فلنبحث عن ملح فلسطين
ABRAJ: 2.08(%)   AHC: 0.80(%)   AIB: 1.25(%)   AIG: 0.19(0.00%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.29(0.00%)   AQARIYA: 0.82(%)   ARAB: 0.80(%)   ARKAAN: 1.34(0.75%)   AZIZA: 2.47(2.37%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.50(0.00%)   BPC: 3.90(0.26%)   GMC: 0.80(%)   GUI: 2.12(%)   ISBK: 1.30(%)   ISH: 1.00( %)   JCC: 1.78(3.78%)   JPH: 3.70( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.71(%)   NAPCO: 0.99( %)   NCI: 1.67(0.00%)   NIC: 2.93(0.34%)   NSC: 3.07( %)   OOREDOO: 0.76(1.33%)   PADICO: 1.02(0.97%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 4.20(0.00%)   PEC: 2.84(7.49%)   PIBC: 1.08( %)   PICO: 3.39( %)   PID: 1.93( %)   PIIC: 1.80( %)   PRICO: 0.30(0.00%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.14( %)   RSR: 4.51( %)   SAFABANK: 0.72(4.35%)   SANAD: 2.20( %)   TIC: 2.95( %)   TNB: 1.24(0.80%)   TPIC: 2.00( %)   TRUST: 3.00( %)   UCI: 0.43(0.00%)   VOIC: 7.12( %)   WASSEL: 1.07( %)  
12:00 صباحاً 11 كانون الأول 2014

فلنبحث عن ملح فلسطين

سهيل خلف

بقلم: سهيل خلف
في 13 أبريل عام 1919م، اجتمع عشرات الألوف من الهنود، رجالاً ونساءً وأطفالاً، في مكان يدعى "جاليونا لألاباغ" فهاجمهم الإنجليزي الجنرال داير، فقتل ستمائة وجرح الاّلاّف، وساق ألوف الرجال إلى السجون، عندئذ، أعلن غاندي خطة اللاتعاون مع الإنجليز، حتى يرضخوا ويعيدوا إلى الهند حقها.

في 12 مارس عام 1930م، قرر غاندي دعوة الشعب الهندي إلى "مسيرة الملح"، والتي استغرقت أربعة وعشرين يوماً، وكانت تهدف إلى تحدي احتكار الحكومة الإنجليزية استخراج الملح الذي كان الهنود يستهلكونه بكميات كبيرة، كما كانوا يفرضون على الهنود ضرائب باهظة مقابل الملح، وبدأ غاندي مسيرته حيث انطلق نحو البحر، ودعا الشعب الهندي للخروج معه ليستخرجوا الملح، وليمارسوا العصيان المدني بكسر قوانين الاحتكار تلك، وقد قطعوا خلال هذه الأيام مسافة 380 كيلو مترا، وقاموا بالهجوم على مصانع ومراكز إنتاج الملح واحتلالها سلمياً. وصادروا الملح الذي كان بحوزة تلك الشركات الحكومية. وأدت هذه المسيرة إلى انطلاق الثورة العارمة اللاعنفية، فقاطع الهنود الملابس الأجنبية، وهجر الطلاب المدارس الحكومية، بالإضافة إلى الاستقالات الجماعية من قبل موظفي الحكومة وأعضاء المجالس والجمعيات التشريعية، كما تم مقاطعة المصالح الحكومية المختلفة، بالإضافة إلى شركات التأمين الأجنبية والخدمات البريدية والتلغرافية، وقد رفض الكثير من المواطنين دفع الضرائب المستحقة عليهم. 

لم تكن المفاوضات تعني غاندي كثيراً، بل إن أكثر ما أسعده هو أن هذه القوة التي أظهرها الهنود في مواجهة الاحتلال جعلت الاستقلال الكلي عن بريطانيا أمراً ممكناً، وجعلت المفاوض الهندي يجلس في موقع الندية -إن لم يكن موقع القوة- مع نائب الملكة البريطاني، وهو ما تحقق بالفعل، إذ حصلت الهند على استقلالها عن التاج البريطاني عام 1947. 
أنفتقد نحن هذه القدرة؟

محلات تجارية منتشرة هنا وهناك، ذلك يبيع الملابس، وآخر يبيع المواد الغذائية، وهناك محلٌ يبيع المحروقات وما شابه، وأرى بالطرف الاّخر صيدلية وبجوارها محل لتسديد فواتير الكهرباء، الشوارع تعج بالمشترين، ماذا يشترون؟ هل هناك من يراقب ذاك السوق؟ أيحتوي منتجات إسرائيلية؟ فكرت ليوم، من المستفيد الأكبر من إغراق التعامل مع المنتجات الإسرائيلية؟ تجتاحني حيرةُ لا نهاية لها، إلى أي حدٍ أصبح بعضنا جُهلاء، نأكل ونشرب ونرتدي ملابس، ولا نعلم في غالب الأحيان من وراء كل تلك السلع، والكارثة الأكبر أن نعلم أن المنتج إسرائيلي، فنشتريه، بل لا نكتفي بذلك، فنقوم بالبحث عنه من بين السلع التي تملأ الأسواق.

وراء عظمة كل دولة اقتصادها، تكتفي ذاتياً، وتبدأ بالتصدير ليكتسح منتجها الأسواق بجودته، وتفرض الدولة نفسها وتفرض سياساتها. فهل نحن عاجزون عن تحطيم القيود الاقتصادية التي يفرضها المحتل علينا، وفرضه لمنتجاته على أسواقنا، بالرغم من تصديره لنا الأقل جودة من منتجاته، فأصبحنا الداعمين الرئيسيين لاقتصاده؟ هل باتت فكرة المقاطعة شبه مستحيلة؟ لماذا أصبح إيمان البعض بذاته مشلولا، فأقنعوا أنفسهم بأنهم غير قادرين على أخذ موقف صارمٍ موحدٍ نحو مقاطعة بضائع المحتل.

توجهت إلى عضو حزب الشعب، وأحد رواد حملات المقاطعة في محافظة نابلس، خالد منصور، وسألته عن أهم المعيقات التي تحول دون تفعيل مقاطعة البضائع الإسرائيلية، فكانت الإجابة تتراوح بين إلقاء اللوم على المستهلك الفلسطيني الذي ينظر بعين الشك إلى جودة المُنتج الوطني، بين نقص الوعي لدى التاجر والمستهلك الفلسطيني، فضلا عن غياب الدور الفاعل للسلطة.

وقد طرحت سؤالاً على حسابي الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ألا وهو: برأيكم ما دور السلطة الوطنية في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية؟ فكانت الإجابات كما يلي:
مدير وزارة الشؤون الاجتماعية في قلقيلية، محمد سلمان يقول: "أتمنى الانعتاق من اتفاقية باريس الاقتصادية التي يتذرع بها الرسميون كلما طرح موضوع مقاطعة البضائع الإسرائيلية، ولكن الأهم، والذي له الأثر الحاسم، هو مقاطعة الشعب وقواه الحية لتلك البضائع، وتحريم التعاطي بالمنتوج الإسرائيلي شرعيا ووطنياً، وتوافر ثقافة المقاطعة أمر مهم، وليس مستوعباً أن يستهلك شعب مناضل، كالشعب الفلسطيني، ما قيمته 4.5 مليار دولار سنويا من الاقتصاد الإسرائيلي!".

ويضرب سلمان مثلاً من تجربة الشعب الياباني حيث يقول: "الحكومة اليابانية لديها اتفاقات اقتصادية استراتيجية مع الولايات المتحدة، ولكن الميزان التجاري يميل لصالح اليابان، والسبب هو أن ثقافة الفرد الياباني لا تسمح له باستهلاك غير المنتوج الياباني، وهو ما تسبب بأزمة ثقة حادة بين البلدين بلغت ذروتها ايام ادارة كلينتون".

أما أستاذ اللغة الإنجليزية في مدرسة ذكور كفر جمال الثانوية محمد شفيع، فيقول إن دور السلطة يمكن ان يكون بتقييد التاجر الوكيل للبضائع الإسرائيلية من توريد تلك المنتجات بدلا من مناشدة واستجداء التاجر البسيط والمستهلك.
المواطن أسامة حمدان من جهته يقول أن السلطة تتحمل جزءا من المسؤولية في مقاطعة البضائع الإسرائيلية، والشعب يتحمل جزءا أكبر، فقبل الحديث عن المنتوج الإسرائيلي وضرره على المنتوج الوطني، يضيف حمدان، هناك جرائم تتم أمام كل العيون، وهي جرائم تهريب الاغذية واللحوم والأدوية الفاسدة، والتي هي أخطر من استيراد البضائع الإسرائيلية التي تصلح للاستخدام، فلا رادع حتى الآن لهذه الجرائم، أما بالنسبة للاستيراد من بإسرائيل فإن هناك تجارا لا يخضعون للمساءلة، حتى من الدوائر الرسمية في السلطة.

مدير مكتب بلدية الكفريات في طولكرم محمد خضر يقول إنه يقوم حاليا بكتابة بحث عن هذه القضية، وعن تجربة الشعب الكوري فيما يعرف حديثا بمصطلح "الوطنية الاقتصادية"، ويؤكد أن المسألة هي مسألة ثقافة جمعية، فقد وصلت الصادرات إلى ضعفي الواردات في كوريا في غضون 15 عاما، واتُهمت الحكومة الكورية بعدم احترام اتفاقية التجارة الحرة، ولإثبات عدم صحة هذا الادعاء قامت الحكومية الكورية بإعفاء السيارات اليابانية من الجمرك، وكانت النتيجة بيع 307 سيارة يابانية فقط خلال عام واحد، مقابل تصدير 3 مليون سيارة هونداي إلى اليابان. 
أما نائب رئيس بلدية الكفريات، عبد الغني مرشد فيقول: "أنا اعتقد الدور الأساسي يقع على عاتق الشعب وليس للسلطة".

لقد جاءت اتفاقية باريس لتنظم العلاقات الاقتصادية بين فلسطين وإسرائيل، لتضع لنا الحجج والمبررات بأن تلك الاتفاقية المجحفة هي التي تعيق عملية مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ولكن، ألسنا قادرين على المقاطعة الكاملة لمنتجات المستوطنات على الأقل؟ فلماذا لا نبدأ بذلك؟ وبكل أسف، يمكن القول أن العديد من الدول الأوروبية اتخذت مثل هذه الخطوة، وتخلفنا نحن، أصحاب القضية، عن هذه ذلك.

ربما لا نبالغ إذا قلنا إننا جميعنا مقصرون بلا استثناء، ابتداءً من السلطة، إلى التنظيمات والأحزاب السياسية، إلى الكثير من المؤسسات الأهلية والوطنية، إلينا نحن أبناء هذا الوطن، جميعنا مسؤولون، ولا يعفينا أن نلقي اللوم على بعضنا البعض، فلتبدأ السلطة باتخاذ الإجراءات الازمة للحد من استهلاك البضائع الإسرائيلية بشكلٍ جدي، ولتبدأ تنظيماتنا ومؤسساتنا بتحمل مسؤولياتها والقيام بالحملات التوعوية، ولنبدأ نحن بإخلاء بيوتنا من تلك المنتجات.

إن من يقدم لك الموت لن يهب لك الحياة، قاطع المنتج الإسرائيلي، وادعم المنتج الوطني، ولا تستهن بقيمة الشيكل الواحد، فهو ثمن رصاصة تقتل طفلة، أو قنبلة تصيب ثائرا، إن المقاطعة واجبٌ وطني وديني وأخلاقي، ولنقف جميعنا وقفة جادة، ولنبحث عن ملح فلسطين، ولنخط الخطوة الأولى نحو تحرير أرضنا، فنحن الشعب الوحيد الذي يدعم احتلاله.

  خاص بصفحة اقلام من جامعة النجاح

 
Loading...