ضريبة المقاصة هي المبلغ المتحصل من الجمارك وضرائب القيمية المضافة على البضائع المستوردة التي تكون جهتها النهائية أراضي السلطة الفلسطينية، فتحصل (إسرائيل) على نسبة 3% من كل عمولة، فيما توفر الضريبة شهريا لخزينة السلطة قرابة 150 مليون دولار، بمعدل ملياري دولار سنويا، لتشكل 70% من ميزانية السلطة السنوية.
لكن هذا الأمر له خطورة وحساسية كبيرة بأن جعل القرار السياسي الفلسطيني بيد الاحتلال الإسرائيلي، فإن حاولت السلطة الإقدام على أي خطوة سياسية على الصعيد الدولي فإن الاحتلال يلوح بوقف تحويل الضرائب.
وحجبت (إسرائيل) مطلع يناير/ كانون الثاني 2015 أموال المقاصة عن السلطة الفلسطينية كخطوة انتقامية من توجه الأخيرة لمجلس الأمن، وتقديمها مشروع إنهاء الاحتلال، مما أدى إلى عدم قدرة السلطة على دفع رواتب موظفيها.
واتخذ الاحتلال خطوة مماثلة في ديسمبر/ كانون الأول 2012، وجمّد تحويل أموال الضرائب مدة ثلاثة أشهر ردا على حملة أطلقتها السلطة في الأمم المتحدة لنيل اعتراف دولي بدولة فلسطينية.
الآثار السياسية
وقال المختص في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم: إن "ضريبة المقاصة هي بمثابة الجزرة والعصا وفق اتفاقية باريس التي ربطت الاقتصاد الفلسطيني بالتبعية المطلقة للاقتصاد الإسرائيلي، ما جعل القرار السياسي للسلطة رهينة المزاج السياسي الإسرائيلي من خلال المقاصة والمبالغ التي توفرها حكومة الاحتلال لخزينة السلطة دون أن يكون هناك إمكانية للضغط على (إسرائيل) بعدم ربط المستحقات بمزاجها وأهدافها".
والمقاصة، كما يتابع علقم هي من أكثر الأمور حساسية لارتباطه بالاقتصاد وتوفير الميزانية المطلوبة وهي العمود الفقري للاقتصاد الفلسطيني.
وحول كيفية استغلال (إسرائيل) للضريبة، أشار إلى أنه "في كل مرة لا يعجبها موقف من مواقف السلطة تعلن عن وقف تحويل المستحقات التي تجمعت لديها للسلطة"، لافتا إلى أن (إسرائيل) تستخدمها أيضا كلما أرادت الضغط على السلطة في المواقف الأمنية والسياسية، وبالتالي تضع السلطة بموقف سياسي، وموقف داخلي مع الموظفين بصرف المرتبات والمستحقات.
وأصبح القرار السياسي الفلسطيني، بحسب علقم، يخضع للابتزاز الإسرائيلي من خلال أموال المقاصة، وسياسيا تحاول تمرير عقوبات من خلال التحكم بفواتير المقاصة والمبالغ المالية، وتمم: "أصبحت السلطة عاجزة عن وقف الابتزاز السياسي الاسرائيلي".
ورأى أنه يجب إعادة دراسة اتفاقية باريس ومناقشة بنودها، خاصة وأن تلك البنود مرتبطة باتفاقية أوسلو التي انتهى العمل بها من كافة الأطراف الموقعة عليها إلا السلطة الفلسطينية التي تتمسك بها.
من جهته، قال المختص في الشأن الإسرائيلي د. عمر جعارة: إن "كل نفقات النظام العربي بما فيها السلطة الفلسطينية المتعلقة بالتسليح والمناصب والإدارة، لا يمول من ضرائب شعوبهم، لأنهم لو أخذوا ضرائبهم من شعوبهم لما احتاجوا إلى المساعدات والهبات الأمريكية.. إنه لا يستطيع أي نظام الوقوف على قدميه بدون الدعم السياسي والمالي الخارجي".
وأضاف جعارة لصحيفة: "لا يوجد قرار سياسي فلسطيني لأنها (السلطة) لا تملك أي قوة مقاومة للهيمنة الإسرائيلية والأمريكية على المنطقة"، موضحا أن المقاصة للتغطية على مصادر الأموال، وأن (إسرائيل) تحتجز الضريبة وهي التي تحدد مبلغها كما تريد".
ورقة ابتزاز
من جانبه، قال الخبير في الشأن الاقتصادي د. نصر عبد الكريم: إن "بعض نصوص اتفاق باريس ينص بوضوح على أن الاقتصاد الفلسطيني يرتبط مع الاقتصاد الإسرائيلي في غلاف جمركي واحد، ويتشابه النظام الجمركي فيما بينهما".
وأضاف عبد الكريم لصحيفة "فلسطين": "المعابر بقيت حسب اتفاق أوسلو بيد السلطات الإسرائيلية، فتحصل (إسرائيل) على عمولة 3% من المبلغ المتحصل من الجمارك وضرائب القيمة المضافة على البضائع المستوردة التي تكون جهتها النهائية أراضي السلطة الفلسطينية".
وتقوم (إسرائيل)، حسبما يبين المحلل الاقتصادي، بتحويل المبلغ المتراكم شهريا لخزينة السلطة، بنظام الفاتورة الموحدة التي توثق مشتريات ومستوردات التجار من داخل الكيان، ويقوم التاجر الفلسطيني بدفع قيمة الضريبة للتاجر الإسرائيلي الذي يودعها للخزينة الاسرائيلية وتعود للسلطة كبضائع مستهلكة في الأراضي الفلسطينية.
وبحسب عبد الكريم، فإن الحجم الشهري للضريبة مرتبط بحجم مشتريات الفلسطينيين من الخارج، لافتا إلى أن المتوسط الشهري للضريبة يعادل 150 مليون دولار، بمعدل ملياري دولار سنويا، "لتشكل 70% من ميزانية السلطة السنوية".
إلا أنه بين أن هناك تسربا ماليا يقدر سنويا بنحو 300 مليون دولار التي تذهب للخزينة الإسرائيلية ولا تحول للسلطة بمزاعم أنه لا يوجد فيها فواتير ضريبة من قبل التجار، وأموال أخرى كديون على السلطة عن الحوالات الطبية والخدمات.
ولفت عبد الكريم إلى أن البضائع التي كانت تذهب لغزة منذ الانقسام كان جزء منها لا يأتي لوزارة المالية برام الله وإنما يسرب للخزينة الإسرائيلية، مؤكدا أن الضريبة جعلت مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني بيد الإسرائيليين وهي وسيلة للضغط والابتزاز السياسي على السلطة، وورقة من الأوراق التي تستخدمها (إسرائيل) لأغراض سياسية.
صحيفة فلسطين