لا يمكن لزائر مدينة نابلس ليلا في هذه الأيام إلا وأن تلفت انتباهه شكوك المصابيح المضاءة التي تزين بعض المنازل دون غيرها، ويسأل عن مغزى هذه المصابيح ودلالاتها.
ودرجت العادة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة أن تكون إنارة المصابيح دلالة على أن أحد أو بعض سكان هذا البيت ينوون التوجه لأداء فريضة الحج لهذا العام.
ومع دخول شهر ذي القعدة، يبدأ حجاج نابلس بتزيين الواجهات الخارجية لبيوتهم بالمصابيح، وإنارتها ليلا، لتبدأ أسئلة الجيران عن صاحب الحظ السعيد من أهل هذا البيت الذي سيحج هذا العام.
ويذكر رئيس لجنة زكاة نابلس الأسبق عبد الرحيم الحنبلي أن هذه العادة نشأت في السبعينات من القرن الماضي، وقبل ذلك لم تكن معروفة.
وبيّن في حديثه لوكالة "صفا" أن أول من أدخل هذه العادة إلى المدينة هم بعض العائلات الثرية، وكان الهدف منها إشهار نية الحج، وتعريف الناس بوجود من ينوي الحج في هذا البيت ليأتوا لوداعه.
ومع تقدم وسائل الاتصال، تراجعت أهمية هذه العادة في نابلس إلى الحد الذي حولها إلى مجرد تقليد من بين مئات التقاليد التي تشتهر بها المدينة، دون أن يكون لها هدف إعلامي.
تبعات الحج
ويعتبر وداع واستقبال الحجاج من تبعات الحج التي تثقل كاهلهم، خاصة لذوي الدخل المحدود، ومع ذلك فلا مناص من هذه المراسم، ويعتبر ذلك واجباً على كل الأقارب والأصدقاء والجيران.
ويحدد الحاج في نابلس يومًا لاستقبال المودعين، ويكون ذلك في بيته غالباً أو في ديوان العائلة، حيث يتوافد المودعون عليه لوداعه على وقع التواشيح الدينية المسجلة والتي تصدح بها مكبرات الصوت، أو باستئجار فرق إنشادية لإقامة موالد دينية.
"همّة مباركة" و"تروح وترجع بالسلامة" عبارات يرددها المودعون وهم يعانقون الحاج، يصاحبها تبادل المسامحة بعبارة "إني سامحتك، سامحني"، ويكون الرد غالبا بالإيجاب.
ويستذكر الحنبلي تقاليد وداع الحجاج واستقبالهم في نابلس منذ أواسط القرن المنصرم، ويشير إلى أن حفلات الوداع كانت مقتصرة على النساء، وبعد الستينات بدأت تقام للرجال أيضا.
إلا أن حفلات الرجال كانت جماعية، وتقام في منطقة باب الساحة وسط البلدة القديمة، بمشاركة جميع الحجاج، ليقوم أهل المدينة بوداعهم مرة واحدة، وكان يحيي تلك الاحتفالات العديد من المنشدين، أشهرهم الشيخ محمد أبو شوشة، والشيخ سمور، والشيخ شرف.
ويقول: "لم تكن نابلس في السابق تعرف احتفالات وداع الحجاج، فبسبب مشقة السفر وخطورته، كانت النظرة السائدة هي أن الذاهب للحج مفقود، والعائد منه مولود".
لكن الحنبلي ينتقد تلك العادات التي يرى أنها من البدع التي تثقل كاهل الحجاج بتكاليفها الكبيرة، نظراً لما يرافقها من تقديم واجب الضيافة للمودعين والمستقبلين، ويرى ضرورة التخفيف عن الحاج بدل إرهاقه بمثل هذه التكاليف.
ويقول إن هذه العادات تخالف الهدي النبوي، فالأصل أن يتوجه الحاج بنفسه إلى كل أصحاب الحقوق عليه، وأن يؤدي لهم حقوقهم ويطلب منهم المسامحة، بعكس ما يجري حاليا.
استعدادات مسبقة
وتبدأ في غضون الأيام المقبلة أولى طلائع حجاج فلسطين بالتوجه إلى الديار الحجازية، ومن المتوقع أن يكون سفر حجاج نابلس مطلع الأسبوع المقبل.
ووفقا لمدير أوقاف نابلس محمد جهاد الكيلاني، فإن عدد حجاج المحافظة يبلغ حوالي 400 حاج وحاجة.
ويكون انطلاق حافلات الحجاج من ساحة المحافظة فجراً، بحضور بعض المسؤولين وممثلي المؤسسات، فضلا عن ذوي الحجاج الذين يحضرون لتوديعهم ومرافقتهم حتى الدقائق الأخيرة قبل سفرهم.
ويشير الكيلاني في حديثه لوكالة "صفا" إلى أن مديرية أوقاف نابلس أقامت بالتعاون مع شركات الحج والعمرة حفلاً وداعياً لحجاج المحافظة قبل عدة أيام.
وتم خلال الحفل تقديم إرشادات للحجاج، وقدم أحد الأطباء نصائح طبية لهم، لكن الحدث اللافت في الحفل كان تدريباً عملياً على مناسك الحج.
وبين الكيلاني أنه تم نصب مجسم للكعبة المشرفة في ساحة المدرسة الإسلامية الثانوية، حيث أقيم الحفل، وقام عدد من المرشدين بتمثيل عملية الإحرام والطواف والسعي، أمام الحضور من الحجاج.
ويؤكد أن هذا التدريب الذي يقام لأول مرة، له أهمية بالغة لدى الحاج في موسم الحج، لافتا إلى أنه حتى من سبق له تأدية مناسك العمرة، فإنه سيجد اختلافاً كبيراً في الحج.
وكالة صفا