من المؤكد أن كل من غادر محطة الطفولة وانطلق في الحياه ...يأخذه الزمن في مثل هذا الوقت من شهر رمضان المبارك إلى أيام مضت...تلك الايام التي كانت تسبق الاعياد ونقوم خلالها بالتحضير للعيد من شراء الملابس الجديدة..ومن ثم انتظار يوم العيد لنحصل على نصيبنا من " عيديات الأهل والاقارب".
اتذكر جيداً تلك الأيام وخاصة في صبيحة العيد عندما كنت أجهز نفسي وأبحث عن أبي وأخوتي الكبار وجدي وأعمامي لاحصل على عيديتي..ورغم أن عمليات البحث في بعض الاحيان كانت لا تجدي نفعا إلا أنه وبالنهاية كانت قيمة العيدية تعتمد على عدد الحارات والمنازل التي كنا نذهب اليها.
ما اصل العيدية
العيدية موروثاً اجتماعياً منذ مئات السنين ..فما أصلها ؟...وهل ما زالت مقدسة يبحث عنها الاطفال كما كنا نبحث عنها نحن وسط فرح وسرور؟.
وتعد "العيدية"من أحد أهم ملامح ووسائل احتفالات العيد في الدول العربية والإسلامية منذ بداية الإسلام، وتعتبر احد أهم الموروثات الثقافية التي ما زالت حاصرة بقوة في عديد المجتمعات.
ويقال ان أصل العيدية هي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- حينما دخل المدينة المنورة، والتي كانت لا تزال تسمى «يثرب» وجد لأهلها عيدين من أيام الجاهلية، من ملامحهما منح الهدايا والأموال للأطفال.
استبدل النبي العيدين بعيدي الفطر والأضحى، واستمرت بعض الطقوس، وفي مقدمتها الهدايا المالية من الأعياد القديمة ضمن احتفالات العيد، ثم توارثتها الأجيال لما فيها من قدرة على تحقيق السعادة وإدخال الفرح في النفوس، وتأكيد أواصر المحبة والتكافل ودعم الترابط الاجتماعي.
شكل العيدية
الدكتور ماهر أبو زنط استاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية يقول "إن فكرة العيدية ارتبطت بمناسبتين رئيسيتين هما عيدا الفطر والاضحى وبمناسبة شعبان في بعض المناطق.
ويضيف أبو زبط لـ"الحدث"بالنسبة للعيدية اخذت من العيد ويتم فيه اعطاء مبلغ من المال الى الاطفال وايضا السيدات على اعتبار ان المال هو مصدر للسعادة والفرح وبمناسبة العيد يتم دفع مبلغ من المال، الا ان بعض الاشخاص يقدمون في هذه الاعياد هدايا الا انه في فلسطين اشتهرنا بتقديم مبلغ من النقود".
ويضيف الدكتور ابو زنط في بعض المجتمعات غيرالمسلمة تقدم هدايا ولكن غير النقود باعتبار انها غير مفضلة عكس ما هو متعارف عليه في بلاد العرب والمسلمين لانها بعض العادات والقيم والتقاليد ارتبطت بالنقود مثل تقديم المهر للمراة وهو ما يعتبر رمزاً للغلاء اي غلاء العروس وبالتالي هو تقديرا للمرا.
ويشير الدكتور أبو زنط ان الجميل في العيدية رغم بساطتها إلا أنها استمرت حتى زماننا وهي تضفي على العيد لونا جماليا كبيرا يحمل معه الفرحة والبسمة وخاصة التي نراها على شفاه الأطفال .
ويقول "إن العيدية من المظاهر الهامة في فلسطين وتضفي على أجواء العيد جمالا وسرورا والفة وهي تقليد ما زال موجودا في كل المناطق حتى تلك المحتلة بالكامل لانها عادة اجتماعية محببة سواء للمراة او الطفل.
مصدر فرح وسرور
ويعتبر الخبير في علم الاجتماع ان العيدية هي مصدر فرح وسرور لان الجميع يشعر بالسعادة حتى الفتيات الميسورين ووضعهم جيد يشعرون بالانبساط بالعيدية ويشعرون ان من قدمها لهما قدرهم تقديرا مميزا.
ويشير الخبير في علم الاجتماع ان العيدية ليست كما يحاول أن يروج البعض بانها نوع من الاهانة قائلاً" هي نوع من التكريم والتقدير للفتاه وهي منتشرة ومتجذرة ولم نسمع انها اختفت او تلاشت او استبدلت بالهدايا.
تاريخ العيدية
والعيديه كلمة عربية منسوبة الي العيد بمعني العطاء أو العطف وترجع هذه العادة الي عصر المماليك فكان السلطان المملوكي يصرف راتباً بمناسبة العيد للأتباع من الجنود والأمراء ومن يعملون معه وكان اسمها الجامكية .
وتتفاوت قيمة العيدية تبعاً للراتب فكانت تقدم للبعض علي شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية وآخرين تقدم لهم دنانير من الفضة والي جانب الدنانير كانت تقدم المأكولات الفاخرة.
ففي أول أيام العيد كان الوزير الفاطمي او المملوكي يسير يوم العيد من منزله ومعه كبار رجال الدولة في ملابسهم الجديدة الي باب القصر ويظهر الخليفة في موكب مهيب وتكون ملابسه في العيد بيضاء موشاة بالفضة والذهب ومظلته كذلك وكان يخرج من باب العيد علي عادته في ركوب المواكب الا ان عساكره في هذا اليوم من الأمراء والأجناد والركبان والمشاة تكون اكثر عددا.
وينتظم الجند للخليفة في صفين من باب القصر الي المصلي ويركب الخليفة الي المصلي ويدخل من شرفتها الي مكان يستريح فيه فترة ثم يخرج محفوفاً بحاشيته قاصداً المحراب والوزير والقاضي وراءه فيصلي العيد .
فإذا انتهت الصلاة وسلم صعد المنبر لخطبة العيد فإذا انتهى الى ذروة المنبر جلس علي الطراحة الحريرية بحيث يراه الناس ويقف اسفل المنبر الوزير والقاضي والحاشية ثم يشير الخليفة الي الوزير بالصعود فيصعد الي سابع درجة مقدماً الي الخليفة نص الخطبة التي اعدها ديوان الإنشاء وسبق عرضها علي الخليفة.
ويبدأ الخليفة في قراءة النص الذي قدم له فإذا فرغ من الخطبة هبط من المنبر ودخل المكان الذي خرج منه يلبث قليلا ثم يعود بموكبه ويحضر مع افراد الشعب موائد الولائم المختلفة .
وفي العصر العثماني اخذت العيدية اشكالاً اخري حيث كانت تقدم نقوداً وهدايا للأطفال واستمر هذا التقليد الي العصر الحديث.
الحدث