لا يُعقل أن يجلس الصائم على مائدة الإفطار يُحملق بالطعام وينتظر موعد الآذان كما لو كان ينتظر إشارة البدء في حلبة للمصارعة، وما إن يسمع الأذان حتى ينقض على الطعام، يأكل بنهم وبعُجالة دُون تفكر ولا تمّهل، وقد يبدأ بالمخللات ثم يُلحقها بشيء من اللحوم وقد لا يشرب الحساء "المرقة" بتاتًا، وكأن المعدة "ماكينة". والحقيقة أن هكذا سلوكيّات يُمكن أن تقتل صاحبها، فهي أساسًا لا تتوافق بتاتًا مع سّنة الرسول محمد –صلى الله عليه وسلم-
مع أنه شهر اليُمن والبركات، إلا ان كُل بركاته يُمكن أن تتحول إلى لعنات لو اتبع الواحد منّا هواه، كأن تجده لا يرحم نفسه وهو ينهال على الطعام بنهم فيأكل ويأكل حتى تكاد معدته تنفجر، ثم مع ذلك تجد الصحون على مائدته لا تزال ممتلئة بالأطعمة التي قد تستقر في القُمامة، فيُلقيها دُون أن يُبالي بأن "كب الأكل حرام" ودُون أن يُبالي بمليار انسان يُعانون من الجوع يوميًا، وكذلك تجده لا يجتهد ولو أقل القليل كي يحترم "النعمة"، ولهذا فقد خصصنا التقرير التالي لاستعراض شيء من الأفكار البسيطة جدًا، وبعيدًا عن "الترف الفكري"، كي نجعل من رمضاننا أكثر صداقة للبيئة وصداقة للإنسان وصحته.
سُنّة .. الصلاة قبل الأكل
مهما كان للصوم من فوائد وبركات، فإن هذه كُلها قد تتحول إلى أمراض إن لم نُحسن التصرف لحظة الإفطار، حيث لا يُعقل أن يجلس الصائم على مائدة الإفطار يُحملق بالطعام وينتظر موعد الآذان كما لو كان ينتظر إشارة البدء في حلبة للمصارعة، وما إن يسمع الأذان حتى ينقض على الطعام، يأكل بنهم وبعُجالة دُون تفكر ولا تمّهل، وقد يبدأ بالمخللات ثم يُلحقها بشيء من اللحوم وقد لا يشرب الحساء "المرقة" بتاتًا، وكأن المعدة "ماكينة".
والحقيقة أن هكذا سلوكيّات يُمكن أن تقتل صاحبها، فهي أساسًا لا تتوافق بتاتًا مع سّنة الرسول محمد –صلى الله عليه وسلم-، الذي كان يبدأ الإفطار بالتمر واللبن ثم يُصلي ثم يعود ليكمل إفطاره، وفي هذا المضمار يؤكد د.طارق نبيل محمود أن هذه "السُنّة" تتوافق مع الطب الحديث حيث أن الانتظار لمدة 10 دقائق بعد الإفطار على التمر واللبن تجعل المعدة تستخلص السكر ليعود مستوى السكر ويرتفع إلى مستواه الطبيعي، الأمر الذي يُزيل الشعور بالجوع، ونتيجة لذلك تجد الصائم لا يأكل بنهم وشراهة، وهكذا نجده لا يُعاني من التخمة، لأنه استهلك من الطعام ما يحتاجه جسمه فقط.
كم نرمي من الطعام في القمامة؟
من بين 7 مليار إنسان يعيشون على كوكب الأرض، هناك مليار انسان يعيش الجوع يوميًا، ويذكر التقرير أن المُشكلة ليست في نقص الطعام، حيث أن المواد الغذائية التي تُصنع عالميًا يُمكن ان تكفي نظريًا سكان الكوكب جميعًا وأكثر، حيث يُمكنها أن تشبع ثمانية أو لربما 10 أو حتى 12 مليار إنسان.
مُشكلتنا اننا كثيراً ما نستهلك أكثر مما نحتاج، وهو ما تؤكده الكثير من الموائد الرمضانية بعد كل إفطار، حيث يتبقى الكثير من الطعام دُون أن يؤكل منه شيء ورُبما اختلط بشيء من الطعام القديم ليبدأ طريقه نحو القمامة.
الحقيقة أن إهدار الطعام مُشكلة عالمية، ولا شك أن لنا نصيب منها، حيث يؤكد تقرير لصحيفة دير شبيغل الألمانية أنه من بين 7 مليار إنسان يعيشون على كوكب الأرض، هناك مليار انسان يعيش الجوع يوميًا، ويذكر التقرير أن المُشكلة ليست في نقص الطعام، حيث أن المواد الغذائية التي تُصنع عالميًا يُمكن ان تكفي نظريًا سكان الكوكب جميعًا وأكثر، حيث يُمكنها أن تشبع ثمانية أو لربما 10 أو حتى 12 مليار إنسان.
ولكن هذا يبقى كلامًا نظريًا فقط، لأننا "مُجرمون" في إهدار الطعام، حيث يُشير تقرير لشبكة "محيط" أنه في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة يُهدر كل عام أكثر من 3 مليون طن من الطعام، أو 350 كغم للفرد، ما يعني أن يرمي الواحد منا خمسة وجبات من الأرز في سلة المهملات يوميًا. والأكيد أن الإمارات ليست وحدها !
لأننا "مُجرمون" في إهدار الطعام، حيث يُشير تقرير لشبكة "محيط" أنه في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة يُهدر كل عام أكثر من 3 مليون طن من الطعام، أو 350 كغم للفرد، ما يعني أن يرمي الواحد منا خمسة وجبات من الأرز في سلة المهملات يوميًا. والأكيد أن الإمارات ليست وحدها !
بالنسبة لفلسطين، يذكر تقرير الـمؤسسة الألمانية للتعاون الفني أن نسبة النفايات العضوية في فلسطين تبلغ 60% من مُجمل النفايات التي تنتج في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهذا يعني أن الكثير من بقايا الطعام في بلادنا تستقر في القمامة.
"كل واحد .. بكفي إثنين"
إحدى الحقائق العلمية التي قد تغيب عن بال الصائم وهو يتجوّل في السوق أو لربما ربّة البيت وهي تُعد الطعام لأهل بيتها، مفادها أن الصائم مهما كان جائعاً فإن لمعدته طاقة استيعابية لا يُمكنه تجاوزها والتي يقدّرها العُلماء بأنها لتر ونصف من السوائل تقريبًا، أي ما يُعادل قنينة ماء من الحجم الكبير.
وهنا لا بُد ان نذكّر بأن الرسول محمد عليه السلام يقول: " طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة " وبالتالي فإن الإنسان يُمكنه دائمًا أن يشبع من كميّة أقل مما اعتقد، لأن الشعور بالجوع يخدع الصائم الذي يفاجأ بعد الإفطار بدقائق بأنه شبع، وأنه أكل كميّة أقل بكثير من التي كان يتخيّل أنه سيأكلها.
مثال آخر جيّد، هي "جدّاتنا" اللواتي عشن النكبة والنكسة، حيث كان تحصيل لقمة العيش صعباً، وبالتالي تجدهن يُذكرن من حولهن دائمًا بأن "كب الأكل حرام"، وذلك في إشارة إلى ضرورة الاعتناء بالطعام وبكل ما يتبق منه، وعدم إلقائه في القمامة لأنه "نعمة". وفي الواقع فإن جدّاتنا لسن وحدهن من يُفتي بحرمة إلقاء الطعام، فإن دار الإفتاء الأردنية – على سبيل المثال لا الحصر- تُفتي بأن إلقاء الطعام الصالح للأكل حرام، ولمن يعرف الفقه الإسلامي، فإنه يعرف ان هناك فرقاً شاسعاً بين المكروه والحرام، وبالتالي فإن التحريم يستدعي من كُل مسلم، أن يفكّر ألف مرة قبل إلقاء الطعام في "الزبالة".
كيف نُقلل من إهدار الطعام؟
ولا شك أنه ليس هناك حدود للإبداع في إستغلال بقايا الطعام، ومن يتأمل فنون الطعام في بلادنا، يجد الكثير منه، حيث يستغل ما يتبقى اثناء حفر الكوسا للمحاشي والمعروف بـ "لب الكوسا" لإعداد سلطة شهية جدًا تُعرف بـ"متبل الكوسا"، وكذلك يُمكن إعداد سلطة شهية جدًا من المخللات التي تتبقى والتي يختلف لونها قليلاً، حيث تقطع وتُتبل بالزيت والليمون والجوز فتصبح سلطة لذيذة، أما الخبز اليابس فيُقلى ويُضاف لسلطة الفتوش
المسألة ليست مُعقدة جدًا، فأسهل طريقة هي تقليل كميّة الطعام على المائدة، ويُمكن لهذه الكميّة أن تكون مُساوية لكمية الطعام التي كانت تكتفي بها العائلة قبل رمضان، ولكن عمومًا من المفيد أن ننتبه إلى ان الإنسان بشكل عام يحتاج إلى حوالي 1500 سعرة حرارية من الطعام يوميًا.
هذا يعني أن الصائم لو تناول 3 تمرات وشيء من اللبن، ثم تناول بعدها شيء من الخضار والحساء وطبق صغير من الأرز لا يتجاوز 125 غرامًا، وشيء قليل من لحم الدجاج مثلاً، ثم تناول كوبًا من العصير فهذا يعني أنه سيصل بلا شك إلى 1000 سعرة حرارية، وهذا قبل الحديث عن تناول الحلويات الرمضانية كالقطايف وغيرها.
طبعًا، تناول المزيد من الطعام، يعني السمنة على المدى البعيد، ولكنه يعني "التخمة" بعد انتهاء الطعام مُباشرةً، ولكن ماذا نفعل بعد أن نشبع، لو بقي شيء من الطعام ؟
جدّاتنا تعرفن جيدًا، أنه لو زاد لديهن شيء من الطعام، فهذا يعني إنهن يستطعن مُشاركته جيرانهن أو أنه يُصبح "طعاماً بايت" يؤكل في اليوم التالي أو يعطينه لعائلة فقيرة إن كان هناك عائلات في المنطقة القريبة.
ولكن ماذا لو تبقى بعد ذلك؟ طبعًا هناك وسائل كثيرة معقدة للاستفادة من بقايا الطعام كالإستفادة منها في إنتاج الغاز الحيوي – Biogas - أو حتى يُمكن ان يُصنع منها "السماد الطبيعي" في ساحة المنزل، ولكن هذا قد لا يكون مُتاحًا بالنسبة للبعض فبالتالي يُمكن أن يُقدموا هذا الطعام للقطط أو الطيور التي تزور حديقة المنزل.
ولا شك أنه ليس هناك حدود للإبداع في إستغلال بقايا الطعام، ومن يتأمل فنون الطعام في بلادنا، يجد الكثير منه، حيث يستغل ما يتبقى اثناء حفر الكوسا للمحاشي والمعروف بـ "لب الكوسا" لإعداد سلطة شهية جدًا تُعرف بـ"متبل الكوسا"، وكذلك يُمكن إعداد سلطة شهية جدًا من المخللات التي تتبقى والتي يختلف لونها قليلاً، حيث تقطع وتُتبل بالزيت والليمون والجوز فتصبح سلطة لذيذة، أما الخبز اليابس فيُقلى ويُضاف لسلطة الفتوش والكلام في هذا المضمار يطول، ولكن بالإمكان تصفح هذا الدليل على موقع ( من أجلك ) حيث الكثير من الأفكار الإبداعية: هنا.
الكاتب: عمر عاصي
خاص بآفاق البيئة والتنمية