في كل عام، وفي الأول من أيار، نحتفل كباقي دول العالم بيوم العمال العالمي، هذا اليوم الذي جاء تتويجا لجهود حركات عمالية نضالية ناضلت منذ العام 1886م من أجل الحصول على حقوق مختلفة أبرزها تحديد ساعات العمل ثمانية يوميا .
واليوم وبعد عشرات السنين ما زلنا نحتفل في فلسطين بهذا اليوم، شعارات رنانة، خطب حماسية ووعود للطبقة الكادحة يطلقها سماسرة الاقتصاد، فجميع ما يقال في هذه الاحتفالات يسمع من جميع أفراد المجتمع عدا العمال، لان عطلة هذا اليوم لا تشملهم، ولو فكر احدهم بجعل هذا اليوم عطلة له، ففي أحسن الأحوال يتم خصم أجرة هذا اليوم من راتبه، هذا إن لم يصل الأمر إلى إنذار أو فصل من صاحب العمل الذي كان عائدا من فعاليات يوم العمال العالمي، وبالتأكيد في هذا الجانب أنا لا أتحدث عن جميع المنشآت الاقتصادية " حاشا لله " لأن هناك عدد من المصانع والمنشآت تكرم العامل في هذا اليوم شريطة أن يقوم بتعويض دوام هذا اليوم لاحقا !!
لننتصر للعمال في عيدهم، فعندما نتحدث أن الحد الأدنى للأجور هو 1450 شيقلا شهريا، وفي نفس الوقت فان خط الفقر في فلسطين بلغ 2293 شيقلا نهاية العام 2014، وخط الفقر المدقع وصل إلى 1832 شيقلا، فبرأيكم، هل هناك مصطلح يستطيع وصف حالة ذلك العامل الذي ما زال يتقاضى 1450 شيقلا في أحسن الأحوال ؟!! هذا عدا ارتفاع مؤشر غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية خلال شهر آذار الماضي مثل الدواجن الذي ارتفعت بنسبة 13.54 %، وأيضا مثل الخضار والفواكه التي ارتفعت بمعدل 1.7 % وغيرها الكثير من السلع .
باعتقادي أن القضية ليست محصورة على العامل وحده، فهي أصبحت تطال شرائح كبيرة من المجتمع، والفضل يعود بذلك لغياب قرارات حكومية داعمة للعامل وللسلع الأساسية، وأيضا غياب لدور المؤسسات الرقابية والنقابات العمالية، والفضل الأكبر يعود لوجود عشر شركات فلسطينية احتكارية أخذت على عاتقها التحكم بالاقتصاد الفلسطيني وفقا لمصالح مالكيها المتنفذين، فالنتيجة أننا على اختلاف أماكن عملنا وطبيعته وفي نهاية اليوم نعود عمالا لهذه الشركات ولدى مالكيها، كيف لا ونحن عندما نقوم بإنفاق شيقل واحد، فان 80% من هذا الشيقل تعود بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لهذه الشركات .
وعندما أريد الحديث عن عمالنا الفلسطينيين يجب أن اذكر النساء العاملات اللاتي ما زلت يتقاضين 800 شيقل شهريا أو أقل، أو أذكر في حديثي الأطفال العاملين شبه مجانا ضمن استغلال وظروف عمل صعبة ، وبالتأكيد يجب ألا ننسى العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر الذين يعانون الأمرّين للحصول على قوت أطفالهم .
هذا هو واقعنا المرير، وهذا هو حال عمالنا، تشخيص القضية واضح، الداء معروف والدواء أيضا معروف، ولكن بحاجة لمن يقرع الجرس، فالمطلوب أولا من رجال القطاع الخاص أن يبادروا بتحسين أحوال عمالهم وموظفيهم، أما مجتمعيا فالمطلوب إعادة تفعيل دور النقابات العمالية لتصبح الدرع الواقي والحصين الذي يخدم العمال ويصون حقوقهم، أما الدور الأكبر فهو على عاتق الحكومة وذلك بفرض قوانين جريئة تقضي بتحسين ظروف العمل ورفع الحد الأدنى للأجور .
وأخيرا، ورغم كل ما يحصل، فما زال عاملنا الفلسطيني رمزا نفتخر به، أخذ على عاتقه بناء الوطن، فمع اشراقة شمس كل يوم جديد نره يغدو إلى مكان عمله، نواياه صادقة، وجهه مبتسم يسطر بذلك أجمل معاني التضحية والصمود على هذه الأرض المباركة، فلكل عمالنا الفلسطينيين لكم تحية إجلال وإكبار وكل عام وانتم بألف خير .