تتأثر العلاقات الاجتماعية بكثير من المنغصات بسبب المشاكل التي تفرضها طبيعة الحياة والاختلافات في وجهات النظر، ويجد البعض أن النجاة من بحر المشادات الكلامية والوقوع في خلافات مع الآخرين تأتي من خلال "المسايرة والمسايسة"، على اعتبار أنها وسيلة للحفاظ على العلاقات الاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى من أجل تحقيق مصلحة شخصية وذاتية.. فما هي المسايرة؟، وما تأثيراتها الاجتماعية والنفسية؟، ومتى يُعرض الشخص عنها؟، هذا ما نتحدث عنه في التقرير التالي:
على حدود الكرامة
قالت سها جمال (26 عامًا): "مسايرة الآخرين أسلوب ينتهجه الكثيرون من أجل الحفاظ على بعض العلاقات، لكن لا يستطيع الجميع إتقانه والصبر عليه، فهو يحتاج إلى شخص صاحب نفس طويل ولديه قدرة على التحمل".
وأوضحت أن المسايرة بالنسبة لها "فن" للتمكن من التعامل مع الناس، وأنها تحقق لها الرضا الشخصي، مشيرة إلى أن توقف التعامل بهذا الأسلوب عندما تشعر أنه يمس كرامتها ويتطلب منها التنازل عن قناعاتها.
انتهاك للإنسانية
أما عائد سالم (30 عامًا) فبين أنه يضطر إلى مسايرة من هم أكبر منه سنًا كوالده لتمسكه برأيه، ولكونه لا يقتنع برأي آخر سوى رأيه، مبيّنا أن مسايرة الآخرين أمر صعب بالنسبة له، ولا يمكنه تطبيقه.
وأوضح: "مسايرة الآخرين تؤدي إلى تماديهم في انتهاك إنسانيتنا، كما أنها تكون على حساب الانتاجية والتنمية، فأحيانًا نضطر لمسايرة المدير أو المسئول في العمل، كما أنها تعني أنك إنسان بلا هدف أو خطة محددة".
تنازلات..
وأكد حسام عبد الجواد (32 عامًا) أن المسايرة تعني أن ثمة تنازلات لابد من تقديمها، حتى لو كان التنازل على حساب قناعات الشخص ورغباته، قائلًا: "مسايرتي للناس تأتي من مبدأ أن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، كما أن الإسلام لا يمنع مسايرة الآخرين، خاصة إذا كان عدمها سيؤدي إلى قطع العلاقات"، معتبرا أن أسوأ ما في المسايرة التي تكون بهدف تحقيق مصالح وأهداف شخصية.
مجاراةٌ للظروف
من جانبه، تحدث الأخصائي النفسي والتربوي إسماعيل أبو ركاب عن أن المسايرة هي مجاراة الواقع والظروف والأشخاص، وتكون ببذل مجهود عقلي بصورة واعية ومدركة لتقليل التوتر والضغط والمواقف الحياتية.
وأوضح أن فاعلية المسايرة تتوقف على نوع التوتر وشدته, وعلى الاختلافات الشخصية بين الأفراد والظروف المحيطة، لافتا إلى أنها تساعد على التقليل من حدة المشاكل والضغوط النفسية والحد من تفاقم بعضها.
وبين أبو ركاب أن آليات المسايرة تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسة، هي التركيز على المشكلة، والتركيز على المشاعر، والتركيز على النتائج، مشيرًا إلى أن النوع الأول يحدث عندما يسعى الشخص لإيجاد السبب الأساسي وراء المشكلة, وذلك من خلال البحث عن المعلومات، وتعلم مهارات جديدة للتمكن من التغلب على التوتر وعلى مصادر الضغوطات النفسية، وتتضمن هذه الآلية عددا من الأساليب مثل جمع المعلومات عن مصادر المشاكل التي تعترض هذا الشخص, وتقييم الإيجابيات والسلبيات لها، ثم أخذ زمام الأمور.
أما النوع الثاني وهو التركيز على المشاعر، ففيه يتم إطلاق المشاعر المكبوتة فيما يخص مفهوم الشخص عن نفسه وعن الآخرين من خلال استخدام أساليب الدفاع المختلفة، لأنها تساعد الإنسان على التكيف مع الواقع، ومن ثم يأتي دور ترويض المشاعر، ومحاولة التأقلم مع الواقع، لتساهم آلية التركيز على المشاعر في تقليل التوتر، وذلك من خلال تقليل حدة المشاعر المصاحبة لهذا التوتر.
ولفت أبو ركاب إلى أن ذلك يتحقق من خلال عدة طرق، أهمها الانفصال النفسي للشخص عن الموقف, أو تقبل اللوم, أو الانسحاب والابتعاد, وبالتالي فإن هذه الطريقة تعمل على تشتيت الانتباه بعيدًا عن مشاعر التوتر ذاتها والتي كانت في السابق سببا في الضغوط النفسية لهذا الشخص.
وقال: "ولهذا السبب، فإن هذه الآلية تكون أكثر ملاءمة للتوترات والمشاكل التي لا يمكن حل أسبابها, كفقد عزيز أو إصابة بمرض خطير, أو انتكاسة عاطفية, مع الانتباه هنا إلى أن بعض أساليب هذه الآلية مثل الانسحاب, قد تكون له فائدة على المدى القريب، إلا أنه يكون شديد الضرر على المدى البعيد إذا ما استُعمل بصورة أساسية, وذلك لأنه لا يُمكن الإنسان من التعامل مع الواقع, وهذا بدوره يحافظ على مصدر التوتر وعلى العكس من أسلوب الانسحاب".
وأضاف أبو ركاب: "بينما يحدث النوع الثالث، وهو التركيز على التقييم أو النتائج، عندما يغير الشخص من طريقة تفكيره".
إيجابيات بشرط..
وأوضح أنه يختلف تأثير المسايرة على الآخرين باختلاف الموقف والظرف وطبيعة الأشخاص المحيطين، فبعض الأشخاص يتخذون من المسايرة، وخصوصًا الاجتماعية السلبية، منهج حياة حتي يتأقلموا ويتكيفوا مع الواقع، ويصلوا بكل سهولة ويسر إلى أهدافهم، ولكن تكمن خطورة المسايرة هنا في تعود الشخص على التمادي في إهانة نفسه وإذلالها أمام رغبات الآخرين وابتزازهم، وبالتالي يصبح هذا الشخص منقادا ولا يفكر في النتائج المحتملة لسلوكه، والأخطر أن يشكل ذلك نمط شخصية.
وبيّن: "أغلب المشاكل النفسية ناتجة عن شعور الشخص أنه غير مرغوب فيه، وأنه شخص لا قيمة له، سواء عند ذاته أو عند الآخرين، والمسايرة قد تتسبب في فقدان الفرد احترام الناس له، والنتيجة أنه سيشعر بالدونية والقلق والشعور بالتوتر لأبسط الأسباب لأنه غير آمن على أفكاره ومشاعره عند الآخرين".
ويؤكد أبو ركاب: "للمسايرة في بعض المواقف الكثير من الإيجابيات، ولكن هذه الإيجابيات تتحقق إن تعامل الشخص بحكمة مع أسلوب المسايرة، ولكن إن استخدام هذا الأسلوب في جميع المواقف فسيحصد الآثار السلبية".
وللتخلص من المسايرة السلبية، قال أبو ركاب: "يمكن التخلص منها بالتعود والتدريب على المواقف المختلفة، والتركيز دائمًا على نتائج المشكلة أكثر من التركيز على المشكلة نفسها".
المصدر: صحيفة فلسطين