بقلم : صلاح هنية
لم يعد ممكنا الحديث في شهر رمضان المبارك عن سلامة الغذاء بالشكل التقليدي الدارج من منطلق ان وعودا انهالت على جمعية حماية المستهلك من جهات الرقابة التي تحمل صفة الضابطة العدلية ومن نيابة الجرائم الاقتصادية ومن مجلس القضاء الاعلى أن الامور لن تمر مر الكرام وسيكون مرتكبي الجرائم الاقتصادية والذين يمسون بسلامة الغذاء عبرة لمن يعتبر.
انقضت ايام الرحمة وايام المغفرة ودخلنا في العشر الاواخر ايام العتق من النار ولا زالت اعلانات الضبط لاغذية فاسدة وغير صالحة للاستهلاك الادمي تتكرر بذات الصورة النمطية التقليدية التي تحمل بعد التسابق الاعلامي وفي خاتمة الامر نشعر كمواطنين ان هذه القضايا سجلت ضد مجهول، وحيث نضغط طوال ايام العام من أجل انفاذ مادة العقوبات 27 من قانون حماية المستهلك رقم 21 لعام 2005، ومادة 31 من ذات القانون التي تلزم بالاعلان عن اسماء مرتكبي الجرائم الاقتصادية وعلى نفقتهم هم.
الجهات الرقابية تلقي باللائمة على النيابة والقضاء، ومجلس القضاء الاعلى في حلقة اذاعية مسجلة قال ممثله في تلك الحلقة منذ العام 1996 لغاية 2015 محموع القضايا التي حولت للقضاء من النيابة المتعلقة بالجرائم الاقتصادية 101 قضية فقط، وهذا لا يتطلب محكمة جرائم اقتصادية وحتى النظر بالجرائم مرة كل اسبوع لا يشكل ازدحاما لقلة عدد القضايا.
الجهات الرقابية المختصة حساسة حساسية مبالغ بها نتيجة أي حديث اعلامي أو ورش عمل أو اجتماعات مغلقة حول قضايا حماية المستهلك والحفاظ على سلامة الغذاء وضبط الاسعار ومنع افساد المنتجات بالاكراه من خلال عرض المياه والعصائر المعبأة سلفا تحت اشعة الشمس الحارقة، وأن صدر تقرير اعلامي استقصائي عن الافراط في استخدام المواد الحافظة يغضبون، وان صار الحديث يدور عن ارتفاع اسعار اللحوم يسعون لينفون ذلك بعنف.
في خضم هذا الواقع كان لا بد من ممارسة الضغط والتأثير لتحويل هذه القضايا إلى قضايا رأي عام وخصوصا المبالغة في اسعار اللحوم الحمراء وغبن المستهلك عبر بيعه 600 غرام لحمة والباقي قص ويدفع ثمنا لا بأس به وهو ثمن السعر الاسترشادي، ولم يسلم من يدفع 90 شيكلا ثمنا للكيلو غرام من القص ايضا، وعندما يضبط جزارا لمخالفة قانونية يبدأ بشرح فنون غش المستهلك المعتمدة. كانت الخطوة الاولى تكليف الحكومة للمحافظين للتحرك لضبط الاسعار وخصوصا اسعار اللحوم الأمر الذي دفع كل الجهات الرقابية لتتحرك تحت مظلة لجنة السلامة العامة التي يقودها المحافظين في كل محافظة وخلال يومين كان الجزارين يعلنون التزامهم بالسعر الاسترشادي وبات هنا دورا حاسما للمستهلك نفسه بالدفاع عن حقه بالحصول على كيلو غرام لحمة بالسعر الاسترشادي وعليه الا يقبل باقل من ذلك أما اذا افرط المستهلك بطلباته فعليه ان يدفع الفرق.
وتطورت الامور باتجاه جولة تفقدية على الاسواق في بيت لحم من قبل رئيس الحكومة ووزيرة الاقتصاد الوطني ووزيرة السياحة ومحافظ بيت لحم الذي يرأس لجنة السلامة العامة ورئيسة بلدية بيت لحم التي كانت في جولة استباقية في الاسواق.
اليوم تعود إلى صدارة الاحداث قضايا المزارع الفلسطيني ومربي الثروة الحيوانية اولئك الذين اطلق عليهم رسميا (( حراس الارض )) سواء من حيث العبئ الضريبي او الاستراداد الضريبي او الدعم للصمود من خلال توفير الاعلاف باسعار مناسبة مشفية وتوفير تنكات المياه وخظائر الاغنام وغيره من سبل الدعم التي لا مجال لسردها والتي تنعكس ايجابيا على اسعار المستهلك بالمحاصيل وباللحوم.
اليوم في ظل غياب المجلس التشريعي بات هناك ضرورة لمراقبة عمل الجهات الرقابية الرسمية ومدى نجاحها في اداء مهامها والجدية في ذلك، وفي ظل الغياب يتحمل الوزراء ومسؤولي الهيئات الحكومية المسؤولية عن متابعة نجاعة انجاز هذا الملف، ومن ثم يكون هناك متابعة من الجهات الرقابية الحكومية مثل ديوان الرقابة المالية والادارية، ومن ثم يجب ان تقوم مؤسسات المجتمع المدني بالرقابة والضغط والتاثير، ودور لوسائل الاعلام عبر التحقيقات الاستقصائية.
ولا بد أن نؤكد على أهمية الدعم الشعبي لجمعية حماية المستهلك سواء من وقفوا واعتصموا في بيت لحم ضد الغلاء، والذين رافقونا جولات الضغط لخفض الاسعار في بيت لحم وقلقيلية ونابلس وطولكرم، وانصار حماية المستهلك وسلامة الغذاء الذين باتوا يحولون القضايا إلى قضايا رأي عام، وائمة المساجد الذي اوصلوا نبض حماية المستهلك من على المنابر وفي موعظة صلاة التراويح، والشباب الذين وزعوا وعمموا نشرات جمعية حماية المستهلك لترشيد الاستهلاك والدعوة لمقاطعة اللحوم الحمراء (( حملة بلاها اللحمة ))).