ليس سرا أن السمنة تشكل تحديا صحيا كبيرا في هذه الأيام ، وقد ازداد هذا التحدي باطراد على مدى العقود القليلة الماضية.
في فترة سابقة اعتقد الخبراء أن سبب هذا المرض بسيط: استهلاك الكثير من السعرات الحرارية + نمط الحياة المستقرة = الوزن الزائد.
ولكن كما اتضح، فان الأسباب وراء زيادة الوزن هي أكثر بعداً من ذلك. وبطبيعة الحال، فان تناول الطعام وممارسة التمارين الرياضية يلعبان دوراً حاسماً. ولكن وفقا لدراسة حديثة من جامعة يورك في تورنتو: الوزن الزائد هو في الواقع أكثر تعقيدا بكثير من اختزاله بالطاقة الداخلة للجسم و الخارجة منه.
إن نمط الحياة والعوامل البيئية قد تكون المفتاح لمعرفة لماذا أصبح الحفاظ على وزن الجسم الصحي هو الآن أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
عوامل غير الحمية و الرياضة ممكن أن تؤثر على مؤشر زيادة كتلة الجسم ( BMI)
الهدف من هذه الدراسة كان تحديد ما إذا كانت العلاقة بين السمنة وعوامل الصحة الثلاثة : مجموع السعرات الحرارية المستهلكة وكمية ممارسة الرياضة البدنية و استهلاك (البروتين، والدهون، والكربوهيدرات) لم يتغير على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ولتحقيق ذلك، تم استعراض البيانات الغذائية بين عامي 1971 و 2008، بالإضافة الى بيانات عن ممارسة الرياضة ل 14419 شخص بين عامي 1998 و 2006. وكما اتضح فيما بعد، كانت جميع العوامل الثلاثة متساوية.
فالفرد في عام 2006 تناول نفس الكمية من الدهون والبروتين والكربوهيدرات واستهلك نفس كمية السعرات الحرارية لفرد آخر من نفس الفئة العمرية في عام 1988.
و مع ذلك هذا الفرد في عام 1998 كان أنحف من الفرد في عام 2006، أي أن مؤشر كتلة الجسم للأفراد في عام 2006 أعلى ب 10% من الأفراد في عام 1998.
وخلصت الدراسة أن هناك عوامل أخرى غير النظام الغذائي والنشاط البدني يمكن أن تسهم في زيادة مؤشر كتلة الجسم مع مرور الوقت.
على الرغم من أن الدراسة لم تتحرى بدقة العوامل المحتملة الأخرى، إلا أنها اقترحت بعضاً من هذه الأسباب :
التعرض للسموم البيئية
نحن نتعرض يومياً للمئات من المواد الكيميائية ، من هذه المواد المعروفة: الشامبو، والأثاث والمواد الغذائية وتغليف المواد الغذائية والبلاستيك ومواد البناء، والمنظفات المنزلية.
من بين تلك المواد التي ارتبطت مع السمنة هي مواد كيميائية تؤدي الى اختلال في الغدد الصماء والتي تشمل ثنائي الفينول (أ) (BPA) والفثالات، والتي توجد بشكل خاص في صناعة البلاستيك ومنتجات العناية الشخصية.
بالرغم من أن هذه المواد الكيميائية مننتشرة في عالمنا المعاصر، إلا أن هناك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها لتجنب التعرض لها ، مثل استخدام الآنية من الزجاج والستانلس ستيل بدلا من البلاستيك، واختيار منتجات التجميل الطبيعية.
التغيرات في البكتيريا داخل أجسامنا
تشير الدراسة الى أن التغييرات في مجموعات البكتيريا والكائنات الدقيقة الأخرى التي تعيش في وعلى أجسامنا قد يكون لها دور في ظهور السمنة. بالرغم من أن الدراسة ما زالت قائمة إلا أن هذه التغييرات قد تكون ذات صلة بتزايد استخدام المحليات الصناعية والأغذية المصنعة، وكلاهما له تأثير سلبي على البكتيريا في الأمعاء.
في الواقع، فقد اثبت الخبراء وجود علاقة وثيقة بين كائنات القناة الهضمية، والسمنة، ومقاومة الأنسولين، و يأمل الخبراء بفهم المزيد عن هذه العلاقة لمكافحة السمنة.
وهذا سبب إضافي لتناول أطعمة بروبيوتيك ( البكتيريا المفيدة ) والتفكير بتناول مكملات غذائية تحوي البكتيريا المفيدة.
استخدام مضادات الاكتئاب
لقد ارتفع استخدام مضادات الاكتئاب ما يقرب من % 400 منذ عام 1988، والآن 11 % من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 12 سنة وما فوق يأخذون واحدأً على الأقل من هذه الأدوية.
زيادة الوزن، من بين أمور أخرى، من الآثار الجانبية لهذه الأدوية، خاصة مثبطات امتصاص السيروتونين الاختيارية مثل سيليكسا و ليكسابر و باكسيل و بروزاك وزولوفت.
في الواقع، ما يصل الى ربع الأشخاص الذين اخذوا مضادات الاكتئاب ازداد وزنهم على الأقل 5 كغ.
التوتر المزمن والكورتيزول
التوتر له تأثير كبير على الصحة، مما يؤدى إلى سلوكيات غير صحية مثل الإفراط في تناول الطعام. وفقا لتقرير جمعية علم النفس الأمريكية عام 2012، تشير المعطيات إلى أن "المجتمع على شفا أزمة صحية عامة يسببها التوتر".
والقلق الأكبر خاصة على الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة أو الاكتئاب.
العلاقة بين التوتر والسمنة تكمن أساسا في الهرمونات وخاصة هرمون الكورتيزول أي هرمون التوتر.
عندما تبقى مستويات التوتر مرتفعة، فان مستويات الكورتيزول تكون مرتفعة أيضاً، والتي يمكنها زيادة شهيتك.
ان الأكل العاطفي و الإنتقال للأطعمة غير الصحية عندما تواجه التوتر أو الإجهاد أو القلق أو الاكتئاب يمكن أن يصبح جزءا من نمط الحياة.
قلة النوم
أظهرت الأبحاث أن هناك علاقة واضحة بين قلة النوم والسمنة .
أحد هذه الدراسات قيمت بيانات ل13742 من البالغين و ركزت على ساعات نومهم و وزنهم.
وجد الباحثون أن الأشخاص الذين ينامون 6 ساعات أو أقل كانوا أكثر عرضة للسمنة والبدانة في منطقة البطن من الأشخاص الذين ينامون من سبع إلى تسع ساعات في الليلة.
ويشير استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب مؤخرا أننا نحصل على ساعات نوم في اليوم أقل مما كان أقراننا في أربعينيات القرن الماضي.
انخفاض عملية الأيض الغذائي
مكافحة زيادة الوزن يمكن أن تصبح حلقة مفرغة لكثير من الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن ويحاولون ضبط السعرات الحرارية لفترة من الوقت ثم يفشلون ثم يحاولون مرة أخرى وهذا يؤدي لدورة زيادة و خسارة وزن متكررة.
دورة الوزن هذه يمكن أن تؤدي إلى انخفاض في معدل الأيض، وهي عقبة كبيرة لمن يحاول إنقاص وزنه والحفاظ عليه.
أضف إلى ذلك حقيقة أن الأنسجة السمينة تتطلب طاقة أقل للحفاظ عليها من الأنسجة النحيفة، وهذا عامل آخر يسهم في البدانة.
الوزن المنشود
ماذا يمكنك أن تفعل للوصول الى وزنك المنشود
تشير النتائج في جامعة يورك أنك تحتاج إلى تناول كميات أقل من السعرات الحرارية وممارسة الرياضة أكثر من أقرانك في السن نفسها قبل ثلاثة عقود. ولكن يمكن أن تساعد نفسك على محاربة السمنة من خلال التركيز على عدد قليل من الأمور الأخرى:
• تجنب السموم البيئية قدر الإمكان باستخدام مواد العناية الشخصية ومواد التنظيف المنزلية العضوية والطبيعية.
• تجنب استخدام كريمات وعطور الحلاقة، وغيرها من المنتجات العطرية الصناعية.
• اختر الأغذية العضوية كلما كان ذلك ممكنا، بما في ذلك، لحوم الحيونات التي تأكل العشب فقط والخالية من الهرمونات .
• استخدم الزجاج والستنانلس ستيل بدلا من الحاويات البلاستيكية لتخزين المواد الغذائية .
• اشتري فقط منتجات البلاستيك الخالية من مادة BPA
• احصل على سبع إلى ثماني ساعات من النوم كل ليلة.
• طبق أساليب التعامل مع الضغوط اليومية، مثل التأمل والاسترخاء التدريجي، التنفس العميق، اليوغا، تاي تشي، أو التصور.
• ادعم البكتيريا في جسمك عن طريق تجنب المحليات الصناعية والأغذية المصنعة، وتناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك لدعم البكتيريا المفيدة في الأمعاء .
• التحدث مع المسؤول عن رعايتك الصحية عن بدائل لمضادات الإكتئاب المعتادة، أو أي أدوية أخرى يمكن أن تسهم في زيادة الوزن وتشمل حاصرات بيتا، الستيرويدات القشرية، أدوية السكري، ومعدلات المزاج.
ليس هناك حل بسيط للحفاظ على وزن صحي، و كذلك يبدو أن المسألة أكثر تعقيدا من تناول كميات طعام أقل وممارسة رياضة أكثر .
الأطباء و خبراء الصحة يحتاجون للتعمق أكثر في أنماط الحياة المتصلة بالوزن لكي يستطيعوا اعطاء مشورة أفضل لمرضاهم.
ويجب أن نفهم أن الصحة الحقيقية ليست بالوصول لنسبة 9% من دهون الجسم أو الحصول على عضلات المعدة البارزة الستة.
الصحة الحقيقية أن تعمل أجهزتنا العقلية والجسدية والهرمونية والجنسية، والجهاز الهضمي بتوازن وانسجام، هذا ما يجب علينا السعي اليه.
وكالات