حين أعلنت مصر عن خطط لتطوير مشروعات للطاقة المتجددة في 2014، تهافت المستثمرون الذين جذبهم سطوع الشمس في البلاد على مدار العام والانقطاعات المزمنة في الكهرباء. لكن بعد ذلك بعامين توقف كثير من المشروعات وهو ما يضر بثقة المستثمرين الأجانب الذين تحتاجهم مصر بشدة.

ويقول مطورون تأهلوا لمشروعات لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح بنظام تعريفة التغذية، إنهم يواجهون تأخيرات ومخاطر متعلقة بالعملة في الوقت الذي دخلوا فيه في خلافات مع الحكومة حول شروط العقود، ما عقد الجهود المبذولة للحصول على التمويل، وفقاً لما نقلته "رويترز".

وتقول بعض الشركات الأجنبية الآن إنها ستعلق مشروعات بينما تسعى مصر لزيادة الاستثمار الأجنبي للتخفيف من حدة أزمة نقص العملة الصعبة التي تخنق الاقتصاد، وتنويع مصادر الطاقة بعدما سبب نقص الغاز انقطاعات في الكهرباء في 2013 و2014.

ومن بين تلك الشركات إينل غرين باور الإيطالية التي تأهلت في 2015 لمشروع لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية ومشروعين آخرين لطاقة الرياح بموجب نظام تعريفة التغذية المصري، وشاركت في مناقصة بنظام البناء والتملك والتشغيل لمشروع لتوليد 250 ميغاوات من الكهرباء باستخدام طاقة الرياح.

وقالت متحدثة باسم إينل: "استمرار الغموض في إدارة السلطات المحلية للعملية إضافة إلى التأخيرات في إرساء العقود دفع إينل غرين باور إلى تجميد عمليات تطوير أنشطتها في مصر".

وقال مصدر من كونسورتيوم آخر يضم مستثمرين أجانب وتأهل لمشروع للطاقة الشمسية بنظام تعريفة التغذية، إن "إصرار مصر على التحكيم المحلي في أي نزاع دفع أحد البنوك المشاركة في تمويل المشروع إلى الانسحاب".

وتابع قوله: "لا أصدق أنهم يفعلون ذلك مع مستثمرين أجانب وبنوك كبيرة تحتاج مصر إليهم".

وأضاف: "تعريفة التغذية مرتفعة لكن الأمر بأكمله تحول إلى مسلسل مصري طويل. لا أحد يعلم ما الذي يحدث ويبدو أنهم غير مهتمين بالأمر".

ولم تستجب هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر لطلبات من وكالة "رويترز للتعليق"، فيما نقلت صحيفة "الشروق" المصرية عن رئيس الهيئة صلاح السبكي هذا الأسبوع قوله إن "وزارة الكهرباء تأخذ بعين الاعتبار مخاوف الشركات لكنها ليست مسؤولة عن التمويل".

وأعلنت مصر في 2014 عن خطط طموحة لتطوير الطاقة المتجددة تستهدف بداية إقامة مشروعات لتوليد 4.3 غيغاوات من الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على مدى ثلاث سنوات.

وقالت مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي العام الماضي إن مشروعات الطاقة المتجددة في مصر ربما تحتاج استثمارات رأسمالية بنحو ثمانية مليارات دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، وهو ما يشكل فرصة كبيرة للمستثمرين والمقرضين.

ووضعت مصر هدفا بأن تلبي مصادر الطاقة المتجددة 20% من احتياجاتها من الطاقة بحلول 2020، لكنها أرجأت ذلك إلى 2022.

وتشمل خطط الحكومة مشروعا لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية تبلغ طاقته 1.8 غيغاوات في بنبان بصعيد مصر، يتكلف تطويره ثلاثة مليارات دولار بنظام تعريفة التغذية.

وفي 2014 قالت مصر إنها ستدفع 0.13 دولار للكيلووات/ساعة للمحطات التي تتراوح طاقتها بين 500 كيلووات و20 ميغاوات، و0.14 دولار للكيلووات/ساعة للمحطات التي تبلغ طاقتها 20-50 ميغاوات خلال المرحلة الأولى.

وأثارت الأسعار التنافسية اهتمام المستثمرين الذين أشادوا بالمشروع باعتباره نقطة مضيئة للاستثمار في البلاد التي تعاني من نقص العملة الصعبة منذ ثورة 2011، وما أعقبها من نزوح المستثمرين الأجانب والسياح وهما مصدران رئيسيان للنقد الأجنبي الذي تحتاجه مصر لتمويل الواردات.

لكن النشوة تلاشت مع القيود التي فرضت على تحركات رأس المال في أوائل 2015، والتي صعبت على الشركات الأجنبية- التي تستثمر بالدولار لكن تتلقى مدفوعاتها بالجنيه المصري - تحويل الأرباح إلى الخارج.

الخلاف حول التحكيم

قال مطورون إنهم مستعدون لقبول مخاطر العملة مع ارتفاع تعريفة التغذية المصرية عن دول أخرى في المنطقة. لكن نزاعا حول مكان التحكيم يبدو مستعصيا على الحل.

وقالت مصادر في أربعة بنوك دولية إن التحكيم الدولي شرط أساسي لكثير من المقرضين الدوليين، ودفع بعضهم لتجميد التمويل للمرحلة الأولى.

وقال مطوران اثنان على الأقل كان من المنتظر أن يحصلا على تمويل من مؤسسة التمويل الدولية لـ "رويترز" إن المؤسسة انسحبت. وأكد مصدر في مؤسسة التمويل الدولية أنها لن تستطيع المضي قدما في الوقت الحاضر نظرا لمشكلة التحكيم.

وقالت المؤسسة لـ "رويترز" إنها "تدعم برنامج الحكومة لتشجيع مشروعات للطاقة المتجددة في مصر بقيادة القطاع الخاص"، وسوف تستثمر في "السنة المالية القادمة".

وقال عاطر حنورة رئيس وحدة المشاركة مع القطاع الخاص بوزارة المالية المصرية لـ "رويترز" إن "مصر تريد أن يكون التحكيم أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي".

وأضاف: "إنه مركز تحكيم دولي وهو كيان مستقل... كان هذا موقف الحكومة بالفعل عند تأهيل الشركات. وعندما دخلت المؤسسات المالية الدولية أصبح ذلك مشكلة".

وقال مطورون ومقرضون إن شكوكاً تنتابهم في أن الحكومة تماطل في العملية، لأنها الآن تعتبر أن "تعريفة التغذية مرتفعة جدا وتأمل في الحصول على أسعار أقل في الجولة الثانية"، وفقاً للوكالة.

وانخفضت بشدة تكلفة مكونات انتاج الطاقة الشمسية منذ أن طرحت مصر التسعيرة الحالية التي لا تطبق إلا إذا أبرمت الشركات اتفاقا بحلول 28 من أكتوبر. ويبدو أن كثيرا من الشركات سيتجاوز على الأرجح ذلك الموعد النهائي.

ومنذ أن أعلنت مصر خططها بشأن الطاقة المتجددة تعاقدت على مشروعات عملاقة مع شركات منها "سيمنس" - تتضاءل أمامها برامج تعريفة التغذية- ويقول محللون إنها قلصت الحاجة للمضي بسرعة. وقال السبكي لوسائل إعلام محلية إن المرحلة الأولى ستمضي قدما.

ويقول خبراء في القطاع إن الشركات التي ستمضي قدما لن تزيد على 12 شركة. ويقول مطورون إنهم لن يعودوا لكن آخرين بجانب مقرضين دوليين يتطلعون الآن إلى المرحلة الثانية.

 

 

 

 

العربية نت