دير حجلة في أريحا بقعة اقتصادية خضراء وسط صحراء لا ترحم
ABRAJ: 2.08(%)   AHC: 0.80(%)   AIB: 1.18(1.72%)   AIG: 0.18(5.26%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.29(%)   AQARIYA: 0.82(%)   ARAB: 0.80(%)   ARKAAN: 1.33(0.75%)   AZIZA: 2.48(3.33%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.50(0.00%)   BPC: 3.80(1.81%)   GMC: 0.80(%)   GUI: 2.08(%)   ISBK: 1.19(0.00%)   ISH: 1.00( %)   JCC: 1.70(2.86%)   JPH: 3.63( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.71(%)   NAPCO: 0.99( %)   NCI: 1.65( %)   NIC: 2.95( %)   NSC: 3.07( %)   OOREDOO: 0.76(0.00%)   PADICO: 1.03(0.00%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 4.15(0.00%)   PEC: 2.84(7.49%)   PIBC: 1.07( %)   PICO: 3.39( %)   PID: 1.93( %)   PIIC: 1.80( %)   PRICO: 0.30(0.00%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.14( %)   RSR: 4.50( %)   SAFABANK: 0.80( %)   SANAD: 2.20( %)   TIC: 2.95( %)   TNB: 1.23(0.00%)   TPIC: 2.00( %)   TRUST: 3.00( %)   UCI: 0.43( %)   VOIC: 7.12( %)   WASSEL: 1.07( %)  
12:00 صباحاً 14 أيار 2015

دير حجلة في أريحا بقعة اقتصادية خضراء وسط صحراء لا ترحم

الاقتصادي- لم يطل الزحف العمراني ولا ملوحة الصحراء القاحلة خضرة "دير حجلة" الواقع شرقي محافظة أريحا، والمحاط بتربة شديدة الملوحة، فظل الدير يافعًا أخرًا لا يشيخ.

تغلب على الدير طبيعة ريفية سخية بخيرات الأرض التي يستغلها القاطنون فيه لضمان اكتفاءهم دون الوصول إلى ثقافة الاستهلاكية السائدة على عصرنا.

تبلغ مساحة الدير الأصلية 4 آلاف دونم، صادرت إسرائيل ألفا منها، وهو محاط بصحراء لا تكسر صفرتها سوا خضرة الدير الذي يتغذى من عين حجلة، ما جعله مكان جذب منذ 1600 عام.

وشيّد الدير الذي امتاز ببساطته معماريًا القديس جيراسيموس سنة 455 ميلادية، ثم حسّنه الراهب "خريستو توموس" الذي استلم رئاسته قبل اربعين عاماً، فحوله الى واحة خضراء ورمّم الكنيسة وزينها بالفسيفساء.

 

جنات من نخيل وحمضيات

 "كل يوم يصرّ الأب خريستو على اطعام الطيور بنفسه، فيدخل الى اقفاصها وينثر الحبوب ويتأملها ويتفقد أحوالها، ثم يطل على الخيل والجمال والأغنام، وأخيراً يتنزه بين بساتين النخيل والحمضيات ويتلو الصلوات" يقول المزارع مهند الغروف أثناء تجواله مع "آفاق".

يذكر الثلاثيني "مهند" ابن أريحا المزارع المبتسم والمنغمس في حب مهنته أصناف التنوع الزراعي على مساحة 320 دونماً من أرض الدير، حيث تنتشر مختلف انواع المزروعات المناسبة للجو الحار لمنطقة الاغوار فتزرع الحمضيات والنخيل والبابايا، والرمان، ومن الخضروات الثوم والفلفل والباذنجان والملفوف والأرضي شوكي، والبندورة. وأيضاً يزرع الشعير والبرسيم والصبر والبطيخ والذرة.

يضيف المزارع الذي ورث حب المهنة من أبيه وجدّه ومارسها معظم حياته من خلال تضمن اراضي وزراعتها: " تركت الزراعة بعد أن أعدنا الأرض لأصحابها بسبب غلاء أجور الأراضي، واتجهت للعمل في مغسلة ملابس، ولكن عشقي للزراعة دفعني للتوجه للبحث عن عمل بما يناسب خبراتي، فاتجهت لدير حجلة وقابلت الأب خريستو الذي وافق دون تردد على تشغيلي واستأنفت حبي للزراعة في هذا الدير الهادئ والمليء بالمودة".

 

استصلاح للتربة 

من مهمات مهند الصعبة كانت عملية استصلاح التربة المالحة وجعلها قابلة للزراعة، وهذا لم يكن ممكناً من دون استخدام الاسمدة العضوية التي تتوفر بكثرة في الدير من مخلفات الحيوانات وبقايا النباتات، بحيث تخفض عملية التبخر "النتح" للنباتات المزروعة، وتحافظ على عملية تراكم الرطوبة في التربة، وتؤمن التغذية المتكاملة من التربة من العناصر العضوية والمعدنية، وتقي النباتات من الأمراض الناتجة عن ملوحة التربة، وتحسن من نوعية المحاصيل وتزيد من كمية الانتاج.

في مساحات ليست ببعيدة عن البساتين، يربي الدير الخيول والجمال والاغنام والخراف والطيور بأنواعها كالدجاج والحمام والبط والطواويس، يقول مهند: "تتواجد الخيول والجمال في مزرعتنا لأغراض سياحية ترفيهية حيث يحب كثير من السياح ركوبها وأخذ الصور الفوتغرافية بصحبتها. كما نهبُ "بكل ود" أي أحدٍ يسألنا عن حليب النوق لأغراض علاجية خاصة انه يوصف لعلاج السرطان".

  

الدير يعتمد على نفسه

لا يشتري الدير للحم او الجبن أو البيض من الخارج، بل تزوده المزرعة بكل ما يحتاجه، وكذلك الأمر للخضار والفاكهة في موسمها، مع اضطرارهم احياناً لتغطية النقص منها في غير موسم الانتاج.

 "روث الحيوانات وزبل الطيور يستخدم كسماد للتربة، المواد الكيميائية لا تدخل مزرعتنا أبداً". يقول مهند وهو يمسك حبة بابايا يانعة.

ومرورا باسطبلات حيوانات المزرعة، يشرف الشاب العشريني من مدينة التعامرة في بيت لحم أحمد على عملية تربية الحيوانات ويقوم بجمع البيض وذبح الخراف والطيور، يقول: " تصلني التعليمات من الأب خريستو بأن علي أن اذبح خروفاً او حماماً، اقوم بالمهمة ويرسل اللحم أو الدجاج الى طهاة الدير ومعظمهم من اليونان، ثم يدعوننا جميعاً للغذاء (الرهبان والعمال) في صالة الطعام". يذكر أن عدد العمال الفلسطينيين في الدير يصل الى 35 عاملاً من سكان المنطقة.

  يشير احمد وهو يمسك بغنمة استعداداً لذبحها، إلى ان الدير ربّى في الماضي الغزلان لكنها صودرت من قبل جمعية حماية الطبيعة الإسرائيلية، كما ربى النعام وهو مستعد لتجربة كل ما يمكن تربيته من حيوانات المزرعة".

"يحبون تناول اللحوم والأسماك وطبعا لا تخلو أطباقهم من الخضار، وهم يتمتعون بصحة جيدة وقلّما يصابون بوعكات صحية". يقول مهند مؤكداً ان الغذاء العضوي ونمط الحياة السليم والهواء النقي البعيد عن التلوث وراء تمتع الرهبان بالصحة والعافية بحمد لله.

 في جهة اخرى من الدير، بركة بمساحة 800 متر مربع وعمق يمتد من (متر إلى 10 امتار) مليئة بمئات الاسماك من نوع المشط، هذه البركة تستقبل مياه النبعة النقية التي تضخ 30 كوباً في الساعة،  جهزت صناعياً وزودت بجهاز فلترة ينقي المياه من الفضلات الصلبة قبل ريّها للبساتين، حتى لا تغلق الأنابيب، فيما يتم جمع زبل السمك في الصيف بعد تقليل منسوب المياه (لاصطياد المشط)  ليستخدم كسماد صلب يوضع حول الاشجار.

 

 دير يخلق الفسيفساء

 ويعرف الدير ايضاً بصناعة الشموع لإنارة الكنائس ورسم الأيقونات الدينية، والتي يتم عملها في مشاغل متخصصة، لكن الأهم في الدير هو مشغل الفسيفساء والذي يعد الاول فلسطينياً نظراً للتفرد في الشكل والمضمون، وقد تأسس قبل ست سنوات بأمر من الأب خريستو حين وجد لوحة فسيفسائية قديمة في الدير فأمر بملء الدير كله بالفسيفساء فريدة الحجارة والمأخوذة من مختلف دول العالم حتى أن الذهب يدخل في بعضها، فيما يتميز المضمون بمحاكاة أهم لوحات الفسيفساء المنتشرة في الكنائس، أمثال لوحة مادبا البيزنطية التي تم اعادة احيائها من خلال جدارية ضخمة في الدير.

 "أي فن هو رسالة للمحبة والسلام، اعمل هنا بعيداً عن أي توترات خارجية، الكل هنا يحترم ويحب الآخر" يقول الشاب ابن اريحا محمود الذي يصنع لوحات تعكس مضامين ورموز الأديان السماوية الثلاثة، حيث يطبق النماذج التي يرسمها الفنانون المختصون على القماش إلى لوحات فسيفسائية غاية في الجمال والإتقان.

 ما يميز هذا الدير عدا عن منظومته البيئية المستدامة، ونبعته وبساتينه، وجمال لوحاته الفسيفسائية هو أنه مفتوح للجميع للتمتع بهذه الطبيعة المدهشة وقضاء الأوقات الممتعة، وبلا شك، أخذ الافكار نحو تعزيز ثقافة الانتاج وتعميق الانتماء للطبيعة في زمن الاستهلاك والزحف الاسمنتي المرعب.

 

Loading...