مركبات الديزل في الضفة وغزة تلوث هواءنا
ABRAJ: 2.08(%)   AHC: 0.80(%)   AIB: 1.10(0.00%)   AIG: 0.18(5.26%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.30(0.00%)   AQARIYA: 0.82(%)   ARAB: 0.80(%)   ARKAAN: 1.33(0.00%)   AZIZA: 2.57(1.98%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.49(%)   BPC: 3.80(%)   GMC: 0.76(5.00%)   GUI: 2.08(%)   ISBK: 1.16(0.00%)   ISH: 1.00( %)   JCC: 1.60(6.43%)   JPH: 3.60(0.55%)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.60(%)   NAPCO: 0.99( %)   NCI: 1.70(4.94%)   NIC: 3.05(3.39%)   NSC: 3.07( %)   OOREDOO: 0.75(0.00%)   PADICO: 1.02(0.00%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 4.04(1.00%)   PEC: 2.84(7.49%)   PIBC: 1.04(0.95%)   PICO: 3.39( %)   PID: 1.90(1.55%)   PIIC: 1.80( %)   PRICO: 0.30(0.00%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.16( %)   RSR: 4.50( %)   SAFABANK: 0.80( %)   SANAD: 2.20( %)   TIC: 2.95( %)   TNB: 1.23( %)   TPIC: 2.00( %)   TRUST: 2.99( %)   UCI: 0.43( %)   VOIC: 6.77( %)   WASSEL: 1.07(0.00%)  
12:00 صباحاً 01 تموز 2016

مركبات الديزل في الضفة وغزة تلوث هواءنا

اعتقدت الدول المتقدمة، حتى وقت قريب، بأن تلوث الهواء مشكلة بيئية تحت السيطرة، أو أنها تتجه نحو التلاشي.  إلا أن آخر المعطيات حول التلوث والأبحاث الجديدة حول آثاره الصحية، تشير إلى أن التلوث لا يزال يشكل تهديدا خطيرا، تستلزم مواجهته التحول السريع نحو وسائل مواصلات وصناعة أكثر نظافة مما هو قائم حاليا.

تلوث الهواء من المواصلات لا يزال في العديد من الدول يولد مشاكل صحية صعبة، بما في ذلك تلك الدول التي تزخر شوارعها بأسطول ضخم من المركبات الحديثة التي يفترض أن تكون مزودة بوسائل متقدمة لمنع التلوث.  هذا ما أكده أيضا تقرير حول جودة الهواء في لندن (Up in the Air) نشره مؤخرا فريق من الخبراء.  ويشير التقرير إلى أنه في حال عدم حدوث تحسن في جودة الهواء بمدينة لندن، فإن متوسط العمر المتوقع للمواطن الذي ولد في عام 2010 سيتقلص في المتوسط بمقدار سنتين.

وإجمالا، مصدر التلوث الأساسي في المدن، بما في ذلك الفلسطينية، هو مركبات الديزل التي ينبعث منها جسيمات دقيقة ملوثة وأكاسيد الكبريت والنيتروجين.  منتجو هذه المركبات لم يتمكنوا حتى الآن من تقليص هذه الانبعاثات الملوثة بما فيه الكفاية.  فمركبات الديزل من نوع يورو 6 التي يفترض أن تكون الأحدث وبالتالي الأقل تلويثا بين هذا النوع من السيارات، ينبعث منها تلوثا أعلى بمقدار 2.5-7 مرات من أنواع سيارات يورو 6 العاملة على البنزين.  بل إن الشركات المصنعة تحاول خداع السلطات الحكومية من خلال تصميم سيارات تعمل دون وسائل لمنع التلوث.  عمليات الغش في هذا المجال والتي انكشفت مؤخرا في شركة "فولسفاغن" تؤكد ذلك.  خبراء بيئيون كثيرون يشددون باستمرار على ضرورة تشجيع عملية التوسع في استخدام المركبات العاملة على الغاز الطبيعي (الأقل تلويثا) أو السيارات الكهربائية أو الهجينة.

مدينة لندن ليست استثناء، بل إن تحولا من المركبات العاملة على البنزين إلى المركبات العاملة على الديزل حدث في مدن أوروبية وأميركية كثيرة؛ ورغم ذلك بقيت مشاكل تلوث الهواء على خطورتها.  وعلى سبيل المثال، في عام 2000 كانت نسبة السيارات العاملة على الديزل في بريطانيا 14% من إجمالي السيارات الحديثة.  بعد 4 سنوات ارتفعت نسبتها إلى 50%.  ورغم ذلك، التقديرات البريطانية تقول بأن 29 ألف شخص يموتون سنويا في بريطانيا بسبب تعرضهم للتلوث.  تقرير سابق حول الوفيات والإصابات بالأمراض بسبب عوامل بيئية في هذه المجلة (أيار الماضي) استنتج بأن تلوث الهواء يشكل سببا لنحو ثلثي الوفيات في العالم الناجمة عن عوامل بيئية (أكثر من 65%)، وتحديدا 8.2 مليون فرد سنويا.  كما أن نصف الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء سببها تحديدا أمراض القلب والجهاز التنفسي؛ ما يجعلنا ندرك سبب ما ورد في ذات التقرير بأن الوفيات من أمراض القلب الوعائية تحتل المرتبة الأولى في مجموعة الأمراض المؤدية إلى الوفاة عند فلسطينيي الضفة والقطاع، وتحديدا 30%.

انبعاثات فلسطينية خطيرة في ظل غياب التوثيق

فلسطينيا، من اللافت أن هناك غيابا في التوثيق الكافي لملوثات الهواء في المدن، سواء من ناحية نسب انبعاثاتها أو تركيزها، إضافة إلى حصص القطاعات المختلفة في تلويث الهواء.  ورغم ذلك يمكننا تقدير كميات الانبعاثات لبعض الملوثات الناتجة عن قطاع المواصلات، وذلك استنادا إلى أنواع الوقود المستعملة والبيانات المتوفرة حول كميات البنزين والديزل المستهلكة في مختلف المحافظات الفلسطينية بالضفة والقطاع.  البيانات الأخيرة تساعدنا تحديدا في تقدير انبعاثات أكاسيد الكبريت (من وقود الديزل بشكل أساسي) والرصاص (بشكل اساسي من بنزين 96 وبنزين 98).  ومن أبرز الملوثات الناتجة عن المركبات بأنواعها:  أول أكسيد الكربون، أكاسيد النيتروجين والكبريت، الهيدروكربونات، الرصاص، الأوزون والجسيمات الدقيقة.

المعروف أن الرصاص تحديدا يعتبر من المعادن الثقيلة، ويتسبب في تسمم الجهاز العصبي وتلف في الدماغ والجهاز التناسلي والكلى؛ كما يؤدي إلى هبوط مستوى الذكاء لدى الأطفال.  أما أكاسيد الكبريت وجسيماته فتتسبب في أمراض بالجهاز التنفسي والرئتين، وتزداد سمية أكاسيد الكبريت مع الرطوبة؛ كما يعتبر أحد مسببات المطر الحامضي.

تتسبب عشرات آلاف المَرْكَبات الفلسطينية التي تسير يوميا على الشوارع الضيقة والسيئة، في تلويث لا يستهان به للهواء، وبخاصة لأن الضفة وقطاع غزة يفتقران إلى نظام متطور من الشوارع داخل المدن وما بينها.  يضاف إلى ذلك، أن إدارة حركة السير غير فعّالة؛ ما يتسبب بمزيد من الانبعاثات الغازية، علما أن ازدحام حركة السير يفاقم مشاكل تلوث  الهواء، وبخاصة في مراكز المدن الفلسطينية المكتظة

ويسبب السُخام الأسود المنبعث من عوادم مركبات الديزل، تغييراً واضحا في المباني، مثل تلويث مظهرها الخارجي، وإزالة لونها وتحويله إلى اللون الأسود.  ومع تزايد عدد المركبات الفلسطينية، وبخاصة مركبات الديزل، انخفضت جودة الهواء اكثر فأكثر.  وتقدر بعض المصادر العلمية الفلسطينية أن الغازات المنبعثة سنويا في أجواء الضفة الغربية، من مركبات الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين، تصل إلى أكثر من 80 ألف طن من أول أكسيد الكربون، وآلاف الأطنان من أكاسيد الكبريت والنيتروجين، وآلاف الأطنان الأخرى من المركبات الهيدروكربونية المتطايرة، ومئات أطنان الرصاص.

ورغم أن عدد السيارات الفلسطينية في الضفة والقطاع يعد صغيرا، بالمقارنة مع عدد السيارات الإسرائيلية، إلا أن نحو نصف هذه السيارات صنع في التسعينيات، فضلا عن أن استخدام الوقود الخالي من الرصاص غير شائع على مدىً واسع.  ومنذ أواسط التسعينيات ارتفع عدد السيارات في الضفة والقطاع بشكل هائل، ويقدر العدد حاليا بأكثر من 300 ألف مَرْكَبة، علما أن كفاءة احتراق الوقود في السيارات القديمة أقل من السيارات الحديثة، ما يزيد من انبعاث الملوثات.

وللأسف، لا توجد بوادر ملموسة لحدوث تحسن جدي في جودة الهواء بالمدن الفلسطينية؛ من قبيل منع دخول المركبات ذات التلويث المرتفع إلى مركز المدينة، ومنح مزايا وتسهيلات ضريبية لمشتري السيارات النظيفة بيئيا.  فضلا عن تحويل عدد كبير من الشوارع الداخلية إلى أماكن للمشاة والدراجات الهوائية، وشق أنفاق وجسور وما إلى ذلك.  وما لم يحدث تطور نوعي في البنية التحتية للمواصلات وتأسيس نظام متطور من الشوارع داخل المدن وما بينها، فسنستمر لسنوات طويلة، نحن وأطفالنا، في التعرض للمركبات الكيميائية والجسيمات الدقيقة الملوثة في شوارع مدننا.

تأثيرات خطيرة على الخصائص السلوكية

ما يثير القلق هو الأبحاث التي كشفت عن الأضرار الصحية على الأجنة والأطفال والأولاد، الناتجة عن تلوث الهواء تحديدا؛ بما في ذلك التأثيرات الخطيرة على الخصائص السلوكية والشخصية، الناجمة عن التعرض للهواء الملوث.  إحدى هذه الدراسات التي جرت في نيويورك ونشرت مؤخرا، وجدت بأن تعرض النساء الحوامل لمخلفات حرق الوقود ترفع لديهن احتمالية التعرض لمشاكل في النمو العاطفي لدى الأبناء، ما قد يؤدي إلى الاكتئاب والقلق والعدوانية وصعوبات في التفاعل الاجتماعي.  وسبب ذلك هو التلف الذي يحدثه التلوث للدماغ أثناء مراحل نمو الجنين.  كما أن دراسات أخرى وجدت بأن هذه المواد تؤثر على ذكاء الأطفال.

خلال شهر نيسان الماضي نشرت المجلة العلمية التابعة للمعهد الوطني لصحة البيئة في الولايات المتحدة الأميركية، بحثا جرى في برشلونة (اسبانيا) أشار إلى العلاقة بين التعرض للتلوث المكثف الناجم عن وسائل النقل وبين المشاكل السلوكية لدى الأولاد في الفئة العمرية 7-11 سنة.  واستند البحث إلى قياسات فعلية لتلوث الهواء؛ وتم التحقق من المعلومات بواسطة استبيانات للوالدين حول المشاكل السلوكية لأبنائهم.  بحث آخر جرى في نيويورك درس الأضرار الصحية (الناجمة عن التلوث) من خلال قياس التلوث في المادة الوراثية (DNA) في دم النساء الحوامل، ومراقبة الأولاد حتى عمر 11 سنة

الجمعية الملكية لأطباء الأطفال في بريطانيا قررت مؤخرا أن تبحث تأثيرات تلوث الهواء أثناء مختلف مراحل الحياة.  وجاءت نتائج البحث في تقرير شامل سمي بـ: "Every Breath We Take" نشر في أوائل هذا العام.  وقد شمل التقرير مراجعة لنتائج الأبحاث التي جرت حتى اليوم حول التأثيرات الصحية الناجمة عن التعرض لتلوث الهواء.  وأشار التقرير إلى أن هبوط وزن المولود يعتبر من بين التأثيرات الشائعة أثناء الحمل.  التقديرات العلمية تقول بأن سبب ما يقرب من خمس المواليد بأوزان صغيرة هو تحديدا التلوث الهوائي.  وقد يتسبب هذا الأمر بنشوء أمراض مزمنة.

الكاتب :جورج كرزم

خاص بآفاق البيئة والتنمية

Loading...