سلامه ابو زعيتر
تعتبر الجمعيات التعاونية من أهم المؤسسات على مستوى الوطن التي تسعى إلى تقديم برامج ومشاريع متنوعة في جميع المجالات التنمويّة وغيرها.
فقد أثبتت التعاونيات، بمختلف أشكالها وأنواعها، قدرتها الفائقة والفاعلة في تعزيز مشاركة كافة الناس، في مختلف البيئات والثقافات، بمن فيهم العمال والنساء والشباب والمسنون والأيتام والاشخاص ذوو الاعاقة، ....الخ، على أتم وجه ممكن فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل التعاونيات عاملاً رئيسيا من عوامل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والإسهام في القضاء على الفقر والحاجة والعوز.
فمنذ عام 1844 وتأسيس أول جمعية تعاونية ناجحة في العالم، أصبحت الجمعيات التعاونية من أهم الوسائل والاساليب البديلة لتحسين ورفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لأي دولة، لما تقوم به من دور فعال ومؤثر في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وتساهم التعاونيات، في تحسين الأداء الإنتاجي والتسويقي، وفق هدفها وحسب نوع القطاع التعاوني التي تعمل من أجله، وذلك من خلال تخفض التكاليف وزيادة الدخل، وبالتالي تحسين مستوى المعيشة للأعضاء والعاملين فيه، وهذا ما أثبتته الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، للمجتمعات والدول التي لديها أنظمة تعاونية قادرة على تلبية الاحتياجات المختلفة لأعضاء التعاونية بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.
وتنبع أهمية التعاونيات من كونها الآليات الاجتماعية المناسبة لتحقيق أهداف التنمية والمساهمة الفاعلة في بتعزيز دور الأفراد والمجتمع، من خلال تقديم المنفعة للأعضاء والمستفيدين، ولذا فإن الجمعيات التعاونية تسعى لتغطية المنفعة لأكبر عدد من الاشخاص الذين ينطبق عليهم طبيعة الاستهداف، بما تقدمه التعاونيات من خدمات لأعضائها، وتوفير المستلزمات والاحتياجات المدعومة وبأسعار منافسة، بما يساهم في تحسين الاداء وتقليل تكاليف الخدمات، ومواجهة التحديات والاشكاليات التي تواجه الاعضاء كقوة تعاونية موحدة، وكذلك دورها في إيجاد قنوات تسويقية يتم من خلالها تصريف الانتاج بأسعار مناسبة، وهذا من الطبيعي يساهم في زيادة الدخل وتحسين الأحوال المعيشية للأعضاء حسب كل قطاع تعاوني ويعزز القدرات الاقتصادية للدولة.
تعد الحركات التعاونية على الصعيد العالمي أحد أكبر وأهم منظمات المجتمع الأهلي القائمة على العضوية في العالم، حيث جسدت عبر التجارب هوية وثقافة العمل التعاوني التي تؤكد على أن التعاون لا تطفو عليه أي صبغة سياسية، ويتسم بالحياد السياسي والديني والعرقي، وتتبلور الهوية التعاونية بتوجهاتها وبرامجها القائمة على التعاون المنظم، الذي ساهم في الدفع عجلة التنمية والتطور والبناء للعديد من الدول المتقدمة وازدهارها.
فهي أحد السبل الناجحة في المجتمعات المدنية للاستثمار الجماعي، والتي فتحت المجال أمام المواطنين من ذوي الدخل المحدود، ومن أصحاب رأس المال الصغير، للاستثمار التعاوني بالمشاريع، بهدف تحسين أوضاعهم وظروفهم المعيشية من ناحية، وبدعم الاقتصاد الوطني من ناحية أخرى، وذلك بالتعاون والاستثمار في برامج التنمية والتطوير والبناء؛ كالاستثمار الجماعي التعاوني في المجال الزراعي والحيواني (تعاونيات زراعية)، أو مجال بيع وشراء السلع الاستهلاكية ( تعاونيات استهلاكية)، أو في مجال الانتاج والتسويق الصناعي (تعاونيات صناعية)، أو بناء المساكن وبيعها، أو توزيعها بين أعضاءها (تعاونيات إسكانية)، أو في مجال الإنتاج الحرفي والصناعي ( تعاونيات حرفية)، أو في مجلات التسويق (تعاونيات تسويقية)....الخ.
وهناك أنواع ومجالات أخرى للعمل التعاوني المنتج، والتي يبني عليها اقتصاد تعاوني بديل، يساهم في انعاش الحالة الاقتصادية لأي مجتمع يسعى نحو التنمية والتطور والتقدم والانعتاق من أي تبعية اقتصادية.
فالمؤسسات التعاونية المنتجة ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي تؤسس لأرضية انتاجية وقوة اقتصادية مؤثرة وقوية، نظراً لما تقوم به من دور فعال في خدمة المجتمع وأعضاءها وتحسين أوضاعهم المعيشية والحياتية والمالية، وما تقوم به من دور فعال في دعم الاقتصاد الوطني من خلال البرامج والانشطة التنموية والاستثمارات التعاونية الجماعية التي تمارسها في جميع المجالات التنموية والانتاجية.
وبالنسبة للحال الفلسطيني تعتبر الحركة التعاونيّة الفلسطينية من أقدم الحركات التعاونيّة على مستوى الوطن العربي، فقد سجلت أول محاولة لتأسيس جمعية تعاونيّة عام 1922، وقد استطاعت التعاونيات الفلسطينية أن تؤدي عملها في تقديم خدماتها للفئات المستهدفة، بالرغم من المشاكل الداخلية التي تعاني منها على صعيد الإدارة والتمويل والتنظيم، ومحدودية وضعف إمكانياتها، وما تواجهه من مشاكل خارجية وتحديات ومعوقات في ظل الأوضاع السائدة من حصار وإغلاقات وممارسات قمعية للاحتلال (الاسرائيلي)، مما أضعف قدراتها على القيام بدورها وإنجاز مهمتها التي أنشأت من أجلها، مع غياب الاستراتيجيات الوطنية التنموية والسياسات والخطط والتصورات البنيوية، وتعدد المرجعيات القانونية المستهلكة والتي عاف عليها الزمن، حيث ما زال يطبق في المحافظات الشمالية من الوطن قانون جمعيات التعاون رقم (17) لسنة 1956 وفي المحافظات الجنوبية قانون رقم (50) لسنة 1933 وتعديلاته، في ظل التطورات المتسارعة للحركة التعاونية على المستوى العالمي والمحلي، والحاجة وضرورة لوجود قانون تعاون فلسطيني موحد يواكب التطورات ويلبي رغبات واحتياجات التعاونيات والاعضاء.
وبرغم كل الاشكاليات والتحديات المعاصرة، هناك إيمان وتوجهات لدى الكثيرين من رواد العمل الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، بضرورة تفعيل وتنشيط العمل التعاوني وتعزيز ثقافته اجتماعيا، انطلاقا من فلسفة تقوم على أهمية دور التعاونيات المؤثر في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، كالمساهمة في خفض معدلات الفقر والبطالة، وخلق فرص العمل، وتحقيق التكامل الاجتماعي والاقتصادي، باعتبارها وفق التجارب العالمية نموذجا اقتصاديا بديلا يساعد في دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث أنها تقوم على أسس مستقلة وبدافع طوعي تعاوني بين المواطنين، يهدف لتحقيق المنفعة الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية المتبادلة، وهنا المقصود بالتعاون الذي يشمل منظمات المجتمع غير الربحية والشركات التي يملكها ويديرها الأشخاص في الذين يستخدمون خدماتها التعاونية ويستفيدوا منها.
ولكي نرقى بالعمل التعاوني على مستوى الحالة الفلسطينية هناك العديد من التوصيات المقترحة التي يجب العمل عليها لتطوير وتنشيط العمل التعاوني وتعزيز دوره ومكانته وهي على النحو التالي:
- ضرورة إصدار تشريع بقانون فلسطيني موحد على أساس مدني وعصري وديمقراطي، ومرتكزاً على المبادئ الدولية وتوصيات الامم المتحدة والحلف التعاوني الدولي ومنظمة العمل الدولية، بما يساهم في تنظم عمل الجمعيات التعاونية، ويساعد في تطوير عملها ودورها التعاوني والاجتماعي، وعلاقاتها في جميع الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- ضرورة أن تلعب الحكومة الفلسطينية دور فعال في تمكين التعاونيات، وذلك بالمساعدة في حصولها على مصادر للتمويل المحلية والدولية، والاستفادة من التجربة التعاونية بتوحيد ودمج التعاونيات المتشابه والمتماثلة، بهدف التوصل إلى اتحادات، تكون قادرة على الاستمرار وتحقيق الاهداف المرجوة.
- ضرورة العمل على حملة ضغط ومناصرة للتأثير على صناع القرار لإصدار قانون التعاون الموحد وتعزيز الثقافة التعاونية كأحد أهم الاساليب الاقتصادية البديلة لانعاش الاقتصاد الفلسطيني المقاوم والقادر على النهوض والاستمرار.
- توجيه وترشيد مؤسسات الحركة التعاونية للعب دورا أكبر في العملية التنموية بما ينسجم والسياسات الوطنية ويحقق تظافر الجهود من أجل الوصول للتنمية المستدامة.
- نشر الوعي المجتمعي بتعزيز الثقافة التعاونية بين المواطنين، بكل الطرق المتاحة وخاصة عبر وسائل الاعلام بما يتضمن ذلك من الوسائل الإرشادية والتوجيهية المناسبة.
- العمل على توفير السبل الفعالة بالمساعدة والتوجيه لفئات المجتمع من أجل تكوين الجمعيات التعاونية، ومراقبة سير أعمالها، والتأكد من حسن تطبيقها للنظام واللوائح، بما يحقق الهدف من وجودها ودورها.
- مساندة ودعم والجمعيات التعاونية بتقديم المساعدات الفنية والمالية عبر مؤسسات الدولة المختصة بما يضمن مقدرتها على تنفيذ المشاريع والاستثمارات التي تعمل عليها.
- وضع الخطط والآليات المناسبة التي تساهم في تطوير عمل الجمعيات التعاونية عن طريق التدريب والتأهيل للكوادر والاعضاء عبر التعليم التعاوني والادارة والتخطيط المنهجي لتنفيذ مشاريعها على أسس سليمة.
- وضع التصورات والخطط بما يساهم في تعزيز التوجه لدى القيادات المحلية في المجتمع لممارسة العمل التعاوني، ويتيح لهم الفرصة بتطويره وترسيخ القيم التعاونية، من خلال تدريب المواطنين والعمل على رفع قدراتهم وكفاءتهم في مجال التطبيق العمل التعاوني وانجاح برامجه وأنشطته الاقتصادية والاجتماعية.
- تمكين الجمعيات التعاونية بكل انواعها من القيام بدورها بشكل فعال وتحسين الاداء في قطاعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنمية المجتمعات المحلية التي تستهدفها من خلال تشجيع المواطنين والجمعيات على الاستثمار للمدخرات تعاونياً بما يحقق النتائج المرجوة لصالح الافراد والمجتمع.
أخيرا يمثل التعاون والعمل التعاوني قيمة عليا ومبدأ إنساني، وهو فكر وأسلوب حياة، أساسه الاعتماد على الذات والمساعدة المتبادلة والعمل سوياً، واتحاد الموارد والقدرات بشكل جماعي من خلال ارتباط مجموعة من الأشخاص ارتباطا اختياريا وعلى قاعدة المساواة لتحقيق منافعهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتحسين ظروف معيشتهم من خلال تجميع مواردهم وقدراتهم وجهودهم أي (تكافلهم) بالمعنى الواسع والعميق لمفهوم التكافل، وبما يحقق منفعة اقتصادية عامة ووطنية أيضا.
• نقابي وباحث اجتماعي في شؤون التعاونيات