ربما يكون باستطاعة النُدل من الجنسين تحسين ما يتقاضونه من أجر باستخدام بعض الخدع المستقاة من مطبوعات متخصصة في علم النفس، كما تقول كلوديا هاموند.
ذات مرة لاحقني موظف في مطعم للسوشي في منهاتن لكي أترك له بقشيشا، وهو ما يعتبر أمرا مقبولا بالمعايير البريطانية، بل وتعبيرا عن الكرم، لكنه أمر غير مقبول بالنسبة للأمريكيين. ومن الواضح أن عادات البقشيش تتفاوت من بلد لآخر، لكن إن كنت تنتظر ما يدفع من بقشيش كمصدر مهم للدخل بالنسبة لك، فهل يمكن للتجارب الواردة في مجلات علم النفس أن تحمل لك مؤشرات وأفكار عن كيفية الحصول على بقشيش أكثر؟
يفترض أن يكون حجم البقشيش متناسباً بالطبع مع مستوى جودة الخدمة، لكن لدى الرجوع إلى 14 دراسة سابقة، تبين أن مستوى جودة الخدمة نادراً ما يكون له علاقة بحجم البقشيش. وهناك عوامل أخرى هي التي تصنع الفرق.
وبالعودة إلى عام 1975، كشف بحث أجري حول تناول العشاء في المطاعم عن أنه كلما كانت الصحبة التي تتناول العشاء معا أكبر، يكون البقشيش الذي تتركه أقل. وهذا البحث أجراه بيب لاتان، عالم النفس ذاته الذي نشر ما يعرف بفكرة "تأثير الشهود"، والتي مفادها أنه كلما كان عدد الشهود لحدث ما كبيرا، عندما يتعرض مثلا شخص ما للاعتداء في الشارع، كانت إمكانية أن يهب أحد للمساعدة أقل.
وعبر ما يطلق عليه اسم "تبديد المسؤولية"، يفكر كل شخص في أنه ليس من مسؤوليته أن يهب للمساعدة طالما أن هناك آخرين في نفس الموقف. وفي حالة تناول مجموعة من الأصدقاء للعشاء في المطعم معا، يعتقد المشاركون في ذلك العشاء أنه ليس مطلوباً منهم جميعا ترك بقشيش معقول، لأن شخصاً آخر في المجموعة يمكن أن يفعل ذلك.
بيد أن الأمر يعتمد على طبيعة المطعم الذي يعمل به النادل. إذ تفيد إحدى الدراسات بأنه في مطعم الفطائر المعروف باسم "المطعم العالمي للبانكيك" في كولومبوس بأوهايو، لم يدفع الزبائن الذين حضروا كصحبة معا بقشيشاً جيدا، ودفعوا ما نسبته 11 في المئة فقط مقارنة بالطاولات التي كان يجلس عليها زبائن بمفردهم، والذين دفعوا ما نسبته 19 في المئة من البقشيش.
لكن في مطعم آخر هو (سماجلرز إن) الأرقى، والذي لا يبعد كثيراً عن المطعم السابق، كان الزبائن الذين حضروا كمجموعة واحدة أكثر سخاء في إعطاء البقشيش، وأكثر سخاء من الزبائن المنفردين والأزواج.
هناك بالطبع سبب آخر لدفع الزبائن الحاضرين في صحبة معا بقشيشاً أقل، وهو عامل الفاتورة المشتركة. فعندما تجمع التكلفة من المشاركين وتضاف إلى بعضها البعض دائماً لا يوجد ما يكفي من النقود، ولذلك فإن جزءاً من البقشيش يُدفع ليغطي النقص في أصل المبلغ. هذا هو السبب الذي يجعل كثيراً من المطاعم تضيف البقشيش تلقائياً إلى حفلات الطعام الكبيرة.
ولا يستطيع النُدل بالطبع التحكم في حجم أو عدد أفراد المجموعة التي يقومون بخدمتها، لكن يوجد أمور بإمكانهم أن يفعلوها أملاً في الحصول على بقشيش أكبر.
ففي بحث أجري عام 1978 على حانة "كوكتيل" في سياتل، تبين أن مجرد الابتسامة يمكن ببساطة أن تضاعف من حجم البقشيش. ولكي يكون ذلك فعالاً ومجدياً، لا بد أن تظهر الابتسامة صادقة بالطبع، وليست مصطنعة.
وعلى نفس النسق، كانت هناك دراسة أجريت على مطعم في جنوب كاليفورنيا يطلق عليه "تشارلي براونز"، حيث طلب من نصف النُدل تقديم أنفسهم للزبائن بذكر أسمائهم في بداية تناول الزبائن للوجبة، وطلب من النصف الثاني منهم الامتناع عن تقديم أنفسهم أو ذكر أسمائهم للزبائن.
وتبين أن معدل البقشيش وصل إلى 23 في المئة مع النُدل الذين ذكروا أسماءهم، و15 في المئة مع النُدل الذين لم يذكروا أسماءهم.
طريقة الدفع يمكن أيضاً أن تصنع فرقاً. إذ يميل الناس إلى دفع بقشيش أكبر إذا كان الدفع بالبطاقة الائتمانية. إذا كنت نادلاً أو نادلةً، قبل أن تشجع زبائنك على الدفع بالبطاقة الائتمانية، عليك التأكد من أن صاحب المطعم سيدفع لك البقشيش الذي خصصه الزبون لك عبر بطاقته الائتمانية.
وتقول دراسة مثيرة للاهتمام في عام 1995، وهي دراسة غير منشورة، إنه طالما كان الزبائن يحملون بطاقات ائتمانية، فإنهم يتركون بقشيشاً أكبر مقابل الخدمة التي يتلقونها من النادل، وحتى لو دفعوا الحساب نقداً.
ورغم أن العلامات المميزة لبطاقات الائتمان واضحة على الفاتورة، إلا أن كل من أجريت عليهم الدراسة دفعوا الحساب نقداً، مضيفين أربعة في المئة من قيمته كبقشيش.
في السنوات اللاحقة، جُربت أساليب أقل وضوحاً. فقد أجرى عالما النفس الفرنسيان نيكولاس جويجوين، وسيلين جاكوب عدة دراسات على البقشيش.
وتوصلا إلى أنه إذا كان النادل أو النادلة يرتديان قميصاً أحمر قصير الأكمام، فإن حجم البقشيش الذي تدفعه النساء من الزبائن لا يتأثر بذلك، بينما يدفع الرجال بقشيشاً أكبر للنادلات في هذه الحالة.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يدخل فيها جنس الزبون في صلب هذه الدراسات. فرسم وجه ضاحك على الفاتورة، أو كتابة كلمة شكراً على ظهرها يساعد النادلات في الحصول على بقشيش أفضل.
ويشير مايكل لين، أستاذ سلوكيات الزبائن، والذي قام بعمل ضخم في هذا المجال، إلى أن الوجوه الضاحكة أو المبتسمة ربما لا تبدو مناسبة لحفلات العشاء الفاخرة أو الراقية. ويرى أن رسم كركند أو استاكوزا مثلا على الفاتورة يكون له أثر أفضل.
ويكون هذا الأمر بمثابة تحد لنادل في عجلة من أمره. فوضع بطاقة مكتوب عليها إحدى المُزح مع الفاتورة يمكن أن يدفع الزبون إلى دفع بقشيش أفضل. أو يمكنك تركيز انتباهك ليس على الفاتورة ولكن على شكل الصحن الذي تقدم فيه الفاتورة.
فالصحون التي على شكل قلب زادت من نسبة البقشيش المدفوع، مقارنة بالصحون ذات الأشكال الدائرية.
وقد اكتشف جويجوين وجاكوب أيضا أن لمسة خفيفة على قمة ذراع الزبون يمكنها أيضاً أن تحسن من قيمة البقشيش. وقد وجدت دراسة أجريت في الثمانينيات أنه إذا طلبت من أشخاص القيام بشيء معين، فمن الأرجح أنهم سيقبلون بذلك إذا لمست ذراعهم بطريقة ودية في وقت من الأوقات.
سواء كنت تطلب منهم أن يقرضوك 10 قروش، أو التوقيع على عريضة ما، أو تذوق عينة مجانية من البيتزا، فإنهم سيتجاوبون معك.
لمسة خفيفة بطريقة ودية يبدو أنها تظهر أنك شخص لطيف، وأنك تركز انتباهك كله عليهم. في الدراسة الفرنسية كان المشاركون في الدراسة دون أن يعرفوا زبائن يجلسون وحيدين في حانة في بلدة فانس. في ذلك اليوم، عشرة في المئة فقط من هؤلاء الزبائن تركوا بقشيشاً للنُدل.
لكن لو أن النادل لمس ذراع كل واحد منهم عندما كان يسألهم عما يرغبون في تناوله من شراب، لارتفع البقشيش إلى 25 في المئة تقريباً.
لهذا، إذا كنت زبوناً ورأيت النادلة ترتدي قميصاً أحمر، وتقدم لك نفسها بالاسم، وتركز نظرها عليك عندما تقدم لك الفاتورة في صحن على شكل قلب مصحوب برسم على شكل وجه مبتسم، وبطاقة مكتوب عليها طرفة أو مزحة، بينما تلوح بصورة تحمل رمز البطاقة الائتمانية، فربما درست تلك النادلة نتائج هذه الدراسات.
بالطبع لم تجرؤ دراسة حتى الآن على تجريب كل هذه الأساليب مرة واحدة لمعرفة ما إذا كانت زيادة نسبة البقشيش 2 في المئة هنا، أو 4 في المئة هناك، قد أضيفت فعلاً بسبب هذه الأساليب.
وتكمن الصعوبة في أنه على الرغم من ميزة إجراء هذه الدراسات داخل المطاعم، وليس في المختبرات، وعلى مجموعات يمكن السيطرة عليها - مما يعني أن مستوى مصداقية هذه الدراسات، وانطباقها على الواقع مرتفع جداً- إلا أنه في معظمها لم يكن من المتاح أن يُحرم النُدل من فهم ظروف إجراء تلك الدراسات التي يشاركون فيها.
وهكذا عرفوا أن وظيفتهم كانت أن يلمسوا ذراع الزبون لمسة خفيفة، أو يبتسموا بصدق في وجهه، وهو ما كان سيؤثر على تصرفاتهم في أوقات أخرى أيضاً، مما يؤدي إلى الحصول على بقشيش أكثر.
لكنني ما زلت أتمنى لو أنني عرفت شيئاً من هذا البحث عندما كنت نادلةً. لقد حصلت ذات مرة على 20 جنيهاً لتقديمي قصعة صغيرة لكل من أب وأم تحتوي على بعض الحلوى ليتذوقاها بعد أن رفض ابنهما السماح لهما بتذوق صحنه. لكن ذلك أمر لم يتكرر حدوثه لي كثيراً.
بي بي سي عربي