رام الله - الاقتصادي - مع اتجاه انظار العالم نحو مصادر الطاقة البديلة في ظل الجهود العالمية لتنويع مصادر الطاقة بهدف تخفيض الانبعاثات الكربونية، ودخول اتفاقية باريس للمناخ حيز التنفيذ يوم الجمعة 4 تشرين أول من عام 2016، تسعى فلسطين للبحث عن مصادر الطاقة البديلة، التزاما منها لتنفيذ هذه الاتفاقية كونها من الدول الموقعة عليها، وبحكم وجود احتلال يتحكم بمصادرها من الطاقة التقليدية، مما يجعل من عملية البحث عن مصادر بديلة للطاقة أمراً ملحاً، عدا عن أهميته في تحقيق الهدف الأسمى المتمثل بتحقيق أمن الطاقة لفلسطين، وزيادة الاعتماد على الموارد الوطنية للطاقة.
وعند تسليط الضوء على قطاع الطاقة في فلسطين، نجد أن فاتورة الطاقة (من كهرباء ومحروقات) تشكل كلفة باهظة على الاقتصاد الوطني، والتي تقدر بحوالي 2.4 مليار دولار امريكي سنويا، أي حوالي 20% من اجمالي الناتج المحلي، من ضمنها فاتورة طاقة كهربائية بحوالي 750 مليون دولار سنوياً.
برنامج نور فلسطين ... برنامج طموح لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية
ايماناً بأهمية الاستثمار في قطاع الطاقة، قام مجلس ادارة صندوق الاستثمار الفلسطيني مع نهاية عام 2015 بتأسيس شركة مصادر، كشركة متخصصة لتعمل على تطوير واستغلال الموارد الطبيعية الفلسطينية، وتطوير مشاريع البينة التحتية في قطاع الكهرباء والمياه، لتشكل الذراع الاستثماري للصندوق في تنفيذ استراتيجية استثمارية متكاملة تجمع ما بين موارد القطاع العام وإمكانيات القطاع الخاص، والتي تشمل تطوير حقل الغاز الطبيعي مقابل سواحل غزة، وحقل البترول في الضفة الغربية، وأول وأكبر محطة توليد طاقة كهربائية تعمل على الغاز الطبيعي في محافظة جنين، وتطوير حقول طاقة الشمسية.
وقام صندوق الاستثمار مطلع العام الحالي بإطلاق برنامج "نور فلسطين" للطاقة الشمسية من خلال شركة مصادر، وهو البرنامج الأول من نوعه في فلسطين في هذا المجال، ويهدف إلى تمكين قطاعات مختلفة من انتاج احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية، من خلال برنامج استثمار تدريجي في أنظمة طاقة شمسية بأحجام مختلفة تتناسب مع استهلاكهم من الكهرباء. ويستهدف البرنامج القطاعات المنزلية، والتجارية، والصناعية، والزراعية، والقطاع العام. ويقوم مبدأ عمل برنامج نور فلسطين للطاقة الشمسية على تحويل المستهلك للكهرباء إلى منتج لاحتياجاته من الطاقة الكهربائية وبالتالي الى مستثمر في هذا القطاع الحيوي.
"نور فلسطين" ... فوائد اقتصادية نحو تحقيق أمن الطاقة
وحيث ان الاعتماد شبه الكامل على مصادر الطاقة المستوردة من الطاقة الكهربائية والمشتقات البترولية المختلفة، يشكل عائق أساسي امام بناء اقتصاد وطني قادر على الاعتماد على الذات، فإن برنامج "نور فلسطين" يشكل أحد الدعائم الهامة للمساهمة في تحقيق الاستقلال في قطاع الطاقة والذي يشكل العمود الفقري للتنمية الاقتصادية.
ويوضح رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، د. محمد مصطفى "أن أبرز التحديات أمام الاستثمار في هذا القطاع يتمثل في المخاطر والصعوبات الفنية في تطوير هذه المشاريع، وصعوبة الحصول على التمويل، ومحدودية الحوافز الاستثمارية بالمقارنة مع تجارب الدول الأخرى". وأضاف: "إذا ما أضفنا إلى هذه التحديات، المعيقات التي تواجه استقلال الاقتصاد الفلسطيني والمفروضة من قبل الاحتلال، فإن برنامج نور فلسطين يشكل خطوةً مهمة ونوعية نحو إطلاق العنان لتطوير واستغلال الموارد الطبيعية في دولة فلسطين".
ومن الفوائد الاساسية لبرنامج نور فلسطين، تمكين شرائح وقطاعات كبيرة من المستهلكين للطاقة الكهربائية من تملك أنظمة طاقة شمسية جاهزة لإنتاج الطاقة الكهربائية ومربوطة مع شبكات التوزيع من خلال برنامج تمويل طويل الاجل يتم تنفيذه مع البنوك المحلية المشاركة في البرنامج، بحيث تأخذ شركة مصادر على عاتقها مخاطر التطوير والبناء من خلال شركات مؤهلة وتوفير التمويل في مرحلة الانشاء، وربط الانظمة على شبكات توزيع الطاقة الكهربائية بالتعاون مع شركات التوزيع، لتكسر بذلك الحلقة المفرغة والمعيقة للاستثمار في هذا القطاع الهام. ويتم بناء انظمة انتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، إما على أسطح المباني أو على أراض خاصة بالمستخدمين أو على شكل حقول طاقة شمسية يتم بناؤها لصالح مجموعة من المستفيدين.
بداية موسعة تستهدف منشآت القطاع العام والخاص
وفي إطار بدء التنفيذ الفعلي لبرنامج نور فلسطين، قامت شركة مصادر بتوقيع مجموعة من مذكرات التفاهم مع مجموعة من البلديات، وشركات من القطاع الخاص، ومجموعة هامة من الآبار الارتوازية. وشملت هذه القائمة في المرحلة الاولى توقيع مذكرات تفاهم مع بلديات رام الله والبيرة وقلقيلية وجنين وطوباس لتلبية احتياجاتها لإنارة الشوارع وتشغيل محطات تكرير المياه العادمة وضخ المياه.
وفيما يتعلق بالآبار الارتوازية، فقد تم توقيع اتفاقية مع حوالي 25 من الآبار الارتوازية في محافظة طوباس، بحيث يتملك أصحاب تلك الآبار نظام انتاج طاقة كهربائية من خلال استغلال الطاقة الشمسية للمساهمة في تخفيض فاتورة الكهرباء والتي تشكل ما يقارب 90% من الكلفة التشغيلية لتلك الآبار، وبالتالي تخفيض كلفة الانتاج الزراعي في هذه المنطقة والتي تعتبر بمثابة سلة غذاء فلسطين.
وفي هذا الصدد، أكد مدير برنامج الطاقة الشمسية في شركة مصادر، المهندس عصام الخياط أن الشركة قامت بتوجيه دعوات عبر الصحافة المحلية والإقليمية والعالمية، لتأهيل مجموعة من الشركات المتخصصة في بناء محطات ومشاريع الطاقة الشمسية كبيرة الحجم، لاختيار الافضل منها لتنفيذ المرحلة الأولى من البرنامج. كما قامت الشركة بتكليف مستشار عالمي لتحديد المواقع الملائمة لبناء أول ثلاث محطات للطاقة الشمسية بقدة 5 ميجاواط لكل محطة، أي بطاقة انتاجية بحوالي 15 ميجاواط للمرحلة الاولى، والتي سيتبعها تنفيذ مراحل أخرى ليصل حجم البرنامج الكلي حوالي 35 ميجاواط. ومن المتوقع ان ينتهي المستشار من اختيار المواقع وتحضير وثائق العطاء للمرحلة قريبا والتي من المتوقع نشرها مع بداية شهر كانون أول. وبالتوازي مع ذلك ستعمل الشركة على تأهيل البنية التحتية الملائمة لهذه المشاريع في المواقع المختلفة مع نهاية العام الحالي.
أما النموذج الثاني لنور فلسطين، كما يقول خياط فهو يستهدف القطاع العام كالوزارات والمستشفيات والمدارس وغيرها، ويهدف الى تمكين تلك المؤسسات العامة من تركيب أنظمة طاقة شمسية على أسطحها وتوليد طاقة كهربائية لتغطية احتياجاتها والتخفيف من فاتورة الكهرباء الشهرية الخاصة بها وذلك ضمن نموذج فريد يتم تنفيذه بالشراكة ما بين شركات التوزيع ومؤسسات القطاع العام، بحيث تتمتع مؤسسات القطاع العام بكهرباء مجانية وحصول شركة التوزيع على جزء من انتاج النظام من الطاقة الكهربائية مقابل الالتزام بسداد كلفة النظام، وتشغيله، وصيانته لفترة معينة. أما النموذج الثالث فهو يستهدف القطاع المنزلي، ويهدف لتمكين المواطنين من تملك أنظمة طاقة شمسية على أسطح منازلهم، من خلال برنامج تمويل طويل الاجل من مجموعة من البنوك المحلية، بحيث يكون دور الشركة العمل على توحيد التصميم لهذه الانظمة، وتسهيل تنفيذها من خلال شركات مؤهلة لهذا الغرض. وبذلك ستحول المواطن من مستهلك للطاقة الكهربائية الى منتج للكهرباء من الطاقة الشمسية، بحيث يقوم ببيعها لشركات التوزيع على التعرفة التفضيلية بناء على قرارات الحكومة الأخيرة بهذا الخصوص.
وفي نهاية الحديث، أكد رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني د. محمد مصطفى، على أن انتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية هي جزء من الحل، ولكنها ليست كل الحل، حيث ان الوضع الحالي في قطاع الطاقة الفلسطيني يتطلب من المؤسسات الاستثمارية الوطنية الاطلاع بدور قيادي وأكبر لتمكين الحكومة من تنفيذ برنامجها لتطوير هذا القطاع، فاستراتيجية الصندوق تقوم على تطوير وبناء حزمة متكاملة من المشاريع والتي تبدأ بتطوير واستغلال الموارد الطبيعية والصديقة للبيئة، وتوفير البنية التحتية لإنتاج الطاقة الكهربائية من المصادر التقليدية والمتجددة، وتحفيز الاستثمار في شبكات نقل الطاقة ضمن الجهد العالي، وتوسيع القدرة الاستيعابية لشبكات توزيع الطاقة الكهربائية ضمن الضغط المتوسط.
وأضاف د. مصطفى: "لذلك بدأنا مع شركاء الصندوق في شركة فلسطين لتوليد الطاقة بتنفيذ أكبر واول محطة توليد طاقة كهربائية في محافظة جنين تعمل على الغاز الطبيعي والقادم من حقل الغاز مقابل سواحل غزة وبقدرة 450 ميغاواط، والتي ستوفر حوالي 40% من احتياجات فلسطين من الطاقة الكهربائية. كما سيساهم هذا المشروع لوحده بتخفيض العجز في الميزان التجاري بما لا يقل عن 350 مليون دولار أمريكي سنوياً، فهو بذلك يشكل أولوية وطنية".