تلعب الفروق الاجتماعية الناتجة عن اختلاف الحالة الاقتصادية للعائلات، دورا كبير في سلوكيات وتصرفات الأطفال وعلاقتهم بأقرانهم سواء داخل الحي الواحد أو في المدرسة أو حتى داخل العائلة الواحدة، حيث يشكل العامل الاقتصادي محركاً أساسيا للحياة ومتطلباتها، والتي تكاد تكون معدومة لدى العائلات الفقيرة، وهو ما تنعكس آثاره سلباً على نفسية الأطفال ويخلق حواجز كبيرة بينهم.
وتختلف الحالة الاقتصادية بين الكثير من العائلات الفلسطينية، فمنهم من يعيش حياة صعبة أو متوسطة الحال, ومنهم من يعيش حياة الرغد والترف، وهو ما يؤثر على نفسية الأطفال الفقراء ويجعلهم يشعرون دائماً بالحرمان وأنهم أقل من الآخرين، فينبت داخلهم الكره والإحساس بالغيرة الحاقدة، ويتسبب في عزلة وانطواء بعضهم، لعدم مقدرة ذويهم على توفير ابسط احتياجاتهم مقارنة بأقرانهم، وقد يمتد هذا التأثير ليحدث شرخاً في الترابط الاجتماعي فيما بينهم وينتج تراكمات سلبية تؤثر عليهم في الكبر.
الطفل صهيب أحمد (12 عاما) من سكان منطقة الشمالي غرب مدينة غزة، يدرس المرحلة الابتدائية في إحدى مدارس "الأونروا" البعيدة عن المنطقة التي يقطن بها، أوضح أنهم يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة, ووالده لا يعمل، وهو ما حرمه من أشياء كثيرة يحبها، وجعله يشعر أنه أقل من أصدقائه في كل شيء.
ويقول أحمد لـ"الاستقلال": "أصدقائي في المدرسة دائما يشترون الساندوتشات والحلويات والسكاكر وقت الفسحة وأنا أنظر إليهم ولا استطيع أن أعمل مثلهم لأن والدي لا يعطيني مصروفاً"، مضيفاً أنه بالرغم من بعد المسافة من بيته إلى المدرسة الا أنه يأتي ويعود يومياً مشياً على قدميه بخلاف أصدقائه الذي يقطنون بجانب المدرسة وتأتي سيارة خاصة لتوصيلهم إلى منازلهم، وهو ما يجعله يتمنى دائماً أن يكون مثلهم وأن يعيش نفس الحياة التي يعيشونها.
وبين أنه يخجل من نفسه كثيرا عندما يقوم أصدقاؤه بجمع النقود وشراء ما يلزمهم من المقصف, وهو غير قادر على دفع القليل, مما جعله يمتنع عن حضور الفسحة ويفضل البقاء في الصف, لافتاً إلى أنه طلب من والده بعض الأغراض حتى يكون مثلهم إلا أنه بدأ بالصراخ وقام بضربه وطالبه بعدم النظر لأي أحد من أصدقائه.
تذمر واستياء
ولم يختلف حال حسن محيسن ( 17 عاما ) من سكان حي الدرج كثيرا عن سابقه والذي يعود كل مرة متذمرا بعد زيارة أصدقائه الذين يقطنون في الحي القريب منهم, بسبب وضعهم الاجتماعي المترف، وحال منازلهم الجيدة والذي يفوق حال منزل عائلته التي لا تمتلك الأثاث الفاخر والمساحات الكبيرة المزروعة بالورود أمام المنزل, والضيافة الفخمة عند زيارة أحد لهم.
ويقول محيسن: "نفسيتي تعبت كثيرا من الحاجة, ونقص العديد من المستلزمات, فدائما أقارن وضعنا بوضع أصدقائي فهم يعيشون عيشة كريمة وهنيئة ولا ينقصهم أي شيء, أما أنا فأعيش في منزل ضيق أثاثه قديم, وحتى لا أتحسر على ما أراه امتنعت من الذهاب لبيت صديقي وأصبحت ألاقيه في أماكن عامة".
رغد ورفاهية
وعلى النقيض من الحالات السابقة محمود حرب ( 14 عاما ) يقطن في منطقة الشيخ رضوان وسط مدينة غزة, ولم يؤثر فيه كثيرا الوضع الاقتصادي الذي تعيشه أسرته, وعدم قدرة والده على تلبية العديد من رغباته وإخوته، مقارنة مع أسر أصدقائه الذين يعيشون في رغد ورفاهية كبيرة وكافة طلباتهم ملباة .
ولفت حرب إلى أن لديه قناعة بأن الله أعطاه الذكاء الخارق الذي لا يمتلكه الكثيرون والتفوق الكبير الذي يحصل عليه كل عام, خاصة أصدقاءه في المدرسة, وما يهون عليه الأمور هو دعم والديه له بأن كافة الصعوبات ستزول وأن الحياة لا تبقى كما هي, فالله دائما يغير الحال, منوها إلى أنه يطمح لأن يتميز بشكل أكبر ويتغلب على وضعهم يوما ما بدراسته وتفوقه.
تأثير كبير
الأخصائي الاجتماعي زهير ملاخة، أكد أن الفروق الاجتماعية لها تأثير كبير على نفسية الأطفال, خاصة عندما تكون مرتبطة بالوضع الاقتصادي, لأنها من ناحية عملية توفير مقومات وكماليات الحياة بشكل سهل ومرن, فمن يكون وضعه الاقتصادي جيد يأخذ فرصته في تطوير المهارات كالثقة بالنفس والمواهب وتوفير الاحتياجات .
وقـال ملاخه لـ"الاستقلال "، "على عكس الطفل الذي تكون ظروفه الاقتصادية بسيطة أو متردية, وتكون مميزات الوالدين الثقافية والتعليمية منخفضة, فبالتالي تكون فرصته أقل في نيل ما يريده من احتياجات، وتجعله يعتمد على نفسه في عملية التعلم وتطوير الشخصية في الكبر", مبيناً أن أكثر الفروق التي تؤثر بشكل كبير على نفسية الطفل هي العنصر البشري وخاصة الوالدين.
وأضاف: "إذا كان الوالدان متعلمين ووضعهما الاقتصادي جيداً ومنسجمين ولديهما خبرة كبيرة بالتربية السليمة فسوف يكون مشوارهما مع أبنائها إيجابياً وسوف يكونان قادرين على إيصالهم لبر الأمان وبناء شخصياتهم بشكل صحيح بما يتلاءم مع أوضاع البيئة التي يعيشون فيها, أما إن كان العكس فسوف يكون التأثير سلباً على الطفل فقد يؤدي به إلى الانطواء والعزلة ويجعله غير متفاعل ويعاني من كبت داخلي".
مواجهة الفارق
وبين أنه من الممكن أن لا يكون تأثير الفارق الاقتصادي سلبياً على نفسية الأطفال في حال كان الولدان متفهمين وقاما بدعمهم لمواجهة هذه العقبات التي يواجهونها، لأنه كثيرا ما يكون هناك أشخاص يمتلكون الأموال ولكن لديهم مشكلة في القيم الأخلاقية ومستوى التفكير والانسجام, وبالتالي المال لا يجدي نفعا في هذه الحالة .
وعن طرق تعامل الوالدين مع الأطفال لمواجهة الفارق الاقتصادي؛ أشار إلى ضرورة التعامل معهم بشيء من الانتماء والإعجاب والاعتزاز بالنفس والعاطفة, لأنه سيجعل الطفل يبحث عن جوانب أخرى يواجه بها هذا الظرف كالمواهب أو التحصيل الدراسي رغم وجود أطفال أفضل منه بجوانب أخرى.
ونصح الآباء والأمهات بضرورة إشعار أطفالهم بالمودة ةالحميمية, وغرس التوافق والتكيف على مواجهة الحياة من صغرهم, حتى يولدا فيهم طاقة رائعة لحب التميز والتفوق, وليستطيعوا أن يقبلوا على الحياة بأمل حتى وإن لم يكونوا فاهمين للمعاني بشكل مجرد, يمكنهم الإحساس بها, وتذويب نظرة التعامل بحسب الفروق والتعامل بنظرة الإنسان للإنسان منذ الصغر.
الاستقلال