رام الله - الاقتصادي - (آفاق البيئة والتنمية) - مع إطلالة الطفل وليد جهاد شعث إلى الحياة الدنيا في شهر أكتوبر الماضي، وتسجيله رقم الـ 2 مليون نسمة ممن يقطنون في قطاع غزة الساحلي، طفت على السطح تساؤلات عديدة حول مستقبل القطاع مع تزايد عدد سكانه لنسب قياسية بالنظر إلى صغر مساحته (360 كلم2) وضعف موارده الطبيعية.
هذه التساؤلات استدعت من خبراء ومراقبين فلسطينيين التحذير من كوارث خطيرة تنتظر قطاع غزة في قادم السنوات، وليس أقلها ربما انعدام الأمن الغذائي وانهيار قطاعات حيوية عديدة كالصحة والتعليم، في حال لم تُتَخذ سلسلة من الإجراءات لتفادي ما هو متوقع، وفي مقدمتها رفع الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ عشر سنوات.
وقال ماهر أبو صبحة، الوكيل المساعد لقطاع الأحوال المدنية بوزارة الداخلية في غزة، إن عدد سكان القطاع وصل 2 مليون نسمة، وأوضح أبو صبحة في تصريح صحفي، أن تعداد سكان القطاع يرتفع بمعدل 52 ألف إلى 55 ألف سنويًا بواقع طفل كل 10 دقائق، وتوقع أن يصل العدد في عام 2035 إلى أكثر من 3 ملايين نسمة.
وعن تبعات الزيادة في عدد سكان قطاع غزة، يشير المهندس الزراعي نزار الوحيدي إلى أن زيادة عدد السكان يعني زيادة في المساحة المزروعة، ومن ثم زيادة في استخدام مدخلات الإنتاج من أسمدة ومبيدات وغير ذلك.
ونوه الوحيدي في حديثه لمجلة "آفاق البيئة والتنمية"، إلى أن هذا الأمر سيكون له تأثير سلبيٌ على البيئة، فضلًا عن الحاجة الكبيرة للوقود والكهرباء، وبالتالي سيشكل ضغطًا على المستخدمين الآخرين لهذه المواد.
ونبه الوحيدي من أنه بعد عشر سنوات من الآن ربما سيكون قطاع غزة مهدد غذائيًا "ما لم يدعمنا الأصدقاء باتجاه تطوير قدراتنا الانتاجية الزراعية، بما يتلاءم مع احتياجاتنا باستخدام تقنيات عالية جدًا".
وذكر تقرير للأمم المتحدة عام 2012، أنه بحلول عام 2020 سيرتفع تعداد سكان قطاع غزة إلى مليونيْن ومائة ألف نسمة، مشيرًا إلى أن البنى التحتية الأساسية كالكهرباء والمياه والصرف الصحي والخدمات الاجتماعية لا تكفي لمواكبة احتياجات الأعداد المتنامية للسكان، في الوقت الذي سيحتاج القطاع فيه إلى كمياتٍ مضاعفة من الكهرباء ومئات المدارس والمستشفيات الجديدة، وآلاف الوحدات السكنية بحلول العام 2020.
ويلفت سمير حمتو الباحث في الشأن الاقتصادي الفلسطيني الانتباه إلى أن غزة أصبحت الأعلى كثافة في العالم، وفي الوقت نفسه الأكثر نسبة في البطالة والفقر مع عشرات الآلاف من الشباب الخريجين الذين تلقي بهم الجامعات سنويًا إلى قارعة الطريق.
وقال حمتو: "أصبح هذا الشريط الساحلي الضيق قنبلة سكانية من الممكن أن تنفجر في أية لحظة، فالانفجار السكاني قادم لا محالة، وعلى جميع محاصري غزة الاستعداد لهذا اليوم لأن الانفجار سيطال الجميع ما لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، ويتحرك لإنقاذ قطاع غزة من كارثة إنسانية محققة".
ويتوقع المهندس بهاء الأغا، مدير عام حماية البيئة في سلطة جودة البيئة، ظروفًا صعبة على سكان قطاع غزة خلال السنوات القادمة في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي والنقص في إمدادات الوقود والطاقة والتي تؤثر على كل مناحي الحياة في غزة وخصوصًا إيصال المياه لمنازل المواطنين، وتوفير الكهرباء اللازمة لمعالجة مياه الصرف الصحي.
ووصف الأغا القطاعات المختلفة في غزة من طاقة ومياه وتعليم وصحة، بأنها هشة، وقد تنهار في أية لحظة، وهو ما يتطلب وبشدة من المجتمع الدولي ضرورة رفع الحصار الإسرائيلي على القطاع.
وطرح المهندس الوحيدي من جانبه مقترحات عدة "لتدارك الأمور في قطاع غزة" إذ تقتضي الحكمة أن يكون هناك توازن بين القطاعات الإنتاجية المختلفة بشأن استخدام مدخلات الإنتاج ومواد الطاقة والوقود، وأن يكون هناك توجه أكبر لاستخدام بدائل الطاقة الصديقة للبيئة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة موج البحر.
وأشار الوحيدي كذلك إلى ضرورة أن يكون هناك أنظمة زراعية حديثة تعتمد مثلًا على استخدام المزارع المائية، ومزارع التربة المعزولة في إنتاج خضار أكثر وتستهلك موارد طبيعية أقلّ.
وتصوّر كذلك إمكانية تدوير المخلفات، وإنتاج الغاز الحيوي، وسماد الدبال (الكمبوست) الداعم لاستقرار البيئة وتخلّصها من النفايات بطرق آمنة.
ونوه الوحيدي إلى أن الزحف العمراني أحد المشاكل المتوقعة في قطاع غزة، واصفًا شكل الإسكان الحالي القائم بأنه مشوّه، بدأ بدون ضوابط أو قيود بعد الهجرة الفلسطينية عام 1948م.
ورأى أن هذا يقتضي إعادة هيكلة المناطق القديمة في قطاع غزة، كما حدث في مدن عربية عديدة كالرياض والقاهرة ودمشق القديمة.
ولم يحبذ التمدد العمراني خارج المدينة مشجعاً بدلاً منه على البناء الرأسي، بحيث لا يكون هذا التوسع على حساب الأراضي الزراعية، مشددًا في هذا السياق على أن حجم التعديات على الأراضي الزراعية في غزة، يكاد يكون أقرب إلى "الصفر حاليًا" منذ 10 سنوات، باستثناء تخصيص 200 دونم لصالح إنشاء محطة مجاري في المنطقة الوسطى من قطاع غزة.
بؤس مخيمات اللاجئين في غزة
وإضافة إلى الحلول السابقة يمكن استخدام أنظمة زراعة توفيرية تحتاج إلى 10% من المياه فقط، وتربة معزولة ويمكن تكثيف الزراعة الرأسية فيها، وأن يتم استزراع أسطح المباني وهذه تعد أحد الحلول البيئية والمساحية، كما يقول الوحيدي.
لكنه نوه في المقابل إلى مشكلة خروج مناطق كبيرة من الإنتاج الزراعي بسبب تملح المياه، وتحتاج إلى حلول على مستوى أكبر كتحلية مياه البحر، واستخدام المياه المعالجة في الريْ، وتخزين مياه الأمطار في أحواض كبيرة جدا، بحيث يمكن استخدامها في الريْ الزراعي".
وتحدث الدكتور يونس المغيّر رئيس قسم هندسة البيئة في الجامعة الإسلامية بغزة، عن تأثيرات الزيادة السكانية على البيئة من جوانب عدة وطرح في المقابل حلولًا للحد منها، ومنها ما يتمثل بتأثير الكثافة السكانية على وضع الخزان الجوفي، فعند زيادة السكان سيكون هناك تمدد عمراني والحاجة لإنشاء طرق جديدة، وفي المحصلة يؤثر ذلك على المناطق التي تستخدم لعملية ترشيح الخزان الجوفي ومن ثم النقص فيه.
وفي هذا السياق لا يمانع المغيّر من زيادة التمدّد العمراني، شرط أن يؤخذ بعين الاعتبار أن يكون هناك جانب لمناطق لا تمنع الترشيح للخزان الجوفي، كأن يكون هناك أنظمة لتصريف وترشيح مياه الأمطار في الشوارع.
وشرح المغيّر قائلًا بأن هناك أنظمة جيدة يمكن أن تدرج ضمن التخطيط العمراني، بحيث لا تؤثر على مناطق الترشيح وخصوصا في المناطق القريبة من البحر، والتي قد تكون مناطق رملية وتصنّف من أفضل المناطق للترشيح للخزان الجوفي.
وأشار المغيّر كذلك إلى أن زيادة السكان سيؤدي إلى زيادة المخرجات منهم، وخصوصًا المياه العادمة، وذلك يتطلب زيادة كفاءة وتطوير محطات المعالجة من خلال زيادة كميات الاستيعاب أو تطويرها بشكل تدريجي يتلاءم مع أعداد السكان.
وثالثا، أشار إلى أن زيادة عدد السكان يؤدي كذلك إلى زيادة كميات النفايات الصلبة وبالتالي تلوث البيئة بمخلفاتها، ومقابل ذلك، يجب أن يكون هناك أنظمة لجمع النفايات، وأن يتم التفكير بعمليات الفرز وإعادة استخدام النفايات الصلبة مرة أخرى.
ورأى المغيّر أن أي تمدّد عمراني يجب أن يكون ضمن خطة متكاملة تشترك فيها كافة الجهات ذات العلاقة بالبيئة من خلال وضع حلول عملية في أثناء تنفيذ المشروع، مستدلًا بـ "مدينة حمد" (المموّلة من دولة قطر) في جنوب قطاع غزة، حيث تم فيها مراعاة معايير عدم التأثير على البيئة.
وشرح هذه النقطة أكثر بالقول: "في مدينة حمد تم استغلال غالبية المنطقة بحيث يكون هناك ترشيح لمياه الأمطار، من الشوارع وكذلك من أمام العمارات السكنية، كذلك يتم تجميع النفايات التي يتم ترحيلها خارج إطار المدينة.
ونوه في هذا السياق إلى مشروع قائم حول كيفية الاستفادة من النفايات الصلبة من حيث تجميعها واستخدامها مرة أخرى.
وما سبق من حلول، يقع تنفيذها –كما يقول المغيّر- على عاتق الجهات المسؤولة المختصة، لكن في موازاة ذلك يتطلب توعية السكان بكل ما يتعلق بالبيئة، فذلك يساعد إلى حد كبير في عدم تفاقم المشكلة مستقبلًا.
وفي غضون ذلك، يؤكد المهندس الأغا من جانبه أن سكان قطاع غزة بإمكانهم إدارة أمورهم بأنفسهم، لكن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد إبقائهم تحت حالة الحصار وجعلهم في حاجة ماسة ودائمة إلى الدعم الخارجي، وبدون هذا الدعم سيبقى السكان في حالة متسارعة من تردي الخدمات والتدهور في كل مناحي الحياة.
ويشير الأغا بأسف إلى أن الجهود بين المؤسسات الفلسطينية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي، لم تتعدَ مجرد الشعارات ولم تسفر بالمطلق عن تحسين في الوضع البيئي والإنساني لسكان غزة المحاصرين.