يتوالى سقوط المصائب على رؤوس الفلسطينيين في قطاع غزة، فرادى وجماعات، إذ لا يتجاوز «الغزيون» أزمة أو محنة إلا وجاءت بعدها، أو تزامنت معها، اخرى.
ويشعر الفلسطينيون، في معظمهم، بأنهم «مخنوقون» و»مسجونون» داخل سجن صغير يُسمح لهم بالتنقل داخله وقتما شاؤوا وكيفما شاؤوا، لكن لا يُسمح سوى لعدد قليل جداً منهم بمغادرة القطاع لـ «النزهة» أو «الهجرة».
ومع أن بعض الأزمات يتلاشى لفترة من الزمن قبل أن يعود أشد وأكثر استفحالاً، إلا أن هناك أزمات لا يجد «الغزيون» لها حلاً مهما طال الزمن، فينطبق عليها قول الإمام الشافعي: «محن الزمان كثيرةٌ لا تنقضي... وسرورها يأتيك كالأعياد».
وتعتبر أزمة انقطاع التيار الكهربائي واحدة من أزمات عدة عمرها من عمر الانقسام والحصار الإسرائيلي المحكم على القطاع، وترافق الفلسطينيين منذ عشرة أعوام.
وعلاوة على ذلك، فإن أزمة حرية الحركة والحق في التنقل الحر لا تجد مخرجاً في ظل صمت النظام السياسي الفلسطيني وطرفي الانقسام، وعدم تحركهما في شكل جاد لإيجاد حلول لها، خصوصاً مع دولتي الجوار، مصر والأردن.
وفيما تغلق مصر معبر رفح الحدودي منذ ثلاث سنوات في شكل شبه دائم، فإن الأردن شدد إجراءاته وقيوده المفروضة على دخول «الغزيين» ألى أراضيه.
وتسمح مصر لأربع فئات من «الغزيين» بدخول أراضيها في حال فتحت المعبر، هم المرضى الحاصلون على تحويلات طبية من وزارة الصحة الفلسطينية مغطاة مالياً، والطلاب الدارسون في جامعات عربية وأجنبية، وحملة جوازات السفر المصرية والأجنبية، ومن لديهم تنسيق مسبق يخوّله الدخول صادر عن جهة أمنية أو سيادية مصرية.
وعلى رغم أن الأردن وضع شروطاً أقل تعقيداً نسبياً، إلا أن الأمر تغير جذرياً منذ مطلع العام الحالي، إذ قلص عدد الأذونات الخاصة التي يمنحها عادة لـ «الغزيين»، والتي يطلق عليها «عدم الممانعة»، إلى أدنى مستوى ممكن، ما حرم الآلاف من السفر.
ويواجه «الغزي» المحظوظ، بمن فيه المولود أو المقيم في الضفة الغربية، الذي يحصل بطريقة عادية أو بالواسطة على «عدم ممانعة» تخوّله دخول الأردن، الى تصريح من سلطات الاحتلال الإسرائيلي تخوّله اجتياز حاجز بيت حانون «إيرز» في مرات نادرة، نظراً إلى الحصار المحكم وفرض قيود على حرية الحركة، خلافاً للقانون الدولي.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية «أوتشا» في تقرير إن أكثر من 30 ألف شخص في قطاع غزة، ينتظرون السفر عبر معبر رفح، من بينهم تسعة آلاف و500 حالة طبية (مريض)، اضافة الى ألفين و700 طالب. وأوضح أن «السلطات المصرية فتحت معبر رفح الأربعاء والخميس قبل الماضي، في شكل استثنائي، لمدة يومين فقط، بعد 85 يوماً من الإغلاق، وهي أطول فترة إغلاق من نوعها منذ عام 2007». وأضاف: «تم السماح لـ 739 فلسطينياً بالخروج من القطاع، فيما عاد 1220، وهناك أكثر من 30 ألف شخص، بينهم 9500 حالة طبية، و2700 طالب، ينتظرون عبور الحدود».
وأعادت السلطات المصرية إغلاق معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة الجمعة الماضية عقب فتحه استثنائياً مدة يومين في كلا الاتجاهيْن لسفر الحالات الإنسانية، وعودة العالقين من الخارج.
ومن المفارقات المؤلمة أن يتنقل أكثر من 364 ألف مسافر عبر معبر الكرامة (جسر اللنبي) في الربع الأول من العام الحالي، وبزيادة قدرها 15 في المئة تقريباً مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، فيما لم يتمكن سوى بضع مئات فقط من «الغزيين» من مغادرة القطاع عبر معبر رفح.
ويخشى مسؤولون ومنظمات دولية من خطر تجدد الصراع المسلح والعدوان على قطاع غزة في حال استمر «خنق» مليوني «غزي» وحبسهم داخل سجن صغير لا تتجاوز مساحته 360 كيلومتراً مربعاً.
وجدد المفوض العام لـ «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) بيير كرينبول مطالبته بـ «معالجة الأمور الكامنة وراء الصراع ورفع الحصار، ومن دون ذلك أخشى العودة إلى العنف». وقال في مقابلة مع وكالة «شينخوا» الصينية أخيراً إن هناك «حاجة إلى التحرك السياسي للتعامل مع الأسباب الكامنة وراء عدم استقرار (أوضاع) الفلسطينيين. نحن في حاجة إلى إنهاء الاحتلال والحصار (الإسرائيلي) المفروض على قطاع غزة». وشدد على أنه «يجب أن يسترد الفلسطينيون حقوقهم السياسية والاقتصادية، وأن يتم احترامها، بما فيها حق تقرير المصير، وصولاً إلى دولة قائمة تعمل في شكل كامل».
الحياة