المال قبل الماء": سلعنة المياه تطبق فكيها على أعناق الفقراء
ABRAJ: 2.08(%)   AHC: 0.80(%)   AIB: 1.18(1.72%)   AIG: 0.18(5.26%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.29(%)   AQARIYA: 0.82(%)   ARAB: 0.80(%)   ARKAAN: 1.33(0.75%)   AZIZA: 2.48(3.33%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.50(0.00%)   BPC: 3.80(1.81%)   GMC: 0.80(%)   GUI: 2.08(%)   ISBK: 1.19(0.00%)   ISH: 1.00( %)   JCC: 1.70(2.86%)   JPH: 3.63( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.71(%)   NAPCO: 0.99( %)   NCI: 1.65( %)   NIC: 2.95( %)   NSC: 3.07( %)   OOREDOO: 0.76(0.00%)   PADICO: 1.03(0.00%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 4.15(0.00%)   PEC: 2.84(7.49%)   PIBC: 1.07( %)   PICO: 3.39( %)   PID: 1.93( %)   PIIC: 1.80( %)   PRICO: 0.30(0.00%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.14( %)   RSR: 4.50( %)   SAFABANK: 0.80( %)   SANAD: 2.20( %)   TIC: 2.95( %)   TNB: 1.23(0.00%)   TPIC: 2.00( %)   TRUST: 3.00( %)   UCI: 0.43( %)   VOIC: 7.12( %)   WASSEL: 1.07( %)  
12:00 صباحاً 10 أيار 2015

المال قبل الماء": سلعنة المياه تطبق فكيها على أعناق الفقراء

 حسناء الرنتيسي- خاص بآفاق البيئة والتنمية- بحلول عام 2030 سيعاني قرابة 4 مليارات إنسان في العالم من شح المياه، هذا ما يقدره العلماء في العالم، عربياً وفلسطينيا حتما سنكون على رأس القائمة في ظل الاحتلال الإسرائيلي، فهل سنظمأ بفعل قلة مصادر المياه أم بفعل عدم قدرة بعضنا على دفع ثمن المياه في ظل توجهات لاستخدام عدادات المياه مسبقة الدفع؟

م. كمال عيسى، مدير دائرة الاقتصاد والتعرفة في سلطة المياه الفلسطينية؛ قال ان قرار مجلس الوزراء بتاريخ 8/10/2013 جاء ليعزز القرار السابق لمجلس الوزراء بتاريخ 7/6/2010 القاضي بتركيب عدادات الدفع المسبق ضمن شروط ومواصفات فنية ومساهمة الحكومة بـ50% من تكلفة هذه العدادات، واعتماد معايير وزارة الشؤون الاجتماعية لحماية الفقراء. موضحا أن هذا القرار ليس اجباريا وجاء من مجلس الوزراء وبناء على مواصفات خاصة تم اعدادها والمصادقة عليها من مجلس الوزراء لتحصيل الديون وحماية الفقراء.

بينما قال صلاح هنية، رئيس جمعية حماية المستهلك، إن قانون المياه 2002 لم يشر لعدادات مسبقة الدفع، بل اشار لإعادة تنظيم وهيكلة قطاع المياه، فقد جاء قرار مجلس الوزراء في العام 2010 بخصوص عدادات الدفع المسبق في المياه دون سند قانوني واضح في قانون 2002، وفي ضوء غياب مجلس المياه الوطني المنصوص عليه في قانون المياه 2002 الذي يعتبر المشرع في قطاع المياه ولا يجوز أن يحل مكانه أي جسم غير منظم بالقانون لحين اقرار القانون الجديد.

وعن المناطق التي تم تطبيق القرار فيها، أوضح عيسى أن نسبة المناطق التي تطبق عدادات الدفع المسبق قليلة ولا تتجاوز 5% من المخدومين وتصل الى حوالي 30000 عداد تقريبا.

 

دوافع التطبيق

يشير الباحث مراد الفقها- والذي أعد رسالة ماجستير تحت عنوان "تقييم أولي لعدادات المياه مسبقة الدفع: حالات مختارة من فلسطين"- الى السبب الذي دفعه نحو فكرة عدادات المياه مسبقة الدفع، وهو ما عانته المؤسسات المائية الفلسطينية مثل البلديات ومجالس الخدمات المشتركة والمجالس القروية في فلسطين من مشاكل مالية وفنية وإدارية واجتماعية مثل: نسبة ارتفاع الفاقد، كفاءة جمع المستحقات، قدم الشبكة، الديون المتراكمة، ارتفاع سعر المياه، عدم وصول المياه إلى المناطق المرتفعة، سعر التشغيل والصيانة للشبكات والمضخات مرتفع جداً، الاستهلاك الغير قانوني (السرقات)، أضف إلى ذلك قلة المردود المالي لتزويد المياه للمواطنين والذي قد يؤدي إلى انهيار مالي في بعض المؤسسات المائية.

المواطن ابو أيمن من طوباس لم يرق له تطبيق القرار في الحي، يقول "أنا انسان ملتزم بالدفع، ولكن، أحيانا ولتأخر الراتب أؤجل الدفع للشهر التالي، لكن مع هذا النظام أضطر لشحن بطاقة المياه أولا، وإلا لن أشرب".

بينما المواطنة ام أحمد تشير الى انعكاس القرار بالمزيد من السرقات، تقول "الي معوش يشحن البطاقة بسرق، أكيد ما بستنى يموت عطش".

 

بين الايجابية والخطورة

وقد تطرق الفقها الى تأثير تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع مالياً، فنياً، اجتماعياً، وإدارياً في قرى مجلس الخدمات المشترك لقرى جنوب غرب جنين وقرية الجاروشية في طولكرم. وتشير نتائج الدراسة والتي تم الحصول عليها بعد ثلاثة أعوام من تطبيق نظام عدادات المياه مسبقة الدفع إلى أن المواطنين تقبلوا تركيب العدادات، حيث أن أكثر من 82% من المواطنين كانوا سعداء باستخدام العدادات، ويعتقد أكثر من 78% من المواطنين أن نظام عدادات المياه مسبقة الدفع أفضل من نظام الفواتير.

 وتشير النتائج إلى أن معدل استهلاك المواطنين للمياه أقل من باقي الاستهلاكيات الأخرى مثل: الكهرباء، السيارات، الانترنت، التليفونات، الغاز، والتدخين. كما وأن استخدام نظام عدادات المياه مسبقة الدفع ساعد المواطنين على ترشيد استهلاكهم للمياه.

وتشير النتائج إلى أن استخدام عدادات المياه مسبقة الدفع ساهم في حل العديد من المشاكل المالية والفنية والإدارية السابقة الذكر والتي منها؛ مشكلة العجز في نظام التحصيل والتي ارتفعت إلى 100%، كما وساهم استخدام عدادات الدفع المسبق في إيقاف نزيف الديون وساعد في استرداد نسبة كبيرة من الديون الميتة والتي تقدر ب 20% شهرياً، وقلل الفاقد الناتج عن السرقات.

 كما وأنهى تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع بعض المشاكل الفنية التي كانت موجودة في العدادات التقليدية، من خلال تقليل الفاقد الناتج عن أخطاء قراءة العدادات، كما وساعد على ضمان توزيع عادل للمياه بين المواطنين، ووفر على مزودي خدمة المياه رواتب موظفي جمع الفواتير، حيث أصبح المواطن يدفع الفاتورة بنفسه إلى محاسب مزود الخدمة عند شحن الكرت.

 

توصيات الباحث

وحسب الباحث فقد تم رفع العديد من التوصيات المتعلقة بتركيب عدادات المياه مسبقة كالانتباه إلى مواصفات العدادات المختارة، والتأكد من إمكانية تشغيل العدادات في حالات الطوارئ، والانتباه إلى نظام التعرفة المتعلقة بالعدادات، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود حالات اجتماعية فقيرة قد تواجه مشاكل مالية يجب تسويتها لضمان نجاعة تطبيق النظام.

وقد أشار عيسى الى ايجابية النتائج لتطبيق القرار، حيث يتم الجباية الممتازة وقلة السرقة، وقد تم توزيع المياه بعدالة بين المشتركين في المناطق محدودة الكميات، موضحاً ان هناك المزيد من الطلبات لتركيب هذه العدادات ولا سيما ان الحكومة تدفع 50% من تكلفتها.

 

وجهات نظر معارضة

في الجهة المقابلة لم تحظ فكرة العدادات مسبقة الدفع بتلك النظرة الايجابية لدى مركز بيسان للابحاث والدراسات، حيث حذرت دراسة اعدها المركز من تطبيق القرار، وجاء فيها انه حتى في بريطانيا العجوز العظمى وصاحبة براءة اختراع خصخصة المياه، تم بعض التراجع عن التطبيق الحرفي للفكرة بعد أن انتشرت الدوسنطاريا في بعض أحياء الفقراء على إثر تركيب عداد الدفع المسبق.

أمافي كوازولو في جنوب أفريقيا التعسة بالتخلص من التمييز العنصري ومجيء حكومة سوداء أجرأ من سلفها الأبيض في موضوع التلاعب بحياة العباد، فقد أصيب فيها قرابة 114 الف نسمة من سكان المنطقة المعدمين بالكوليرا بعد استخدام العداد سيء السمعة مباشرة. وهذه عينات من المخاطر الصحية التي يمكن أن تتربع فيها المصلحة الاقتصادية العمياء لرأس المال او المصلحة المتصلة بتوفير المياه – لإرضاء البنك الدولي وإسرائيل- في المكان الأول، ووضع حياة الإنسان الفلسطيني في المكان الثاني.

ويرى هنية أن الهدف المركزي والمعلن لهذه العدادات تحسين الجباية فقط، "وهو توجه واضح انه بديل عن جهد يصب باتجاه تحسين جودة إدارة الموارد المائية المحدودة، وبديل عن الخروج بأفكار ابداعية وخطط عملية لتقليل الفاقد الفني والمالي، وبديلا عن وضع تعرفة موحدة للمياه تقسم المشتركين إلى فئات وتكون منحازة للفقراء ومتوسطي الحال. "

ويضيف هنية "لقد قفزت اللجنة الفنية في مجلس الوزراء والتي تقودها وزارة الحكم المحلي قفزة في الهواء والفراغ، بإقرار تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع لتحسين الجباية وهيئات الحكم المحلي هي"صاحبة الحصة الأكبر في الفاقد المالي في قطاع المياه نتيجة لسوء إدارة قطاع المياه في هيئات الحكم المحلي الأمر الذي أوصل الديون المتراكمة إلى مليار ومائتي مليون شيقل لغاية نهاية العام 2014."

الخبراء عامة رأوا أن وحشية رأس المال تضع الفقير بين فكيها، وخاصة ان المياه أساس الحياة، وحرمان الفقير منها لعدم امتلاكه المال يهدد حياته.

 

المياه نحو الخصخصة

ورأى مركز بيسان أن الفكرة الأساس من عداد الدفع المسبق، هو الضمان لكي تتحول ضرورات الوجود والحياة ذاتها إلى سلعة قابلة للاستثمار من قبل رأس المال، وهي لذلك أساسية من أجل خصخصة قطاع المياه، وهذه العملية أي الخصخصة تقف على رأس أولويات السلطة الفسطينية في سياق خصخصة كل شيء وتسليعه بما في ذلك الوقود، والكهرباء، والماء بالذات، على حد قول المركز.

الخصخصة اصبحت جزءا من الاقتصاد العالمي، الا انها نجحت بالدول المتقدمة وفشلت في دول العالم الثالث وفي الوطن العربي لغياب الشفافية والمحاسبة ووجود الفساد وتخبط الاقتصاد بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي حسب الباحث د. فريد المحاريق، الخبير في الاقتصاد الدولي.

يستذكر المحاريق نشأة الخصخصة في فلسطين، والتي بدأت في عام 1997 في قطاع الاتصالات في محاولة لتحفيز وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، كما أن السلطة توجهت نحو الخصخصة من أجل التخلص من الظروف الاقتصادية التي مرت بها " اختناقات وأزمات مالية ", ونتيجة تضخم حجم الموظفين في القطاع العام.

ويتساءل المحاريق عن جدوى الخصخصة لقطاع المياه والتي لم تنجح في قطاع الكهرباء، يقول " بالرغم من خصخصة قطاع الكهرباء إلا ان شركة الكهرباء لم تنجح كونها تعاني من ازمات مالية ولم تلتزم بدفع مستحقاتها للشركة الاسرائيلية، والدليل على ذلك قطع التيار الكهربائي في شمال الضفة الغربية، وهذا دليل على فشل نظام الخصخصة في فلسطين، كما تتميز الشركات بالاحتكار والسيطرة، حيث لا منافس قوي لها، وأن المواطن مجبر على الحصول على خدمتها."

بينما نفى عيسى أن يكون القرار "خصخصة"، حيث نفس المزودين والبلديات هم من يركبون العدادات ولا يتم قطع المياه عن أحد حيث يمكن السماح للفقراء بالتزود بالاحتياجات الأساسية من خلال ترتيب معين، ولا يتم قطع المياه عن أحد في اوقات عدم الشحن والاعياد والعطل مع السماح باستخدام كمية كافية لحين الشحن.

 

حماية المستهلك والحملة المناهضة

القضية أخذت تؤرق نسبة كبيرة من الأسر في فلسطين، من أبناء المخيمات والأرياف وغيرهم من ذوي الدخل المحدود.

جمعية حماية المستهلك، على لسان رئيسها د. صلاح هنية أشار الى موقف الجمعية الرافض قطعيا لتنفيذ القرار، وقال "لدينا ورقة موقف في الجمعية، لدينا لجنة فنية متخصصة لمتابعة الأمر، ولدينا إجراءات قريبة، ولن نكشف أوراقنا كلها، فنحن بانتظار ساعة الصفر لتتويج حملتنا ضد العدادات مسبقة الدفع في المياه".

وأضاف هنية "لقد حصلنا على تعهد من مصلحة مياه محافظة القدس بعدم تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع، ولكن هناك محاولات وخطط لدى مصلحة مياه قرى شمال غرب القدس لتركيب هذه العدادات، وهناك عطاءات طرحت في عدد من قرى جنوب نابلس لتركيب هذه العدادات، وتم تركيبها في قرى غرب جنين ايضا.

التحذيرات خرجت من جمعية حماية المستهلك منذ اليوم الاول لاقرار تركيب العدادات ومنذ اللحظة الاولى لطرح اول عطاء لتوريد عدادات مياه مسبقة الدفع بدعم من دول وهيئات دولية لا تستخدم هذه العدادات في بلادها، وهي بلدان غالبا حساسة لحقوق الإنسان وحساسة لجودة الخدمات المائية المقدمة لمستخدمي قطاع المياه، وتسعى تلك الدول وضمن المشروع لتشكيل جسم يمثل مستخدمي خدمات المياه حسب هنية.

ويبدي هنية أسفه على انسداد قنوات التأثير بخصوص القرارات التي تمس حياة الناس، وعلى القرارات التي تحمل بعدا ماليا والقرارات المؤسسة على "الجباية"، وقال "وجهنا عشرات الرسائل وعقدنا عشرات اللقاءات وصغنا اوراق الموقف ولكن صانع القرار يصر على الجباية ومعالجة الفاقد المالي وليس الفني. وصلتنا في الجمعية شكاوى عدة في قرى جنوب نابلس وقرى غرب جنين وقرى شمال غرب القدس، ونظمنا لقاءات مفتوحة لتشكيل مجموعات ضغط في هذا الاتجاه، المؤسف أن النموذج السائد، وفق هنية، أن جهة مانحة تقدم مشروعاً متكاملاً وتضمنه فور تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع، فيأخذون المشروع رزمة متكاملة ويصبح العداد أهم من المشروع، ويصبح لدينا سباق مع الزمن لضمان الحصول على التمويل والجدول الزمني بغض النظر عن حقوق المشتركين".

ويشير هنية الى خطورة هذا القرار الذي يرى فيه أنه حتما سيمس الاسر الفقيرة ومحدودة الدخل، لأن الاسر المشمولة بشبكة الأمان الاجتماعي لا يوجد قرار في قطاع المياه -لدى وزارة الشؤون الاجتماعية- لإعفائها من اول 20 متر مكعب من المياه مثلا، كما يحدث في فاتورة الكهرباء.

ودعا هنية إلى التركيز على جوهر الجودة واستمرار العمل على تأهيل وتطوير الشبكات ومحطات التحلية في محافظات غزة، واستعادة الحقوق المائية المسروقة والمنهوبة، بدلا من التركيز على القضايا التي تمس أمن المواطن المائي

Loading...