هناك سر للنجاح نادرا ما تذكره حتى كتب الأعمال التجارية والمهنية.
إذا انتبهت إلى النابغين البارزين في مجال عملك، ربما لاحظت أن عددا كبيرا منهم قد عمل لدى مدير ناجح، وحتى أولئك الذين لم يفعلوا، ربما يكونوا قد عملوا مع شخص ما سبق له أن عمل لدى نفس ذلك المدير.
ويمكنني هنا أن أسمي هؤلاء المديرون رؤساءً متفوقين، وقادة استثنائيين، لأنهم يساعدون أشخاصا آخرين على إنجاز أكثر مما كانوا يعتقدون أنهم بوسعهم إنجازه.
إنهم أولئك الرؤساء الذين يرغب الجميع في العمل معهم، حتى قبل أن يصبحوا مشهورين، فهم نوع من الرؤساء الذين يفتحون الباب أمام فرص جديدة لن تعمل إلا على تسريع وتيرة التطور في حياتك المهنية.
إنني أتحدث عن قادة مبتكرين مثل رالف لورين في صناعة الأزياء الأميركية، وآرتشي نورمان في مجال البيع بالتجزئة البريطاني، ورافي فنكاتيسان في مجال المصارف والتكنولوجيا الهندية. لكنني أيضا أتحدث عن أناس في مجال عملك، من المديرين في المناصب المتوسطة والعليا الذين يبدو أنهم متصلون بأقران في العمل كانوا أكثر نجاحا من معظم الآخرين.
فكر في الموضوع لحظة واحدة، وعندما تضع في رأسك اسم ذلك المدير المتميز في مجال عملك، ستدرك سريعا أنه في كل مكان. وستجد أن عددا كبيرا من النجوم في هذا المجال أو ذاك يصنعون أسماء ساحرة في سيرتهم الذاتية.
وسيشير الناس إلى هذا الرئيس المتفوق، ويتعاملون مع الآخرين وكأنهم فشلوا في اختبار صغير إن لم يتعرفوا على ذلك المدير الذي يمثل مرجعا رئيسيا في تلك المهنة.
وتدريجيا، تدرك أن الاتصال بهذا الشخص، وبشكل خاص العمل لديه، يبدو أنه يضع الناس على المسار السريع لتحقيق النجاح. فربما عليك أن تمضي بعض الوقت معه، وإن لم تفعل، فلن تكون في وضع جيد على الدوام مقارنة بأولئك الذين كانوا على مقربة منه.
وقد يأتي الرؤساء المتفوقون من مجالات ودول مختلفة، ولكنهم جميعا يبحثون عن الشيء ذاته عندما يتعلق الأمر بالتوظيف. فكيف تقييم نفسك؟
الذكاء غير العادي
شيء واحد يبحث عنه جميع الرؤساء المتفوقين تقريبا بين كل المتقدمين لوظيفة جديدة، وهو الذكاء غير العادي.
كان نورمان برنكر يعتقد أن أهم جزء من إدارة سلسلة للمطاعم هو توظيف الأشخاص الأكثر ذكاء بقدر الإمكان. وبينما كان لورين – رمز الأناقة – يبحث عن نوع من "ذكاء" الموضة والأزياء، كان يريد لجميع العاملين لديه، حتى في أكثر الأدوار تواضعا، أن يتمتعوا بشعور خاص في التعامل مع كل ما يتعلق بالأزياء، وأن يكون بمقدورهم ذكر أشياء مثيرة للاهتمام تتعلق بالملابس.
أما لورن مايكلز، منتج البرنامج التلفزيوني الشهير "ساتردي نايت لايف"، فلديه قاعدة يكررها كل الوقت وهي: "إذا نظرت في أرجاء الغرفة ووجدت أنك أذكى شخص فيها، فأنت في الغرفة الخطأ. وإذا نظرت في أرجاء الغرفة وفكرت بقولك 'يا إلهي، هؤلاء الناس مدهشون'، فربما تكون في الغرفة الصحيحة".
كل الرؤساء تقريبا يركزون على أن يكون كل من حولهم ذكيا قدر الإمكان، وهم يختبرون ذلك ليس من خلال المقابلات فقط بل من خلال مراقبة الناس عن كثب خلال الفترات التجريبية في العمل.
الإبداع
السمة الثانية التي ستجعل الرئيس المتفوق يولي الاهتمام بأحد المتقدمين لوظيفة جديدة هي الإبداع.
الرؤساء المتفوقون لا يبحثون عن موظفين يفكرون بنفس الطريقة التي يفكرون هم بها. بل يبحثون عن موظفين، مثلهم، يستطيعون معالجة المشاكل من الأساس وبشكل مختلف. بل وأكثر من ذلك، يبحث الرؤساء المتفوقون عن موظفين يستطيعون فعليا الوصول إلى هدف ما مع الخط الأصلي لفكر المؤسسة، ويستطيعون تطبيق ما يعرفونه بطريقة خلاقة.
عندما يتحدث الرؤساء المتفوقون مع الموظفين المحتملين، فهم يريدون أكثر من أي شيء آخر معرفة طريقة تفكيرهم. لهذا السبب، عرف عن رؤساء متنوعين مثل برنكر ولاري إليسون وروجر كورمان الاستماع باهتمام عندما يتحدثون مع مرشحين لوظائف متوقعين أن يتعلموا هم شيئا جديدا.
عندما يصف الموظفون السابقون ممارسات التوظيف التي يتبعها الرؤساء المتفوقون، فإن التركيز على الإبداع قد يتخذ أشكالا عديدة، ولكن غالبا ما يكون علنيا. وقد أكد لي كلو، أحد أقرب شركاء جي تشيات، عملاق صناعة الإعلانات، أن "تشيات لم يوظف أصحاب السير الذاتية التقليدية، بل بحث عن أشخاص يفعلون الأشياء بإبداع".
وكان كلو، المشارك في إنتاج الإعلان الشهير عام 1984 الذي قدم حاسوب أبل ماكنتوش خلال بث مباراة السوبر بول الثامنة عشر للدوري الوطني لكرة القدم في الولايات المتحدة، كان هو نفسه مثالا لهذا المبدأ.
فقد حصل على وظيفته مع شركة تشيات من خلال القيام بحملة إعلانات غريبة، ولكنها على درجة عالية من الإبداع، كانت مكرسة كليا لفكرة أن على تشيات أن يتعاقد معه. فقد أنتج شعارات وتصاميم، وكان لديه ملصقات وقمصان صنعت خصيصا للحملة، واستخدم الرسائل والمكالمات الهاتفية، واستمر في إسماع شركة تشيات رسالته حتى وضعته على سلم الرواتب.
ولم يكن كلو لينجح في تحقيق ذلك لو لم تظهر حملة إعلاناته أيضا نوعية عالية الجودة. ولكن الذي أحدث الفارق الحقيقي كان التركيز على الإبداع.
المرونة القصوى
الشيء الرئيسي الثالث الذي يبحث عنه الرؤساء المتفوقون بين المتقدمين لوظيفة جديدة هو المرونة القصوى.
رغم أن الرؤساء المتفوقين غالبا ما يوظفون أناسا من ذوي الخبرات في مجالات معينة، إلا أنهم ليسوا دائما مهتمين بمتخصصين يستطيعون فعل شيء واحد فقط. بل يريدون نوعا من الذكاء يمكن استخدامه للتعامل مع العديد من المسائل المتنوعة الأخرى.
برنكر، على سبيل المثال، كان يعتقد أنه يجب على الأشخاص الموهوبين أن يكونوا قادرين على التعامل مع أي موقف. وقد استخدم أحد شركائه استعارة رياضية لوصف نهجه قائلا: "لم يكن نورمان من هواة توظيف الناس ليلعبوا على خط الدفاع الأول، على سبيل المثال، بل كان ما يريده فقط توظيف لاعب بيسبول جيد".
ورغم أن رئيس تحرير الصحيفة الأميركية جين روبرتس ساعد الموظفين على بناء خبرات في مجالات معينة، إلا أنه كان يعتقد أنه يتعين على كل صحفي وكاتب في مجال الأعمال أن يكون قادرا على تغطية القصص الإخبارية السريعة بغض النظر عن الموضوع.
وللتأكيد على تقديرهم للمرونة، يخصص الرؤساء المتفوقون للموظفين الجدد وظائف لا تمت بصلة كبيرة لخبراتهم ومؤهلاتهم السابقة. وكان يعرف عن روبرتس أنه يأخذ شخصا ما يعمل على تجهيز شرائط القصص المصورة ويجعله كاتب تقارير منوعة أو يعطي كاتب تقارير رياضية مهمة التغطية السياسية.
وكان بيل ساندرز، الممول العقاري ومؤسس مجموعة "سكيوريتي كابيتال"، ينقل الموظفين بانتظام إلى مناصب مختلفة في أقسام مختلفة من شركته. وكان منتج الأفلام كورمان يشغل الوظائف اللازمة لإنتاج الفيلم بأناس كان قد وظفهم لأداء وظائف مختلفة كليا. فالممثل جاك نيكلسون، على سبيل المثال، عمل لدى كورمان ككاتب ومخرج.
إن إصرار الرؤساء المتفوقين على توظيف أكثر الناس ذكاء وإبداعا ومرونة قدر الإمكان هو أمر أساسي في طريقة تفكيرهم في المواهب والنجاح. لذا فإن العمل مع رئيس متفوق قد يكون لعبة تغير حياتك المهنية بالكامل. والآن، فأنت تعلم ما يجب عليك فعله للوصول إلى ذلك الهدف.
بي بي سي