وصف اقتصاديون واقع الحركة التجارية في أسواق غزة عشية حلول شهر رمضان بالأشد سوءاً منذ عدة عقود، معتبرين أن حالة الكساد التي خيمت على أسواق غزة كانت نتيجة لجملة من العوامل التي تصدرها الحصار الإسرائيلي المفروض للعام العاشر على التوالي، والانقسام الفلسطيني، وما ترتب عليهما من تداعيات أفضت إلى سلسلة من الأزمات التي ألمت بالمستهلك والتاجر على حد سواء، فعشرات آلاف الموظفين الذين لا يتقاضون رواتبهم من حكومة التوافق هجروا قسراً أسواق غزة إثر عدم انتظام دفع رواتبهم من مالية غزة، والتجار يشتكون مما تفرضه الأخيرة من ضرائب إضافية أدت إلى رفع أسعار مستلزمات شهر رمضان من مختلف أصناف المواد الغذائية التي يكثر استهلاكها في هذا الشهر.
وفي سياق أحاديث منفصلة مع عدد من القائمين والمطلعين على حركة أسواق غزة عشية شهر رمضان، اعتبر مدير عام شركة أبو حميد للتجارة والصناعة مدين أبو حميد أن تزامن حلول شهر رمضان مع عدم انتظام رواتب عشرات آلاف الموظفين ممن لا يتقاضون رواتبهم من حكومة التوافق، أثر بشكل ملحوظ على مستوى إقبال المستهلكين على شراء احتياجات شهر رمضان، حيث يكتفى "موظفو غزة" بشراء الحد الأدنى من مستلزمات رمضان، وذلك رغم توفر مختلف المنتجات من السلع الغذائية التي يكثر استهلاكها في هذا الشهر.
ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية
وأشار أبو حميد إلى ارتفاع الأسعار مقارنة مع ما اعتاد عليها المواطنون من أسعار مخفضة خلال السنوات الماضية، حيث أدى ارتفاع كلفة الإنتاج بسبب أزمة الكهرباء والضرائب الإضافية إلى رفع أسعار العديد من السلع الاستهلاكية، سواء المحلية أو المستوردة، الأمر الذي أدى تلقائياً إلى تراجع القدرة الشرائية، منوهاً في هذا السياق إلى أن حركة التجارة كانت تنشط في أسواق القطاع قبل أسبوعين على الأقل من شهر رمضان، حيث يستعد المواطنون لاستقبال هذا الشهر، ولكن الآن نجد الأسواق قبل يومين فقط من ليلة رمضان تشهد حركة نشطة ومن ثم تبدأ هذه الحركة بالتراجع والانخفاض تدريجياً.
وقال: "المواطنون يركزون على شراء أصناف معينة مثل التمر والأرز والطحينة والمقبلات وقمر الدين والأجبان والعصائر وكل صنف من الأصناف المذكورة يجد المستهلك أكثر من نوع منها وبأسعار مختلفة للصنف الواحد حسب مصدر إنتاجه، وبالتالي هناك تباين في أسعار السلعة الواحدة، ما ترتب عليه انخفاض نسبة أرباح منتجي وموردي هذه السلع".
ارتباط حالة الكساد بأزمة الإسمنت
ورأى أن قضية وقف إدخال الإسمنت لأكثر من 50 يوماً بداية من مطلع شهر نيسان الماضي أثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين، حيث توقف قسراً آلاف العاملين في قطاع البناء وسائر المهن المعتمدة على وجود الإسمنت ما أثر على قدرتهم الشرائية وقلص حجم إنفاقهم إلى ما دون الحد الأدنى، سيما وأن شريحة العمال تعتمد في إنفاقها على دخلها يوماً بيوم، والقلة القليلة من العمال يستطيعون ادخار جزء من دخلهم وإن تمكنوا من ذلك يضطرون إلى إنفاق مدخراتهم بمجرد تعطلهم عن العمل، سواء بشكل جزئي أو كلي، مؤكداً أن حركة الشراء في أسواق غزة كانت خلال السنوات السابقة أفضل من العام الحالي.
خفض إنتاج الصناعات الغذائية وتقليص الواردات
من جهته أشار رئيس اتحاد الصناعات الغذائية تيسير الصفدي إلى أن قطاع الصناعات الغذائية يعاني من مشاكل عدة رغم قدرته على تغطية احتياجات السوق المحلية والتصدير إلى الخارج إلا أن هذا القطاع يعمل بثلث طاقته الإنتاجية بفعل جملة من العوامل والمعيقات التي حالت دون تمكن الصناعات الغذائية المختلفة من العمل وفق قدرتها الإنتاجية الفعلية، حيث أدى ارتفاع كلفة الإنتاج والضرائب المفروضة على المواد الخام لإضعاف قدرتها على منافسة السلع المستوردة، وذلك بالرغم من أن جودتها تضاهي جودة المنتجات الأجنبية المستوردة.
وقال: "يتوفر لدى معظم محال السوبر ماركت والبقالة ومصانع المواد الغذائية كميات وفيرة من منتجاتها ولكن القدرة الشرائية للمستهلك الغزي تراجعت خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ المستهلك وبالتالي سادت حالة من الكساد التجاري بفعل محدودية الإقبال على الشراء في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فأنا على سبيل المثال لدي مصنع لإنتاج الطحينة والحلاوة، وما أنتجته من الصنفين يعادل 25% من حجم ما كنت انتجه بالمقارنة مع السنوات السابقة، وبالكاد أستطيع تسويق نصف منتجات مصنعي".
خلو شوارع غزة من البسطات
ونوّه الصفدي إلى ظاهرة خلو شوارع غزة من البسطات التي كان أصحابها يفترشون الأرض ببضائعهم المختلفة قبل حلول رمضان بأسبوعين على الأقل، مشيراً في ذات الوقت إلى أن المستوردين وتجار الجملة قننوا من حجم مشترياتهم وعمدوا إلى استيراد كميات محدودة من السلع الاستهلاكية الرمضانية كالأجبان ومشتقاتها والمربيات وقمر الدين، حيث لا يتجاوز حجم ما تم استيراده من الخارج عن 30% وما تم إنتاجه محلياً عن20%، نظراً لأن هذه السلع تعد موسمية ويصعب تسويقها في غير موسم شهر رمضان.
وأضاف: "لا أستطيع الآن تسويق حمولة "كونتينر" من المشمش المجفف أو قمر الدين أو الزبيب، فاليوم أصبح المواطن متوسط الدخل في غزة يكتفي في ليلة رمضان بشراء أوقية أو نصف كيلو، ولو احتاج للمزيد من هذه الأصناف يشتريها في اليوم الذي يحتاج إليها، وكصاحب مصنع لإنتاج الطحينة أنتجت 25 طناً ولم أتمكن منذ شهرين وحتى الآن من بيع سوى سبعة أطنان في حين أنه في السنوات السابقة كنت أنتج وأسوق خلال الفترة ذاتها مئتي طن".
محاذير استمرار الوضع الراهن
من جهته وصف د. ماهر الطباع المهتم بمتابعة الشأن الاقتصادي إلى طبيعة الأوضاع المعيشية والاقتصادية الي يمر بها قطاع غزة عشية رمضان بالأشد سوءاً منذ عقود في ظل الحصار المشدد المفروض على القطاع للعام العاشر على التوالي واستمرار الانقسام الفلسطيني وتفاقم أزمات المواطنين إثر منع دخول العديد من احتياجات قطاع غزة من السلع والبضائع المختلفة وأهمها مواد البناء التي تعتبر العصب والمحرك الرئيسي للعجلة الاقتصادية في قطاع غزة والتي أدى منع إدخالها إلا وفق الألية الدولية لتعثر عملية إعادة الإعمار.
وبين الطباع أن معدلات الاستهلاك ترتفع من قبل المواطنين في شهر رمضان ما يشكل عبئاً اقتصاديا إضافياً على كاهل المواطنين محدودي ومعدومي الدخل, حيث تتضاعف المصاريف في هذا الشهر من خلال الموائد الرمضانية المختلفة، والتزاماتهم من النواحي الاجتماعية والعائلية وذلك في ظل تفاقم أزمة البطالة والفقر، حيث ارتفعت معدلات البطالة بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني ووفقاً لمعايير منظمة العمل الدولية إلى نسبة بلغت 41.2% في قطاع غزة وبلغ عدد المتعطلين عن العمل ما يزيد عن 200 ألف شخص في قطاع غزة خلال الربع الأول من عام 2016, ما يعد الأعلى عالمياً.
وقال الطباع: "يأتي شهر رمضان هذا العام على أهالي قطاع غزة في ظل وجود ما يزيد عن مليون شخص منهم دون دخل يومي واعتمادهم على ما يتلقونه من مساعدات إغاثية من وكالة الغوث «أونروا»، وجهات محلية وعربية ودولية, بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والفقر المدقع لتتجاوز 65%, كما ارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة لتصل إلى 72%".
وأشار الطباع بصفته مدير العلاقات العامة والإعلام في الغرفة التجارية لمحافظة غزة إلى ما شهدته أسواق غزة عشية رمضان من حالة كساد وركود في كافة الأنشطة الاقتصادية وأهمها القطاع التجاري الذي يعاني من ضعف في المبيعات نتيجة لضعف القدرة الشرائية لدي المواطنين حيث باتت الأسواق التجارية خالية ومهجورة من الزبائن.
وأكد أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيكبد التجار والمستوردين ورجال الأعمال خسائر فادحة في الفترة القادمة, خصوصاً من يتعاملون بالبضائع الموسمية الخاصة بشهر رمضان, ولن يستطيعوا تغطية مصاريفهم الجارية الثابتة نتيجة الانخفاض الحاد في مبيعاتهم اليومية.
واعتبر الطباع أن السؤال المهم الذي يراود المواطنين, هل سيأتي شهر رمضان القادم وقد تغير حال قطاع غزة للأفضل؟ سيما في ظل ما تؤكده كافة المؤشرات بأن قطاع غزة حالياً لم يعد على حافة الانهيار، بل دخل في مرحلة الموت السريري وأصبح المطلوب من المؤسسات والمنظمات الدولية الضغط الفعلي على إسرائيل لإنهاء حصارها لقطاع غزة وفتح كافة المعابر التجارية وإدخال كافة احتياجات القطاع من السلع والبضائع وعلى رأسها مواد البناء دون قيود وشروط.
ولفت الطباع في هذا السياق إلى ما طرأ من تغير ملحوظ على طبيعة استعدادات التجار التي غلب عليها طابع تقليص مشترياتهم بما يتلاءم وطبيعة الحركة الشرائية المحدودة وبما يتناسب مع فترة صلاحية السلع الغذائية خشية من كسادها بعد انتهاء شهر رمضان، هذا بالإضافة إلى ما فرضته طبيعة القيود الإسرائيلية المفروضة على العديد من التجار الذين حرموا مؤخراً من الحصول على تصاريح سفر للخارج للتعاقد على توريد كميات مختلفة من المواد الغذائية ما دفع العديد منهم إلى الاعتماد على تجار آخرين في توريد كميات محدودة من المواد الغذائية حفاظاً على تواجدهم في السوق.
المصدر: الحدث