يقف محمود كعابنة (46 عاما) فوق ارض تمر من تحتها خطوط المياه التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من مسكنه وحظائر أغنامه التي عادت أدراجها بعد ان حرمت من المياه في عين الحلوة بمنطقة أم الجمال بالمالح التي تصارع البقاء في ظل إخطارات بردم العين رغم أنها مصدر الماء الشحيح المتبقي في المنطقة.
فيما يصرخ بأعلى صوته على أولاده ليراقبوا صهريج الماء الذي حصل عليه من إحدى القرى المجاورة في الأغوار الشمالية، فهي ما تبقى لهم ولمواشيهم للشرب طوال الأيام المقبلة في ظل الأجواء الحارة.
كعابنة إضافة الى مائة مواطن في أم الجمال يعانون من شح المياه، في ارض كانت سيولها وجداولها تفيض لتستغل لزراعة الخضروات والمحاصيل ولها حكايات مع هذه المياه، التي لم تبق منها سوى الاسم فقط.
يحاول كعابنة ان يستوعب ما آلت إليه الظروف هذه السنوات بعد ان كان كبار السن الذين عاشوا في المنطقة يحدثونه عن سيول ووديان وينابيع المنطقة، فيقول "كان الناس هنا يبنون سدودا على هذه الوديان ويزرعون ويأكلون وتأكل مواشيهم من رزق هذه الأرض التي أصبحت قاحلة".
ويضيف "يسيطر الاحتلال على مصادر المياه ولا يترك لنا شيئا حتى عين الماء الوحيدة مهددة بالهدم والردم، الأمر الذي يضطرنا لشراء المياه عبر صهاريج تبلغ تكلفتها ما يقارب 250 شيقلا لأكثر من 10 أكواب من المياه يتم نقلها اما من طوباس او قرية عين البيضا".
ويتذكر كعابنة التواريخ التي باغته الاحتلال فيها في سنين متتالية وهدمت آلياته مساكن عائلته، التي تجاورها إحدى أشجار "الكينا" التي غرست إبان العهد الأردني في المنطقة ومنعهم الاحتلال بعدها من زراعة أية أشجار في المنطقة.
في حين يحاول قطيع الأبقار على الجهة المقابلة، ان يجد من قطرات المياه التي تأتي من عين المالح التي جفت مياهها، ما يطفأ الظمأ بعد ان نزلت تلك الجبال في الأجواء الصيفية الحارة، في منطقة يسيطر الاحتلال على أكثر من 95% من مواردها المائية، عقب احتلاله للضفة الغربية عام 1967، حيث يعتبرها "منطقة عسكرية مغلقة"، ويُحظر على الفلسطينيين التواجد أو البناء فيها.
مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي، أكد لـ"وفا"، ان احتلال الضفة الغربية وسيطرة إسرائيل على الأغوار، كان له اثر كبير على مصادر المياه الثلاثة التي كانت تأتي من نهر الأردن، والمياه الجوفية من الآبار والينابيع، وما يتم تجميعه من مياه الأمطار والسيول من تجمعات السفوح الشرقية.
وقال: بعد احتلال الضفة الغربية وسيطرة إسرائيل على منطقة الأغوار، تم تفجير 11 مضخة مياه كانت موجودة على نهر الأردن، وأعلنت على أنها منطقة عسكرية أمنية حتى هذا اليوم، بالتالي الاستفادة الفلسطينية من مياه النهر منذ العام 1967 منه معدومة، إضافة إلى منع إسرائيل الفلسطينيين من تطوير الأودية وحفر برك كبيرة او حتى إنشاء سدود صغيرة للاستفادة من مياه السفوح الشرقية، وبالتالي حرم الشعب الفلسطيني من تطوير هذا المصدر الهام والاستفادة من مياه الفيضان .
وأشار التميمي إلى أن المصدر الوحيد المتبقي هو المياه الجوفية من الآبار والينابيع التي حفرت ما قبل احتلال الضفة وجزء منها كان إبان الانتداب البريطاني، وهي أصبحت مستهلكة وقديمة، موضحا ان عدد الآبار بالأغوار كان 144 بئرا، في حين لا يتجاوز عدد الآبار العاملة 60 بئرا في الفترة الحالية؛ وذلك بسبب قدمها وأصبحت غير مجدية.
وأكد أن العامل الأساسي في تدمير قدرة هذه الآبار هو حفر إسرائيل لحوالي 20 بئرا في منطقة الأغوار، وهذه تعطي تقريبا 14 مليون متر مكعب سنويا، تستفيد منها المستوطنات، وذلك لعمقها ومواقعها الجيدة، وهو ما اثر على الآبار الفلسطينية التي جف معظمها وأصبح غير قابل للتشغيل.
وقال التميمي إن إسرائيل تستفيد من الينابيع الموجودة على شاطئ البحر الميت، التي يقدر عددها بـ6 آبار، تعتمد على المياه التي تأتي من جبال الضفة الغربية، بالإضافة الى ينابيع منطقة "الفشخة"، وهي تحت سيطرة شركة "ميكروت" الإسرائيلية، اي ان هناك 50 مليون متر مكعب يتم الاستفادة منها من قبل المستوطنات ويحرم منها الشعب الفلسطيني.
وأوضح ان حصة المستوطن الواحد تصل إلى 600 متر مكعب سنويا يستخدمها لكافة الأغراض، اي ستة أضعاف المواطن الفلسطيني الذي تقدر حصته بـ100 متر مكعب سنويا؛ كون الآبار الإسرائيلية جيدة فنيا، ولديها القدرة على الضخ كما يريدون في مستوطنات في الأغوار الزراعية، التي يعتبر استهلاكها كبيرا في الوقت الذي يحرم فيه الفلسطيني من الاستفادة من هذه المصادر.
وتحدث التميمي عن الرؤية الإسرائيلية لقطاع المياه، والتحول الكبير في السياسة المائية داخل إسرائيل؛ من خلال محطات التحلية لمياه البحر، فهي لديها 12 محطة تحلية، أنجزت أربعا منها، وأربع منها قيد الإنشاء، وأربع مخطط لها، موضحا أن إسرائيل تقول انه خلال العام 2020، سيكون لديها 400 مليون متر مكعب فائض من مياه التحلية، ولديها مشروع مقدم للجهات الدولية بتزويد الضفة الغربية بمياه التحلية من 40 الى 50 مليون متر مكعب سنويا وبسعر التكلفة وبسعر القطاع الخاص.
ويتابع ان الإسرائيليين "يعمدون الى بيع المياه المحلاة كسلعة في أسواق الضفة وقطاع غزة، ويقومون بتهيئتها من خلال الضغط على الشعب الفلسطيني بقطع المياه واستغلال المياه الجوفية الفلسطينية للمستوطنات"، موضحا ان عملية نقل هذه المياه المحلاة الى المستوطنات ذات تكلفة عالية، فيستغلون مصادر المياه الفلسطينية الرخيصة لصالح المستوطنات من جهة، ويهيئون سوقا فلسطينية للمياه المحلاة بسعر عال جدا.
وأكد ان إسرائيل ستستغل هذا الجانب على المستوى السياسي، وأنها ستقول للعالم إنها مستعدة لحل مشكلة المياه بفلسطين ولكن هم من يرفضون، وستدعم الاستيطان ببنية تحتية من مياه الضفة بشكل رخيص، وهو ما يوسع من الاستيطان الزراعي والصناعي .
يذكر أن قوات الاحتلال تنوي هدم مجمع للمياه، يخدم حوالي 20 عائلة ومواشيها في منطقة عين الحلوة، شمال غور الأردن، بزعم البناء بشكل غير قانوني. ويُشار إلى أن مجمع المياه الذي أخطرت سلطات الاحتلال بهدمه في شمال غور الأردن مجمع ماء بسيط، يتم تجميع مياه الينابيع فيه، ويرتبط بأنبوب طوله عدة عشرات من الأمتار، ويصل إلى خزان بلاستيك متوسط الحجم، ويخدم عائلات من قبيلة "أم الجمل"، والتي تملك حوالي ألف رأس من المواشي.
وفا