بعد مقتل أكثر من 200 شخص في هجوم انتحاري لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العاصمة العراقية بغداد في 3 يوليو/تموز 2016، صب العراقيون غضبهم على أحد رموز الفساد الحكومي وفشل الدولة في حمايتهم، وهي الأجهزة المزيفة للكشف عن المتفجرات.
تشبه تلك الأجهزة العصا، وهي ليست سوى هوائي معلق على مقبض من البلاستيك، وما زال تستخدم على نطاق واسع في عمليات التفتيش في البلاد حتى بعد سنوات من القبض على البريطاني المخادع الذي قام ببيعها، وقيام بريطانيا بحظر تصديرها نهائياً، وفقاً لتقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية .
لحماية السفارات
تستخدم تلك الأجهزة عند مداخل السفارات، والمجمعات السكانية، والوزارات الحكومية، كما تستخدمها قوات الأمن في نقاط التفتيش مثل تلك التي تقع في شارع الكرادة التجاري، والذي استهدفه التفجير الانتحاري الأخير صباح الأحد 3 يوليو/تموز 2016، والذي استُهِدف أكثر من مرة سابقاً.
وضربت التفجيرات مراكز التسوق المزدحمة بالمنطقة، ليحترق من بداخلها حتى الموت، إلا أن العراقيين لجأوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتنفيس عن غضبهم حول هذه الأجهزة المزيفة.
وسخر المغردون عبر موقع "تويتر" من سخف تلك الأجهزة التي يستخدمها الأمن للبحث عن المتفجرات، بينما اختُرِق موقع وزارة الداخلية، ووُضِعت صورة لرضيع قتيل، مع صورة لجهاز الكشف عن المتفجرات يحمل شعار الدولة الإسلامية. فقد رغب المخترق في القول بأن تلك الأجهزة المزيفة لم تساعد سوى من يرغبون في قتل الأبرياء، وكتب المخترق في رسالته "لا أعرف كيف تنامون الليل. لقد ماتت ضمائركم".ش
ومع تزايد حالة الغضب، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مساء الأحد الماضي عن توقف قوات الأمن بالكامل عن استخدام تلك الأجهزة في نقاط التفتيش، وأنه ينبغي على وزارة الداخلية فتح تحقيق جديد حول الصفقات الفاسدة لشراء تلك الأجهزة.
على الرغم من ذلك، استُخدِمت تلك الأجهزة في صباح اليومي التالي، وسط غموض حول موعد تنفيذ قرار إيقافها.
يقول مقداد التميمي، وهو ضابط بأحد نقاط التفتيش شمال بغداد، والذي مازال يستخدم أحد تلك الأجهزة حالياً "لم نتلقَّ الأوامر بعد. نحن نعرف أنها لا تعمل. الجميع يعرف ذلك، والرجل الذي صنعها في السجن حالياً، ولكني لا أملك خياراً آخر".
وكان العراق قد حصلت على الجهاز الذي يحمل اسم أي دي إي 651 عن طريق شخص يدعى جيمس ماكورميك، وهو بريطاني حصل على حكم بالسجن لعشر سنوات في بلاده بعدما أدين في عام 2014 بتهمة الغش. وأُلقِي القبض على ماكورميك في 2010 بعد حظر تصدير الجهاز من قِبل الحكومة البريطانية.
لن تَستوعب ثمنها؟
وتشير التقارير إلى أن ماكورميك قد ربح ما يزيد عن 80 مليون دولار من مبيعات الجهاز لدول مثل العراق، إذ زعمت شركته أن لديها أجهزة بإمكانها الكشف عن الممنوعات مثل المخدرات والمتفجرات من بعد يصل إلى كيلومتر. ويشير دليل الجهاز أنه باستخدام بطاقات الكشف عن المواد، يمكن للجهاز حتى التقاط العملات المزورة، أو أسنان عاج الفيل.
وفي تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC، أشار التحقيق إلى أن الجهاز لا يمكنه اكتشاف أي شيء. وبحسب سيدني ألفورد، خبير المتفجرات بالجيش البريطاني، فقد وصف بيع ذلك الجهاز بأنه أمر "غير أخلاقي على الإطلاق".
ألعاب بلاستيكية
ويقول أوس ياسين (35 عاماً)، وهو أحد المتظاهرين الذين تجمعوا بالقرب من مشهد التفجير مساء الأحد "الناس تنتظر في نقاط التفتيش وتتحمل حرارة الجو خلال أوقات الانتظار، لكنهم يمرون من نقاط تفتيش تعمل بأجهزة مزيفة ليست سوى ألعاب في الحقيقة".
وتوجه المتظاهرون نحو منزل أسرة العبادي الكائن بالمنطقة ونعتوه بالسارق، كما اتهموه بالتسبب في قتل أهل كرادة.
يقول عباس ياسين، البالغ من العمر 45 عاماً "إن كان لديه ذرة من الكرامة، فعليه أن يستقيل حالاً".
وقد كافح العبادي، الضعيف سياسياً، من أجل تطبيق إصلاحاته السياسية المحدودة. ولم تتضح خطط الحكومة المتعلقة بما سيحل محل الأجهزة المزيفة، لكن العبادي أمر بالإعلان عن أن أجهزة رابسيكان الأميركية للكشف والتفتيش، في طريقها إلى بغداد.
ويبقى أن يشاهد المتابعون ما إذا كانوا في نهاية المطاف سيشهدون إنهاء استخدام تلك الأجهزة المزيفة أم لا. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، إنه توقع أن تُسحب تلك الأجهزة تدريجياً بعد الأوامر التي صدرت من رئيس الوزراء.
وعند نقطة التفتيش، قال التميمي، ضابط الشرطة، إنه يأمل أن تصل الأجهزة غير المزيفة لكي تحمي الناس، كما أوضح قائلاً "قُتل كثير من الأشخاص بسبب تلك القطعة البلاستيكية".
وكالات