قبل يوم واحد من احتفال أهالي قطاع غزة بعيد الفطر السعيد، يتوافد المئات من الغزيين على محلات بيع الفسيخ لشراء احتياجاتهم من الأنواع المختلفة الموجودة في المحلات مثل الفسيخ والسردين وغيرها، ويعتبر حضور "الفسيخ" على المائدة الغزية تقليداً اجتماعياً معمولاً به منذ القِدم حيث تكاد لا تخلو مائدة غزية صباح العيد من طبق الفسيخ.
تعد وجبة الفسيخ عادة مستديمة وطبقاً رئيسياَ وجب إحضاره في اليوم الأول للعيد, حيث تعتبر جزء من التراث الشعبي للغزيين ويحل ضيفاً مرحباً به على موائد الإفطار الغزية أول أيام عيد الفطر؛ يحرص على تناوله الغزيون صباح العيد بعد أداءهم صلاة العيد مباشرة، كونه يفتح شهيتهم بعد شهر كامل من الصيام.
يقول المواطن محمد جابر (44عاماً) صاحب محل للسمك في سوق الشجاعية المركزي: "إن هذا المحل تأسس منذ ما يقرب من 50عام وأنه قد ورث هذا المهنة من أجداده، وكان يتوافد عليه دومًا الغني والفقير لشراء الفسيخ ،ويزداد الإقبال على شراءه قبيل عيد الفطر بأيام, مضيفًا إلى أن المحل قد اكتسب شهرة كبيرة منذ القدم بسبب أسعاره الثابتة وجودة الفسيخ العالية الذي يقوم بتصنيعه.
ويتابع جابر: "إن "الفسيخ"، عبارة عن سمك مملح ومعتق يتم حفظه لمدة تزيد عن الشهر في أوانٍ مخصصة، مع إضافة كميات كبيرة من ملح الطعام "الصوديوم"، بالإضافة إلى الكركم؛ لإعطائه اللون الأصفر الذي يتميز فيه، ولعمل الفسيخ تستخدم أنواع محددة من الأسماك مثل "البوري، والجرع, والسردين، والتركي".
حول طريقة إعداد الفسيخ يقول جابر: "يقوم تجار "الفسيخ " بـ"تفسيخ" السمك أي تنظيفه وتمليحه وتعتيقه من ثم تخزينه ، قبيل شهر رمضان بعدة أسابيع، معتبرين أن عيد الفطر موسم خصب لبيعه للمواطنين الذين يقبلون عليه بكثافة, حيث يُقدر استهلاك المواطنين بآلاف الكلوات من الفسيخ في يوم العيد الأول".
يعد "الفسيخ" مصدر رزق واسع لعدد كبير من المواطنين في قطاع غزة، ويُرجع أحد التجار إقبال الغزيين على تلك الوجبة للعادات والتقاليد الذي توارثتها العائلات من أجدادهم، علاوة على ان سعر الوجبة المنخفض، بالإضافة إلى الشهية والمذاق الجذاب التي تحققه وجبة "الفسيخ "لمتناوليها.
وبالنسبة لأسعار "الفسيخ" في الأسواق الغزية، يقول السيد نايف الشويخ(55عاماً) الذي يقوم بعمل "الفسيخ" وبيعه في سوق الشجاعية المركزي: "أن هناك أنواعا كثيرة من "الفسيخ" وأسعار متنوعة تناسب الجميع، ومنها فسيخ براميل 12شيكل، وفسيخ الرينغا 18 شيكل ، فسيخ أصفر (15-25-35) شيكل، فسيخ أصفر نوع جرع 20 ش فسيخ أصفر نوع بوري 20 شيكل وجميعا في متناول الايدي".
أما المواطنة صباح عابد(40عاماً) تفضل إعداد الفسيخ بنفسها في منزلها حيث تقوم بشراء السمك الطازج وتنظيفه وتمليحه وخزنه في مكان معتم ونظيف لمدة أسبوع؛ معللة ذلك بتخوفها من قيام بعض التجار بتفسيخ الأسماك الفاسدة أو عدم نظافة التخزين أو درجة ملوحته. وتجهزه صباح العيد مع صلصة البندورة والبصل وتجمع أوﻻدها كطقس أساسي يتكرر على مدار الأعياد يدخل البهجة على أسرتها.
فيما تلفت ابنتها منى إلى فائدة الفسيخ من وجهة نظرها، فتقول: "انتظر صباح العيد بشغف لأتناول "الفسيخ "بعد صلاة العيد نقوم بتجهيز الفسيخ، ورغم العطش الذي يسببه إﻻ أنه يطهر الجهاز الهضمي ويخفف من الإصابة التلبك المعوي، إلى جانب مذاقه وطقوسه المبهجة، لذلك أحرص على تناوله دوماً".
تتنوع الطقوس والعادات الغزية بعيد الفطر، السيدة أم فادي(43عاماً) وهي من سكان حي الشجاعية ﻻ تفضل الفسيخ ولا تعده طبقا أساسياً على موائد الفطور يوم العيد، ولم يكن عادة بالنسبة لها، بل تعتبره مضراً بالصحة والجسم، فتستبدله بطبقٍ آخر هو "السماقية" التي يشتهر بها أهل غزة الأصليين.
تقول أم فادي في وصفها : "أنها قديمة كتاريخ المدن الفلسطينية فتوجت بأجمل الأسماء وسميت "بالسماقية", وذلك بسبب كثرة السماق وهو العنصر الغالب في طبخها, أحبها أهل المدن عامةً وأتقنها سكان غزة خاصة, حيث تعتبر من الأكلات التي توارثتها الأجيال الفلسطينية على مر السنين, فلا الكبير ينسى طعمها ولا جار يرفضها, ويشتاق لحضورها الكثيرون لأن زيارتها للبيوت قليلة ,فهي تطهى في الأفراح وليالي الأعياد".
وتكمل أم فادي متبسمةً:" يتم إعداده "السُماقية" في اليوم الأخير من شهر رمضان وفي أيام عيد الفطر؛ لأنها خفيفة على المعدة وسهلة الهضم وتساعد على فتح الشهية, ناهيك عن أنها تحتوي على كافة العناصر الغذائية المفيدة للجسم، وتتكون من السماق واللحم والحمص والدقيق بالإضافة إلى الثوم والفلفل والطحينية والشطة".
وتضيف أم فادي :" قبيل طهو "السُماقية" تتجمع الأخوات والجارات في البيت لتجهيزها كما تجري العادات والتقاليد, ويقمن بتوزيع المهام فيما بينهن حتى يتم الانتهاء من طهو "السُماقية" ووضعها في أطباق متوسطة الحجم، ومن ثم يقمن بتوزيعها على الأقارب والجيران, كنوع من المودة وإدخال السرور عليهم بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد".
وفي كل الحالات سواء التزم أهل غزة بتناول طعام الفسيخ أو استبدلوه" وتناولوا "السماقية" فستبقى هذه الأكلات الشعبية تقليداً توارثته الأجيال وتحرص على الاستمرار في ممارسته الأسر الفلسطينية كأحد مظاهر الاحتفال بالعيد..
نقلا عن الاقتصادية