تحقيق: السُّخام الأسود على مرأى الجميع
AHC: 0.80(%)   AIB: 1.18(7.27%)   AIG: 0.17(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.58(3.20%)   AQARIYA: 0.78(%)   ARAB: 0.88(4.76%)   ARKAAN: 1.32(0.76%)   AZIZA: 2.89(%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.50(0.00%)   BPC: 4.04(2.28%)   GMC: 0.79(%)   GUI: 1.99(%)   ISBK: 1.44(5.88%)   ISH: 1.10(4.76%)   JCC: 1.59( %)   JPH: 3.84( %)   JREI: 0.28(0.00%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.47( %)   NAPCO: 1.03(4.04%)   NCI: 1.76(%)   NIC: 3.00(%)   NSC: 2.95(%)   OOREDOO: 0.83(2.47%)   PADICO: 1.01(1.00%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 4.00(0.00%)   PEC: 2.84(%)   PIBC: 1.13(0.00%)   PICO: 3.50(%)   PID: 1.91(%)   PIIC: 1.72(%)   PRICO: 0.28(%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.12(2.75%)   RSR: 4.50(%)   SAFABANK: 0.70(%)   SANAD: 2.20(%)   TIC: 2.98(%)   TNB: 1.20(%)   TPIC: 1.90(%)   TRUST: 2.85(%)   UCI: 0.36(0.00%)   VOIC: 6.94(4.99%)   WASSEL: 1.00(%)  
9:41 صباحاً 30 تشرين الثاني 2016

تحقيق: السُّخام الأسود على مرأى الجميع

الاقتصادي - تحقيق لشبكة اجيال الاذاعية ( ARN ) _ يرى الفلسطينيون بالعين المجردة أدخنة عوادم مركبات الديزل التي تسير في شوارع المدن بلا رقابة على انبعاثاتها المضرة بالبيئة وبصحة الانسان. كل سكان الضفة الغربية ضحايا لهذه الأدخنة، بدءاً بمنظمي الحركة داخل مجمعات الحافلات مرورا بطلاب المدارس وإنتهاء بكبار السن.

والسبب الرئيسي هو ترخيص المركبات سنويا دون إخضاعها للفحوص اللازمة لنسب انبعاث الأدخنة والغازات من قبل مراكز الفحص الخاصة والمعروفة ب"الدينموميتر"، إلا ما ندر سواء كانت تعمل بوقود الديزل او البنزين وبغض النظر عن سنة التصنيع، في مخالفة واضحة لتعليمات وزارة النقل والمواصلات. يفاقم الوضع غياب مواصفة فلسطينية تحدد نسب الانبعاث المسموح بها، وغياب شرطة بيئيه لها صلاحية فحص عوادم المركبات أثناء سيرها على الطرق.

 

 

 

صار سواد أدخنة السيارات جزءاً من تقاسيم وجه أبو محمد، 39 عاما، الذي يعمل داخل مجمع الحافلات في وسط مدينة البيرِة في محافظة رام الله والبيرِة لتنظيم دخول وخروج المركبات منذ 16 عاما.

يسعل أبو محمد بين الحين والآخر أثناء وقوفه عند مدخل المحطة التي تضم مئات المركبات العاملة على خطوط النقل بين مدن الضفة، وهو يروى لكاتب هذا التحقيق الاستقصائي معاناته اليومية مع الهواء الملوث. "يومياً أتنفس الديزل، أعود إلى  بيتي في المساء وأشعر أن حلقي يؤلمني، لدرجة أنني لا أستطيع ابتلاع ريقي أحياناً". يقول أبو محمد هذه الكلمات.

أصبح يعاني من ضيق مزمن في التنفس بحسب تقرير طبي يحمله. لكنه ليس المتضرر الوحيد. فالسائقون من حوله يتذمرون من ذلك. اصطحبني أحدهم إلى داخل غرفة اتشحت جدرانها الزرقاء بالسّواد، في الطابق الأول بالمجمّع.  هناك جلس مجموعة من السائقين على سرير قديم اتخذوه مقعداً، بانتظار أدوارهم لنقل الركاب. "الأمر ليس بحاجة لفحص" قال أحد السائقين، وقد أمسك بيدي ومررها على  شاشة تلفاز في المكان حتى تحول لون أصبعي الى الأسود. قال مع ابتسامة تنم عن استهزاء: هذا "شحبار" يدخل صدورَنا يومياً.

إن كان هذا ما يعانيه السائقون والعاملون في مجمع للمركبات العمومية لا يتجاوز عدد مركباتها المئتين، فلنتخيل ما يعانيه الفلسطينيون في الضفة الغربية مع 289 الف مركبة تسير في شوارع الضفة، منها 112 ألفاً تعمل بوقود الديزل،وفق إحصاءات وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية حتى بداية شهر تموز 2016.

فالرقابة على العوادم شبه منعدمه في مراكز ترخيص المركبات بحسب ما كشف هذا التحقيق الاستقصائي الذي أستغرق ستة شهور، قام خلالها الصحفي بتوثيق عملية تجديد رخص لسيارات دون إجراء الفحص الفني المطلوب في مراكز الدينوميتر.

 

بالفيديو: ترخيص المركبات يتم دون فحص العوادم الإلزامي

 كما حصل معد التحقيق على أشرطة فيديو توثق عملية فحص المركبات من (كاميرات المراقبة) داخل مراكز الدينمو نفسها ويتحفظ المحقق على عناوينها.

 

 

أظهرت الأشرطة التي حصل عليها التحقيق والواردة من مركزين في مدينتين مختلفتين بما لا يدع مجالاً للشك،أن عملية فحص العوادم ليست جزءاً أساسياً من الفحص كما نصت عليه اللوائح التنظيمية لوزارة المواصلات الفلسطينية والمدونة على ظهر نموذج الفحص. بحسب التعليمات لا تنجح المركبة في الاختبار إلا إذا تم إجراء كل الفحوص المطلوبة، لكنّ الواقع يشي بخلاف ذلك. (الصورة أدناه)

 

 

قال أبو محمد مراقب مجمع الحافلات وسط مدينة البيرة إن كل سيارات المجمع لم يسبق وأن اخضعت لفحص إنبعاث الدخان وطلب من الصحفي ان يذهب لمراكز الدينموميتر للتأكد من ذلك.

لم يتردد الصحفي. أجرى استطلاعا ميدانياً بمساعدة خمسة صحفيين آخرين، من أمام سبعة مراكز فحص من أصل 15 في الضفة حيث تقصوا عدم التزام غالبية المراكز بفحص عوادم المركبات عند الترخيص أو تجديد الترخيص، حيث سألوا أصحاب 10 من السيارات في سبعة مراكز بعد إتمام "عملية الفحص" وخروج المركبات وحصولها على رخصة سارية المفعول لمدة عام قادم.

 

كان السؤال الوحيد: هل تم فحص العادم واختبار انبعاثاته في مركز الدينموميتر قبل قليل؟

 

هكذا جاءت نتائج سؤال 70 سائقا كما هي في الجدول أدناه:

 كانت نسبة من أجابوا بأنّه لم يتم إجراء أي فحص لأدخنة عوادم سياراتهم 73%، أما نسبة من قالوا بأنّ المراكز أجرت الفحص لعوادم سياراتهم فكانت 16%، في حين أجاب 11% من المستطلعين بأنهم (لا يعرفون).

 

 

 

أجهزة فحص الدخان موجودة، مع وقف "الاستعمال"!

 

تشترط وزارة النقل والمواصلات توفر أجهزة لفحص عوادم مركبات البنزين والديزل داخل مراكز الدينموميتر كشرط لمنحها التراخيص لمزاولة عملها، وهي مراكز تتبع لمستثمرين أو بلديات لفحص المركبات قبل حصولها على الترخيص الذي يسمح لها بالسير على الشوارع وعددها 15 في الضفة، وتحصل على ترخيصها من قبل وزارة النقل والمواصلات سنوياً. وبالفعل، فقد تبين وجود هذه الأجهزة، بصفتها متطلبا من متطلبات الحصول على رخص مزاولة المهنة من قبل الوزارة،  لكنها لا تستخدم في إجراء الفحص وفقا لتوثيق مُصوّر لعملية تجديد ترخيص عشرة مركبات في ثلاثة مراكز للفحص برام الله ونابلس قام به مُعد التحقيق.

 

اللي بعده

كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار في أقدم مراكز الفحص في الضفة (تأسس 1973 ويفحص قرابة 2000 مركبة شهرياً)، دينمو الشخشير في مدينة نابلس. كانت بضع سيارات (ديزل، بنزين) تنتظر دورها لتجديد الترخيص. في تلك الأثناء دخلت شاحنة تعمل بالديزل من نوع isuzu  إلى خط الفحص، قام فاحص في أواخر الأربعينات من العمر ممتلئ الجسم، بتشغيل جهازي الفحص المخصصين لسيارات الديزل والبنزين بتعليمات من مدير المركز. قام الفاحص بمد خرطوم الفحص المخصص لسيارات البنزين ووضعه في عادم الشاحنة التي تعمل بالديزل. قلت له عقب انتهاء فحصها: هذا جهاز فحص البنزين فكيف استخدمته على سيارة تعمل على الديزل؟. هل يجوز ذلك؟ قال بارتباك: إييييه نعم نعم. ونادى بأعلى صوته على سائق المركبة التالية: "اللي بعده".

 

مشاهدات موثقة

في دينمو المصري بمدينة البيرة، ضغط سائق سيارة مرسيدس (صنع عام 1998) على دوّاسة الوقود لينبعث من عادمها دخان أسود، على مرأى الفاحص. لم يكن ذلك كافياً لفحص عادمها.. سيارة عمومية أخرى من نوع فورد، وبمشاهدة معد التحقيق خُتمت رخصتها دون فحص العادم.

 

كانت الساعة الثانية بعد الظهر، حين أُغلِقتْ البوابات الخارجية، إيذانا بانتهاء الدوام. بدأ الموظفون بالمغادرة. كان لافتاً تواجد شخص، بملابس متسخة بزيوت سوداء توحي بأنه ميكانيكي. أخبرنا ذلك الرجل المتواجد هناك بإستمرار انه فاحص مستقل ومرخص من وزارة النقل (منذ 15 سنة). وقال، "الفحص صفر، لا سيارات ترسب نهائياً، إلا من رحم ربّي، يتساهلون كثيراً، وأجهزة الدخان قديمة أصلاً، ومش شغالة، أنا أتواجد يومياً هنا، ولا يتم الفحص". وتابع قائلا: "ما يهم أصحاب مراكز الدينموميتر هو أن يتنافسوا لكسب مال الزبائن على حساب جودة الفحص، وزارة المواصلات تتحمل المسؤولية عن كل ذلك". مدير مديرية النقل في رام الله والبيرة يحيى عكوبةأقر أن مراكز الدينمو باتت تتنافس فيما بينها على تقديم تسهيلات حتى تكسب زبائن جدد، لكنه يعرب عن أسفه أنّه "ماباليد حيلة".

لم ينكر ابراهيم صرفندي رئيس لجنة أصحاب مراكز الديمنوميترات في الضفة هذه المعلومات والمشاهد الحيّة. قال: "إن هناك حالة من التراخي في إجراء فحوص أدخنة العوادم، وبرر أن أسطول المركبات في فلسطين بات حديثاً نوعاً ما، والأمر لا يستدعي التشدد في مثل هذه الإجراءات لسيارات حديثة التصنيع، ولكن من المفترض أن يتم الفحص كونه إلزامياً".

وتوعد صرفندي المقيم في مدينة بيت لحم بإصدار تعميم يلزم فيه الديمنوميترات بإجراء فحص العوادم. وبعد 8 أيام من إجراء الاتصال مع الصرفندي صدر التعميم، على أن يكون ملزما مع بداية سنة 2017، وأوضح الصرفندي أنه "تم إعطاء أصحاب المراكز فرصة حتى بداية العام الجديد لتصويب أوضاعهم ومباشرة الالتزام بإجراء كل الفحوص المطلوبة".(مرفق صورة للتعميم).

 

 

وزارة النقل والمواصلات: لدينا عجز رقابي

بدوره أقر وكيل وزارة النقل والمواصلات عمّار ياسين بصريح العبارة بعد إطلاعه  على القرائن والأدلة التي توصّل لها التحقيق :"لدينا عجز في عملية المراقبة، ليس على مراكز الفحص فحسب، بل على كثير من الشؤون المرتبطة بأسطول النقل، فنحن لا يوجد لدينا عدد كافٍ من المراقبين بسبب الأزمة المالية التي تمر بها الحكومة الفلسطينية". وكشف ياسين عن شراء الوزارة لــ 6 أجهزة يابانية لفحص دخان المركبات، ستدخل حيز العمل في العام 2017 من خلال دوريات السلامة على الطرق التابعة للوزارة.

وفي مكتبه المليء بالملفات قال إبراهيم العتر، نائب رئيس سلطة الترخيص في وزارة النقل والمواصلات ، إن فكرة الربط الإلكتروني مطروحة منذ عام 2009 ولم تتحقق حتى الآن. واستدرك أنه قد يدخل حيز التنفيذ خلال شهرين. لكنّه بدا محبطاً من إمكانية تنفيذ ذلك "بسبب تعطيل إنجاز هذا الربط، نتيجة المماطلة من قبل الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات في الوزارة، رغم وجود قرار الوكيل المساعد لشؤون التراخيص في الوزارة بتشكيل لجنة فنية في عام 2015، لمتابعة الربط الإلكتروني وتقييم أداء الدينموميترات عن بُعد".

 

 

  

وتنص شروط وأحكام رخصة مهن المواصلات ومن ضمنها مراكز الدينموميتر على أنه يحق للوزارة إلغاء و-أو تعليق و-أو سحب رخصة المهنة في حال إخلال صاحبها بالقوانين والأنظمة والقرارات المعمول بها وكذلك في حال سوء الاستخدام. وبالرجوع للوزارة لم يجر اتخاذ أي إجراء بحق مراكز الدينمو ميتر، بسبب عدم الالتزام بإجراء فحوص العوادم.

 

 

سلطة البيئة الفلسطينية: هذا ليس اختصاصنا

استنتج المحقق أن المعضلة الأكبر في عدم ضبط انبعاثات الأدخنة من المركبات، عدم وجود مواصفة فلسطينية تحدد نسب الانبعاث المسموح بها. هذا الأمر يختلف تماماً عمّا هو عليه الحال في "إسرائيل" حيث تخضع فيها نحو 30 ألف مركبة للفحص العشوائي على الطرقات من قبل موظفي البيئة. 10% من هذه المركبات يتم إلغاء ترخيصها و/أو مخالفتها. وعند طلب معد التحقيق توثيق عملية الفحص داخل الدينمو الإسرائيلي المركزي في تل أبيب، قال مدير المركز لا داعي للتصوير"أنا أنفذ القانون وترى بعينك أنني أقوم بفحص المركبات وعوادمها واحدة تلو الأخرى. وأشار بأصبعه إلى الشاشة التي ترصد كمية انبعاثات الغازات الضارة لكل السيارات التي تصطف في طوابير أربعة". مراكز الدينمو في إسرائيل تتبع هي الأخرى لشركات إسرائيلية خاصة تُفرَض عليها قوانين متشددة علما أنهاً تعمل بشكل منفصل عن المراكز في مناطق السلطة الفلسطينية.

 

 

أما في الجانب الفلسطيني، قال مدير الرقابة والتفتيش في سلطة جودة البيئة طالب حميد إن مراقبة الانبعاثات في المركبات من اختصاص وزارة المواصلات. وأضاف قائلا: "إذا أردنا متابعة الملف، فنحن بحاجة لمواصفة وأجهزة، والأهم هو (شرطة بيئية) حتى تكون لنا صلاحيات في فحص عوادم السيارات، التي تعد من الملوثات الأساسية للهواء في فلسطين. إذ أن 60% من الوقود في فلسطين يذهب لأسطول المواصلات". وأوضح حميد أن سلطة البيئة لا تقوم بفحوصات دورية لقياس تلوث الهواء، ولم يسبق أن قامت بهذه الفحوص حيث لا يوجد قانون يفرض على سلطة جودة البيئة فحص المركبات". هذه المهمة من اختصاص وزارة النقل والمواصلات استنادا لأحكام قانون المرور الفلسطيني رقم 5 لعام 2000 الذي يعطي الوزارة الحق في سحب رخصة مزاولة المهنة من أي مركز دينمو يخالف تطبيق القانون الذي يشترط صراحة إجراء الفحوصات الدقيقة لعوادم وانبعاثات كل السيارات والمركبات العاملة على الطرق قبل تجديد ترخيصها.

 

الشرطة: نفتقر لمواصفة ونعتمد على العين المجردة لفحص دخان المركبات

يمسك أبو محمد في مجمع نقليات البيرة بين أصابعه المسودّة سيجارة اقتربت من نهايتها يقول: الشرطة هي من ينفذ القانون، ولكنّ الشرطة لا تخالف المركبات التي تصدر عنها انبعاثات".

تنص  المادة (275-1) من اللائحة التنفيذية لقانون المرور الفلسطيني على أنه :"لا يجوز لأحد قيادة مركبة أو إيقافها في الطريق، إذا كان ينبعث منها غاز أو دخان أو تلفظ زيتاً أو وقوداً بقدر ما ينفثه أو يلفظه عادة هذا النوع من المركبات حسب المواصفات المعتمدة أو بقدر قد يزعج عابري الطريق أو يمس سلامتهم". لكن بالرجوع إلى مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية، تبين عدم وجود مواصفة تحدد النسب المسموح بها من الانبعاثات. في حين أن مواصفة مكونات الديزل المعتمدة فلسطينياً هي ذات المواصفة الإسرائيلية التي تعتمد في الأساس على المواصفات الأوروبية، بمعنى أن الديزل الذي تستورده هيئة البترول الفلسطينية، هو بذات المواصفات الإسرائيلية (السلطة الفلسطينية تستورد 100% من احتياجاتها البترولية من إسرائيل).

يعتبر العقيد أبو زنيد أبو زنيد مدير عام شرطة المرور، أن اللائحة التنفيذية لقانون المرور الفلسطيني غير كافية لإصدار مخالفات، في ظل غياب مواصفة فلسطينية تحدد نسب الغاز أو الدخان المنبعث من المركبات. "لذلك يخضع تنفيذه لاجتهاد الشرطي، في حال لاحظ شرطي المرور بالعين المجردة انبعاثاً كثيفاً من أي مركبة يقوم بإنزالها عن الشارع ويطلب إعادة ترخيصها".(تنزيل المركبة عن الشارع يعني سحب ترخيصها ما يستدعي إعادة استصدار رخصة جديدة بعد تصويب الخلل الذي تم شطب الرخصة من أجله).

وبالرجوع إلى سجلات المخالفات في شرطة المرور، جرى تسجيل 190 ألف مخالفة سير في عام 2015 وحتى نهاية النصف الأول من 2016. بالإضافة إلى "تنزيل" 6446 مركبة عن الشارع في ذات الفترة، من بينها 24 مركبة بسبب وجود انبعاثات دخان شديدة منها لوحظت بالعين المجردة. حيث أجبرت هذه المركبات على استصدار رخص جديدة (700 شيكل لكل مركبة = 190$ ) بعد إصلاح الخلل الذي يؤدي إلى انبعاثات سوداء منها.  وفي الغالب يكون سبب هذه الانبعاثات ناتج عن عدم إجراء فحص للعوادم في مراكز التسجيل "الدينموميتر"، فضلاً عن عدم وجود الصيانة بشكل دوري لمحرك المركبة ونظام ضخ الديزل فيها، وفق مدير مركز الصيانة في شركة الرامي موتورز، المهندس الميكانيكي أحمد مهنا.

 

 

خبير ميكانيكي: المشكلة واضحة وبحاجة لدراسات

أمام توثيق التحقيق لإهمال إجراء فحوص أدخنة عوادم السيارات، شدد رئيس دائرة الهندسة الميكانيكية في جامعة بيرزيت د.محمد قراعين على ضرورة إجراء دراسات وأضاف: "هناك مشكلة ظاهرة بالعين المجردة. أنت تسير في الشارع ترى بعينك الأدخنة السوداء، لذلك نريد أن نعرف حقيقة الأمر".

تتركز عوادم الديزل وفق قراعين في "مكونين أساسين، الأول:  الدخان الأسود، وهو عبارة عن مواد كربونية صلبة ممزوجة ببعض السوائل (مياه، أو زيوت)، تشكل خطراً مباشراً على التنفس وتسبب أضراراً للبيئة بشكل عام، ومن الممكن أن تتشح حجارة الأبنية في أواسط المدن التي تشهد بالعادة اكتظاظات مرورية بالسواد بسبب الأدخنة السوداء.

المكون الثاني، هو غاز أكاسيد النيتروجين، وينتج إثر درجات الحرارة العالية في احتراق الوقود، وحينما تتفاعل مع أشعة الشمس، تسبب أمطارا حامضية، وتسبب السرطانات وهذا ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية، إضافة لمشكلات الجهاز التنفسي. يؤثر ذلك أيضاً على جودة المياه المكشوفة والجوفية ويؤدي إلى تلوثها. أكاسيد النتروجين لا تلاحظ بالعين، لا لون لها، أما الدخان الأسود فهو موجود وملاحظ، وينتج بسبب إهمال صيانة المركبة لفترات طويلة، خصوصاً نظام ضخ السولار (البخاخات والمضخة)، وتصبح المشكلة أكبر لدى تزويد المركبات بسولار مغشوش"، وهذا الأمر أثبته تحقيق سابق نشرعام 2015، حيث يجري خلط زيوت معدنية مستهلكة مهربة من إسرائيل بسولار نظيف ويتم بيعه في محطات وقود فلسطينية.

 

سرطان الرئة..المسبب الأول للوفاة من بين أمراض السرطان في فلسطين

أظهر تقرير أوردته مجلة آفاق البيئة والتنمية الفلسطينية (تابعة لمركز العمل التنموي معا وهو مصدر للأبحاث والدراسات البيئية لديه اتفاقات تعاون مع جامعات فلسطينية ومراكز دولية) في شهر أيار 2016، أن نحو ربع الوفيات في العالم، أي حوالي 12.6 مليون، سببها عوامل بيئية في أماكن العمل أو السكن؛ علماً أن العامل البيئي الأساسي هو تلوث الهواء. كما أن العوامل البيئية مسؤولة عن 22% من إجمالي الإصابات بالأمراض في العالم. واستند التقرير على تقديرات منظمة الصحة العالمية في تقريرها الشامل الأخير حول الوفيات والأمراض في العالم بسبب عوامل بيئية،  وتشمل هذه العوامل بشكل أساسي الهواء، الماء، التربة، التعرض للمواد الكيميائية وتغير المناخ والتلوث الإشعاعي.

النسبة العالمية للوفيات بسبب عوامل بيئية قريبة من نسبة الوفيات بسبب ذات العوامل في منطقة شرق البحر المتوسط، التي تضم أساساً فلسطين التاريخية (الضفة وقطاع غزة وإسرائيل)، سوريا، لبنان، الأردن وقبرص.

يحذر د.جهاد خليل البابا استشاري أمراض الأنف والأذن والحنجرة من مخاطر الغازات المنبعثة من المركبات خصوصاً التي تعمل بوقود الديزل. وأضاف "استنشاق الإنسان لهذه الغازات يؤدي إلى التهابات في الجهاز التنفسي والرئة، وهذه الالتهابات تؤثر على الصحة العامة".

لامتلاك تصور تقريبي لحالات الوفيات التقديرية في الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب عوامل بيئية،  قام معد التحقيق بإسقاط النسبة العامة في شرق المتوسط (20%) على المنطقتين المذكورتين؛ عندئذ فإن 2538 فلسطينياً من أصل 12690 وفاة سنوياً (تقرير وزارة الصحة لــ 2015) يموتون بسبب عوامل بيئية. هذه النسبة التقديرية تنسجم مع حقيقة أن الأمراض السرطانية (بحسب وزارة الصحة) تأتي في المرتبة الثانية للأمراض المؤدية إلى الوفاة عند فلسطينيي الضفة والقطاع بنسبة 13.8%، في حين أن سرطان الرئة، هو المسبب الأول للوفاة من بين السرطانات بنسبة 17.5 %.

ضرر عوادم الديزل يؤثر بشكل أساسي على الجهاز التنفسي حسب د. جهاد البابا، خصوصاً بعد تأكيدات الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية سنة 2012 على أن أبخرة عوادم محركات الديزل تتسبب في الإصابة بسرطان الرئة، وربما تؤدي إلى ظهور أورام المثانة. ونصح الخبراء بتقليل فرص التعرض لعوادم الديزل.

عندما عرف أبو محمد مراقب تنظيم المركبات في مجمع الحافلات العامة هذه المعلومة ارتبك وقال: " أنا عندي التهابات في الجيوب وضيق في التنفس، ما بدي أفحص إشي، خليها على ربنا".

وأكد البابا بأن تأثيرات الانبعاثات الشديدة ليس بالضرورة أن تظهر بشكل سريع، لكنها حتما ستؤدي إلى أمراض كالربو أو ظهور الأورام الخبيثة ناهيك عن التهابات الحنجرة والقصبة الهوائية. مطالباً بـ "ضرورة أن يكون هناك فحص حقيقي لهذا الأمر".

مع مغيب شمس يوم حار في شهر آب، وبعد عشر ساعات من العمل، عاد أبو محمد إلى بيته ليضع عنه يوماً مليئاً بالضجيج و"السخام الأسود"، يبدأ بالاستحمام، تتجمع المياه في حوض الاستحمام الأبيض، ليتلّون بالسّواد الذي يعلق على جسمه ككل يوم".

Loading...