رام الله – نابلس-الاقتصادي- ميساء بشارات- في أزقة البلدة القديمة من نابلس، تفوح رائحة القطر والحلو العربي الأصيل، الذي يصنع بأيد أتقنت صناعة الحلو النابلسي القديم، الكنافة النابلسية.
داخل محل حلويات الأقصى الشهير في البلدة القديمة بنابلس، يعمل عدد من الشبان ورجل تجاوز الخمسين من العمر على تفتيت الجبنة إلى قطع صغيرة فوق العجينة التي فردت على سدر من النيكل وضع فوق طاولة.
لا تاريخ موثق حول الكنافة
باسل الشنتير صاحب محل حلويات الأقصى، الذي بدأ العمل في محله منذ عشرين عاما، حيث ورثه عن والده الذي تعلم صناعة الكنافة من معلمه المعروف بشيخ الكار، يشير إلى أنه لا يوجد تاريخ موثق للكنافة، لكن هناك رواية متداولة بين الناس في مدينة نابلس، تقول إن هناك أحد المماليك أو الولاة قد جاء زيارة إلى نابلس وقدموا له الكنافة.
وهناك رواية أخرى تقول: إن هناك رجلا اسمه نايف كان يعمل في الحلويات فحاول صناعة صنف جديد من الحلو، فسموه "كنايف" على وزن نايف وتدريجيا وصل الاسم لكنافة.
ولا يوجد تاريخ موثق يثبت أو ينفي إحدى الروايتين، لكن ما هو معروف لدى أهالي البلدة ومتفق عليه أن الكنافة اصلها نابلسي.
سر مذاق الكنافة
وبرأي شنتير فإن سر مذاق الكنافة النابلسية يعود إلى الخبرة المتوارثة عبر مئات السنين والمحافظة عليها دون أي تعديلات أو إضافات لهذه الصناعة، لذلك حافظت الكنافة النابلسية على مذاقها.
كما يميز الكنافة النابلسية الماء المستخدم في صناعتها، فالمياه النابلسية مميزة عن كل مياه المحافظات الأخرى، إضافة إلى الجبنة وطريقة تحليتها، بحسب ما يقول شنتير.
ويرى أن المحلات الخاصة بالكنافة خارج مدينة نابلس لن تشتهر كالكنافة النابلسية، لأن الكنافة جنسيتها نابلسية وأي محل حلويات للكنافة خارج نابلس يفقدها خصوصيتها.
لا يستويان
ويقول: "نابلس مهد الكنافة وإذا خرجت منها لن تبقى كنافة، كما يستحيل أن تنافس أي كنافة خارج نابلس الكنافة النابلسية".
وفي مدينة نابلس، توزع الكنافة النابلسية في الأفراح والأتراح وتؤخذ كهدايا.
ويشير شنتير إلى أن حق الميت علينا ثلاثة أيام، فعند حضور المعزين الواجب يحتم إحضار له ضيافة وهي عبارة عن القهوة السادة، وفي اليوم الثالث بعد العصر يقدم للمعزين الكنافة النابلسية لأنه يجب تغيير طعم الفم من مرار الحزن، ولأن حق الميت من الحزن قد انتهى، والحياة لن تتوقف عنده.
وينوه إلى أن بعض أهالي المدينة يأتون إليه في الصباح لأكل الكنافة مع الخبز البايت.
فيما، يرى مدحت صلاح صاحب محل حلويات دمشق في مدينة رام الله، أن الكنافة النابلسية وجدت أينما كان، وصناعتها ليست مرتبطة بمدينة نابلس فقط، فهي منذ سنوات خرجت منها وانتشرت في باقي المحافظات، وهذا لن يؤثر على اسمها.
وأضاف أن هناك عددا من المواطنين النابلسيين الذين خرجوا لصناعة الكنافة في رام الله لكنهم لم يوفقوا وعادوا إلى نابلس، لأن أهاليها يحبون الحلويات أكثر من أهالي المدن الأخرى.
انتشارها لا يفقدها سرها
ويؤكد الحلواني أمجد التمام صاحب محل حلويات دمشق في نابلس، أن خروج الكنافة من نابلس إلى باقي مدن الضفة الغربية لا يفقدها سرها ورونقها، فالسر يكمن في مياه نابلس وخبرة نابلس في صناعة الكنافة.
ويقول "أكلت كنافة بكل مكان في فلسطين، وحتى خارج فلسطين في الأردن وسوريا وتركيا لكن النابلسية تبقى الأشهى والألذ دون منازع.
ويضيف: "تقع على أصحاب محلات الحلويات الذين يصنعون الكنافة المحافظة على سر طعمها اللذيذ ومذاقها الرائع ليحافظوا عليها".
والكنافة برأي العديد من أهالي مدينة نابلس، كالمعلم التاريخي والأثري الذي يميز أي مدينة، وهذا المعلم سيبقى مرتبطا بها لولد الولد.
وتؤكد على ذلك، الشابة إكرام أبو عيشة، بعد أن انتهت من أكل صحن الكنافة النابلسية، قائلة: "النابلسية لن تفقد بريقها حتى لو وصلت إلى بلاد الهند والسند، نابلس تبقى الأصل".
وتضيف: "هناك محال للحلويات في نابلس يأتيها الزوار من كل مدن الضفة الغربية، ومن مدن الداخل الفلسطيني، وعندما يريد صاحب المحل أن يميز الكنافة المتقنة يقول إنها نابلسية للدلالة على جودة صنعها".
والكنافة في نابلس من الأكلات الشعبية المعروفة وجزء من التراث الشعبي.
وأبو عيشة تذوقت الكنافة في المدن الفلسطينية وخارج فلسطين، لكنها تعتبر أن النابلسية الألذ والأشهى والأطيب.
وتتكون الكنافة من عجينة الكنافة المشهورة وهي شعيرية على شكل خيوط طويلة، مضاف إليها السمن والقطر والحليب وصبغة حمراء والجبنة.
ودخلت مدينة نابلس موسوعة غينيس للأرقام القياسية بصناعة الكنافة النابلسية في تاريخ 1872009. بسدر كنافة يزن 1765 كغم من الكنافة النابلسية بطول 74 مترا وبعرض 105 سم.
وقديما كانت الكنافة تصنع من ألفها إلى يائها يدويا، أما الآن فتصنع عبر ماكنات آلية وفرت على أصحاب المحلات أيدي عاملة ووقت في انجاز سدر الكنافة.