لا يكاد الفجر يلبس معطفه ويستعد للرحيل حتى تشرق شمس الشتاء الخجولة فتخرج معها عربات الكوارع والمقادم في الخليل، تحمل في جعبتها أكلة شعبية تزخر بإقبال جماهيري كبير تتربع فيه على الأرصفة وتنصب موائدها، ويبادر أصحابها بتلبية طلبات المواطنين ليعانق البخار المنبعث من صحون طعامهم المسكوب برد الشتاء، لا سيما بازدياد الطلب عليها في هذا الموسم .

منتصر شاهين(29 عاماً) واحد ممن يمتلكون تلك العربات، يعد عتاده ليلا فيحضر مكونات وجبته يقطعها وينظفها ويستيقظ فجرا ليطهوها وينطلق صباحا ليبيعها، ويقول (باتت هذه الأكلة تشكل جزءا من عادات الناس وطقوسهم، فكثير من شرائح المجتمع من يقصدون عربتي يتناولون فطورهم من الأصناف التي أعدها من فشة وكبدة وطحال وغيرها، ولعل السبب في هذا ما تمنحهم اياه هذه الوجبة من طاقة وسعرات حرارية ).

المار بشوارع المدينة يرمق بالنظر تلك العربات ومن يحيطها، فقد باتت جزءا من معالم المكان وروتين الناس.  منذر النتشة (37 عاماً ) واحد ممن يقبلون على تلك الوجبة وله في ذلك أسبابه حيث قال (هذه الوجبة إعدادها في المنزل يتطلب الكثير من الوقت والجهد، وحين يتم بيعها لنا عن طريق العربات تكون في متناول الجميع منا، وأسعارها جيدة مقارنة بغيرها، وشهية وفيها الكثير من المنفعة، لذلك هناك إقبال من الناس على تناولها ).

للشتاء هيبة في المدينة، ولتلك الأطعمة حضورها الذي يستوجب العناية بالكمية التي يتم تناولها، فقد قال اخصائي جراحة الجهاز الهضمي الدكتور باسل شبانة أن هذه الوجبات لها منافع على الجسم لما تمده من طاقة وسعرات حرارية، لكن في ذات الوقت يجب الالتفات وبحذر للكميات التي يتم تناولها، لأن مثل هذه الوجبات تحتوي على نسبة عالية الكولسترول الذي يتسبب بأمراض عديدة).

ينقضي النهار وتفرغ العربات ما فيها وتمضي من حيث أتت، ويواصل الناس حياتهم بعد أن نقشوا في ذاكرة يومهم أكلة تعانق باللذة ذاكرة من سبقونا وأهازيجهم الموروثة التي صدحوا بها في حينها (يا ليلة الكرشات ياما جرالنا وياما تقطع بينا خيطان ) وتردف الأهازيج أيضاً (قطع أهلهن ما أزكاهن والنا على أكلهن عادات ). 

(المصدر: القدس)