنية من كل جانب. ويقول الدكتور محيي الدين عمر الذي يسكن في حي عين مصباح" أنا احترم مهنة الرعي وأقدر القائمين عليها، لكن من غير المقبول أن تتحول المنطقة إلى مكرهة صحية بسبب انبعاث روائح روث الحيوانات"، منوها إلى أن تربية الماشية يجب أن تكون في مناطق خارج المدينة وليس في قلبها.
يقر أبو خضير أن تربية المواشي قرب المناطق السكنية أمر خطأ. ويضيف" أعرف أن هذا الأمر خطأ، فنحن نسكن على بعد أمتار من المقاطعة، فما ذنب الآخرين أن يتضرروا من الروائح الكريهة؟"، مشيرا إلى أنه قلص مؤخرا أعداد الماشية التي يمتلكها في الحظيرة الملاصقة لبيته. وكشف عن نيته إقامة ثلاث مزارع في أراض اشتراها في قرى مجاورة لرام الله واحدة تخصص لتربية الأغنام وثانية للدواجن وثالثة لتسمين الأبقار.
بدوره، أكد المهنس موسى حديد رئيس بلدية رام الله أن البلدية لم تعط تراخيصا لاي كان لاقامة حظائر للماشية داخل حدود المدينة وليس واردا أن تعطي مثل هذه التراخيص في المستقبل.
ويقول" يوجد لدينا قرارات من المحكمة لازالة بعض الحظائر التي تم رفع شكاوى على أصحابها".
ويشير إلى أن حظائر الأغنام تنتشر في أكثر من مكان في المدينة وليس فقط في منطقة الحساسنة القريبة من المقاطعة، مؤكدا أن هذه الحظائر تشكل مكرهة صحية وتجعل منظر المدينة غير لائق.
ويعتقد حديد أن الحلول البديلة أمام البلدية محدودة والسبب يعود الى وجود مخطط موحد لدى مدن رام الله والبيرة وبيتونيا لإنشاء حظيرة أغنام مركزية في الجهة الغربية من مدينة البيرة يتم تجميع فيها كافة حظائر الماشية لكن وقوع قطعة الأرض المخصصة لهذا الغرض في منطقة سي التابعة للسيطرة الأمنية الاسرائيلية يحول حتى اللحظة دون تنفيذ المشروع.
وكشف حديد النقاب عن قرار اتخذته بلدية رام الله يرمي إلى رفع دعاوى قضائية على جميع أصحاب الحظائر تمهيدا لازالتها.