يُشاع أنّ المال لا يشتري السعادة، وثمّة تقارير لا تُحصى تؤكّد هذه المقولة. لكنّ بحوثاً جديدة وجدت أنّ السعادة لا تكمن في حيازة المال أو عدم حيازته، لا، بل في كيفيّة صرفه وعلى ماذا ننفقه، بالإضافة إلى مدى تطابق ما ننفق عليه (مجالات وسلع) مالنا مع شخصيتنا.
حلّل باحثون في كليّة إدارة الأعمال وقسم علم النفس في جامعة كامبريدج البريطانية، 77 ألف معاملة إنفاق مصرفية في البلاد، وطُلب من الزبائن الإجابة عن استبيان حول السعادة والشخصية مع بياناتهم المصرفية. قارنت الدراسة فئات الإنفاق مع سمات الشخصية الخمس المعترف بها على نطاق واسع، وهي الانفتاح أي الرغبة في الاكتشاف، والضمير أي القدرة على ضبط النفس، والتخالط، أي درجة الاندماج في المجتمع، والثقة في النفس والمشاعر الإيجابية والقلق أو الاضطراب وعدم تقبّل الآخرين، والتوافق أي التعامل بلطف مع الآخرين.
وجد الباحثون أنّ تناول الطعام في المطاعم والحانات يرتبط بإنفاق أولئك الذين يتمتّعون بشخصية منفتحة والذين هم من أصحاب "الضمير القليل"، في حين وُضِع الذين ينفقون أموالهم على جمعيات خيرية وحيوانات أليفة في فئة الإنفاق المقبولة.
أما أصحاب الضمائر الحيّة، فهم ينفقون أموالهم على تأمين المنزل والصحّة واللياقة البدنية أكثر من أي مجالات أخرى، بينما لا يشعر بالسعادة المضطربون ذهنياً إن أنفقوا أموالهم على تلك الأمور.
وبيّنت الدراسة عموماً، أنّ الأشخاص الذين ينفقون على مشتريات تتلاءم وشخصيتهم هم الأكثر سعادة. كذلك، ظهر أنّ مطابقة الإنفاق مع الشخصية أكثر أهميّة من دخل الفرد أو إجمالي إنفاقه.
يقول الباحث، جو جلادستون، أحد معدّي الدراسة المشار إليها آنفاً، إنّ الدراسات تاريخياً وجدت علاقة ضعيفة بين المال والرفاه العام، أما تلك الأخيرة فتفتح آفاقاً جديدة وتدلّ على أنّ الإنفاق يزيد من سعادتنا إن أنفق على سلع وخدمات تناسب شخصيتنا وتلبّي حاجتنا النفسية.
ولفت الباحثون إلى أنّ النتائج تحمل تعقيدات، خصوصاً للمتسوقين عبر شبكة الإنترنت. ويمكن للشركات أن تستخدم هذه النتائج لتوصي بمنتجات وخدمات ترفيهية تحسّن رفاهية عملائها وتنسج علاقات أفضل معهم لجعلهم أكثر سعادة.
وقد دعم هؤلاء نتائجهم بمنح الناس قسائم شراء يمكن استخدامها في مكتبة أو في حانة. أبدى المنفتحون سعادة أكبر من الانطوائيين حين أرغموا على استخدام القسيمة في حانة، والعكس صحيح حين استخدمت القسيمة في مكتبة.
من جهتها، تقول ساندرا ماتز وهي معدّة الدراسة الرئيسية، إنّ النتائج تشير إلى أنّ إنفاق المال على المنتجات التي تساعدنا على التعبير عن هويتنا كأفراد يمكن أن تكون بأهميّة العثور على وظيفة أو أصدقاء أو شركاء. أضافت ماتز أنّ بتطوير فهم أكثر دقّة للروابط بين الإنفاق والسعادة، نأمل في العثور على السعادة عن طريق خيارات استهلاك قليلة نقوم بها بشكل يومي.
ويؤكّد سعيد (43 عاماً) على أنّه لا يجد سعادة في إنفاق ماله على السهر أو الثياب أو المجوهرات، بل تكمن سعادته في المقامرة بماله. يضيف: "على الرغم من خسارتي أموالاً طائلة، تبقى تلك متعتي الوحيدة في إنفاق مالي".
العربي الجديد