أجبرت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر وارتفاع أسعار الذهب في الشهور الأخيرة، كثير من المصريين على التخلي عن بعض عادات الزواج الراسخة في المجتمع منذ مئات السنين.
ومن هذه العادات "الشبكة"، وهي هدية من الحلي الذهبية يقدمها الخاطب لعروسه، تحولت بمرور الزمن إلى حق مكتسب للفتيات وشرط أساسي لإتمام الزواج.
وشهدت أسعار الذهب ارتفاعات قياسية في مصر في الأيام الأخيرة، ارتباطاً بارتفاع سعر صرف الدولار، حتى اقترب سعر غرام الذهب من 500 جنيه.
ويقول مراقبون إن ارتفاع تكاليف الزواج والأعباء المالية الكبيرة التي يضعها المجتمع على الشباب المقبل على الزواج يؤدي إلى ارتفاع نسب العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج، وما يرتبط بهذا من انتشار لمشكلات اجتماعية وأخلاقية أخرى كالتحرش الجنسي والاغتصاب.
البداية من الصعيد
وفي الأسابيع الأخيرة، قرر بعض الشباب التمرد والإعلان صراحة عن الاكتفاء بتقديم هدية بسيطة للزوجة بدلا من"الشبكة" الذهبية بسبب ضيق ذات اليد.
وبدأ الأمر في صعيد مصر في قرية "دنفيق" بمحافظة قنا، حيث أطلق عدد من الشباب حملة بعنوان "بلاها شبكة" لإتمام الزواج، لاقت ترحيبا كبيرا من أهالي القرية وتجاوبوا معه.
وتجمع أهالي القرية في المسجد بعد صلاة الجمعة وأعلنوا مبادرة يلتزم بها كبار العائلات عند تزويج أبنائهم وبناتهم.
وقال شعبان عمر، مؤسس حملة "بلاها شبكة"، إن كثير من العائلات استجابت لحملته في محافظتي الجيزة والقليوبية، مشيرا إلى أن ارتفاع سعر الذهب وزيادة نسبة العنوسة في المجتمع شجعت الكثيرين على الاستجابة للمبادرة.
وطالب "عمر"، خلال مداخلة هاتفية مع قناة "تن" مساء السبت، العائلات بالتيسير على الشباب والفتيات والأمهات قائلا إنهم يتسببون في تعاسة أبنائهم بالتمسك بهذه التقاليد البالية.
دعم ديني للحملة
وفي تأييد لهذه الحملة، قال "خالد عمران"، الأمين العام للفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنها فكرة جيدة ستساعد في القضاء على العنوسة وتصون الشباب من الانحراف، وتتوافق مع مبادئ الإسلام.
وأضاف "عمران"، في تصريحات صحفية، إن"الشبكة" ليست إلا عادة اجتماعية يجب التخلص منها بعد أن أصبحت عائقا كبيرا يمنع آلاف الشباب من الزواج والعفاف لعدم امتلاكهم للأموال الكافية لشراء "الشبكة".
وأكد الأمين العام للفتوى، دعم دار الإفتاء لهذه المبادرة التي تساعد على تيسير الزواج تحصينا للشباب والفتيات وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أكد "مجدي عاشور" المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، أن"الشبكة" ليست من أساسيات الزواج بل هي هدية يعطيها الخاطب لخطيبته، وعند فسخ الخطوبة يتم إعادتها للخاطب، وإذا كان الفسخ بعد العقد يعود نصفها، وإذا دخل بها تصبح من حق الزوجة.
وطالب "عاشور" بمواجهة المغالاة في المهور مع توعية الشباب بقدسية العلاقة الزوجية وقيمة الارتباط الذي وصفه الله بالميثاق الغليظ.
وفي كثير من المساجد بمحافظات بني سويف والأقصر والغربية والدقهلية والقليوبية، تحدث الخطباء والأئمة عن مبادرات لإلغاء"الشبكة" لتسهيل الزواج، مذكرين المواطنين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "أكثرهن بركة أقلهن مهرا".
انتشار الدعوى
وبعد أيام قليلة من إطلاق الحملة في قنا، انتقلت إلى دلتا مصر، حيث اجتمع عدد من كبار العائلات بقرية "القطا" بالجيزة لتطبيق مبادرة دشنها شباب القرية على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "زواج بلا ذهب".
كما انتشرت دعوات مماثلة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "زوجوني بربع جنيه"، و"شيلوها من القائمة"، و"الجواز من غير شبكة"، و"عايزة أتجوز"، لاقت قبولا كبيرا من الشباب.
ودشن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ بعنوان #عاوزين_نلغي_الذهب، شهد تفاعلا كبير من آلاف المعلقين، فيما اقترح بعضهم استبدال"الشبكة" الذهبية بشبكة فضية لإدخال السرور على نفوس الفتيات.
المقاومة ما زالت مستمرة
في المقابل، يرفض عدد من الأشخاص هذه الفكرة، خاصة من السيدات، حيث يرون أن"الشبكة" تعد بمثابة تأمين للزوجة من غدر الزوج في المستقبل، كما أنها تعد سندا للأسرة في مواجهة تقلبات الزمن، حيث كثيرا ما تبيع الزوجة "الشبكة" عندما تجد نفسها في أزمة كبيرة أو ضائقة مالية.
واقترحن بدلا من ذلك التخفيف من نفقات الزواج الأخرى مثل الأفراح المكلفة أو الأجهزة الكهربائية والأثاث مرتفع الثمن.
وخلال السنوات الماضية، حاول كثير من المصريين الالتفاف حول هذه العادة ليمسكوا العصا من المنتصف، لمواجهة النقد الاجتماعي وتعليقات الناس، فلجئوا إلى تأجير "الشبكة" من محلات الذهب مقابل مبلغ بسيط، لترتديها العروس في ليلة الزفاف أمام المدعوين، ثم يتم إعادتها مرة أخرى.
بينما لجأت أسر أخرى إلى شراء "شبكة" من الذهب المقلد، الذي يعرف في مصر باسم الذهب الصيني، والذي يمتاز برخص ثمنه وبشبهه بالذهب الأصلي كثيرا.
عربي 21