عام 2001، صادق المجلس التشريعي الأول على "قانون العمل الفلسطيني" ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، ما زال 70 % من العاملين في القطاعين الخاص والأهلي لا يحظون بالحد الأدنى من حقوقهم التي أقرها القانون. 15 عاما لم تبد فيها الحكومات المتعاقبة إرادة كافية لتطبيق سيادة القانون لإلزام أرباب العمل بسيادة القانون، والآن ما الذي تغيّر؟ وما منبع الإصرار الحكومي على الدفع بـ "قانون الضمان الاجتماعي" الذي لم يحظ بالحوار المجتمعي الكافي؟. قالت الحكومة أكثر من مرة إن الهدف تحقيق العدالة المجتمعية. لكن ثمة إجماع آخر في صفوف النقابيين على أن الإصرار على تمرير قانون الضمان رغم الاحتجاجات عليه يكمن "في السعي لإعادة مستحقات العمال الفلسطينيين في إسرائيل (يقدرون قيمتها بـ 16 مليار دولار) واستثمارها في شركة او مجموعة شركات يقوم صندوق الضمان الاجتماعي بانشائها".
وظلت إسرائيل منذ أكثر من 20 عاما، تتذرع في تبرير عدم تحويل المليارات من مستحقات العمال الفلسطينيين في خزينتها، بعدم وجود صندوق فلسطيني للضمان الاجتماعي، وعدم وجود جهة تمثيلية واحدة للعمال الفلسطينيين، علما ان هناك مشروعا لوحدة الأطر النقابية.
وتستعرض "حياة وسوق" مواقف كافة الأطراف في القضية المجتمعية الأكثر إثارة للجدل هذه الأيام، خاصة بعد أن خضع قانون الضمان في ساعة الصفر لحذف واضافة عبارات فيه.
ويبدو واضحا من خلال المواقف ان الهوة بين الأطراف المختلفة كبيرة، فمن جهة مسؤول نقابي يحذر من "التلاعب" بمستحقات العمال، ويتساءل مسؤول حكومي: "ما العيب في ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد الوطني بعد استعادة المستحقات بواسطة مؤسسة الضمان"؟.
مستحقات العمال
في الوقت الذي يصعب فيه الحديث عن رقم دقيق لقيمة مستحقات العمال الفلسطينيين داخل الخط الاخضر فإن أمين سر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين حسين الفقهاء، يقدرها بـ 16 مليار دولار. ويقول ان احد اهداف الصندوق استعادة حقوق عمالنا المودعة داخل وزارة المالية الاسرائيلية.
ورأى الفقهاء في حديث مع "حياة وسوق" أن البعض يسعى جاهدا "للتلاعب في مهام واهداف الضمان بطريقة لا تتناسب مع هدفه الاساسي، بالتركيز على هدف استرجاع هذه الاموال والتي تقدر بحوالي 16 مليار دولار، التي لن نسمح لأحد التلاعب فيها، فهي اموال عمالنا منذ سنة 1970، منهم من استشهد ومنهم من انتهكت كرامته وحقوقه، فلن نسمح باستغلال اموالهم واستثمارها من قبل مجموعة او فئة لمصالحها الخاصة او شركات خاصة، فهذا حق تاريخي لشعبنا وليس مسموحا لاحد التلاعب فيه، ومن يريد التلاعب بتاريخ شعبنا ليذهب ويلعب في ملعب آخر".
وتابع: "المستقطعات المالية العمالية من العمال داخل اسرائيل، هي حق من حقوق عمالنا ويجب الحصول عليها، في الوقت الذي نتفق فيه على اهمية وجود صندوق ضمان اجتماعي، ولسنا ضده، لكننا نريده ان يعزز من صمود ابناء شعبنا ويحقق لنا العدالة والسلم الاهلي".
وبحسب الفقهاء، تقدر مجموع الاموال المستقطعة من عمالنا العاملين داخل اسرائيل والمودعة في الخزينة الاسرائيلية بحوالي 16 مليار دولار، وفقا لما كشفته دراسة اسرائيلية صدرت مؤخرا عن احد المعاهد الاسرائيلية. ووصف الفقهاء تلك الحقوق بـ "المقدسة"، وقال:":"نحن معنيون بقانون ضمان اجتماعي من اجل الحصول على هذه الاموال، وهو واحد من الاسباب لانشاء صندوق الضمان الاجتماعي، ولكنه ليس السبب الاساسي وسنناضل من اجله".
وقال: "هذه اموال حق لشعبنا وعمالنا الذين دفعوا ثمنا باهظا، فخبز العامل احمر، لأنه يستيقظ الساعة الثانية فجرا ليذهب الى الشغل في اسرائيل ويتعرض من اجل الحصول على لقمة عيشه للقتل والمطاردة والاعتقال هذا لا يمكن لفئة لها اجندة شخصية وذاتية ان تستأثر بهذه الصناديق والاموال".
من جانبه ينفي رئيس اتحاد النقابات المستقلة محمود زيادة بقيمة مستحقات العمال في اسرائيل التي تم تحويلها في عام 1993، ويقول: "القيادة الفلسطينية مطالبة بالاجابة عن هذه التساؤلات المثيرة للجدل في اوساط ممثلي المجتمع الفلسطيني".
وبرأي النقابي زيادة فإن الحصول على هذه الاموال "هو بيت القصيد من القانون والصندوق، وهذا ما يتطلع له القطاعان العام والخاص لاستراداد تلك الاموال، فهناك تقاسم وظيفي بين الحكومة والقطاع الخاص فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي، لذلك لدينا صندوق للضمان الاجتماعي وصندوق تكميلي وهو عبارة عن شركة ربحية ينشئها ويديرها ويشرف عليها القطاع الخاص وفق رؤيته ومصالحه وفلسفته التي عرفناها بموجب نظام التقاعد غير الحكومي الذي اقرته الحكومة في عام 2014".
يتهم زيادة الحكومة ومنظمة العمل الدولية واصحاب العمل بالاصطفاف ضد العمال ونقاباتهم في موضوعة الحد الادنى للاجور (1450 شيقلا) والذي هو اقل بكثير من خط الفقر (2568 شيقلا)، وقال: "هذا التزاوج بين رأس المال والسياسة، ليس امرا مفاجئا فهو ما عملت عليه الحكومات المتعاقبة على امتداد سنوات سابقة، وما هو حاصل في تطبيق احكام قانون العمل حيث اكثر من 75% من العاملين في القطاعين الخاص والاهلي لا يتمتعون بالحقوق الدنيا التي ضمنها لهم القانون، بما في ذلك الحد الادنى للاجور ومكافأة نهاية الخدمة، والتي يعتبرها قانون الضمان الاجتماعي شرطين اساسيين للالتحاق بالصندوق، حيث حدد القانون ان الحد الادنى للاجر الخاضع للتأمين هو الحد الادنى للاجور، وحدد ان تحويل مكافأة نهاية الخدمة والبالغة نحو 8.5% من الاتعاب الى صندوق الضمان الاجتماعي، ما يعني بالممارسة العملية ان من لا يتمتع بالحد الادنى للاجور، ومن لا يتمتع بحق مكافأة نهاية الخدمة من الناحية العملية الطريقة، مسدودة امامه للالتحاق بصندوق الضمان الاجتماعي".
ونوه زيادة، الى انه لم تتوفر على امتداد 15 عاما من اقرار قانون العمل الفلسطيني الارادة السياسية لدى الحكومة والقطاع الخاص لاحترام سيادة القانون وتلبية الحقوق الدنيا للعاملين في القطاعين الخاص والاهلي، ولم تنشأ محكمة عمل متخصصة حتى اللحظة، ووزارة العمل تعاني من قلة الموارد والقدرات التي تمكنها من متابعة تطبيق قانون العمل على جميع المشغلين في القطاعين الخاص والاهلي.
واضاف، مع كل ذلك يثار الان سؤال محق بين الغالبية الساحقة من العاملين في القطاع الخاص والقطاع الاهلي، ما الجديد الذي يجعلنا نعتقد بان الحكومة لديها ارادة سياسية لتطبيق قانون الضمان الاجتماعي؟
ضمانة الحكومة
في حين يرى الامين العام للاتحاد العام لعمال فلسطين حيدر ابراهيم، ان موضوع ضمانة الحكومة لصندوق الضمان الاجتماعي ملح، وقال: "وهذا الصندوق لن يخلق ميتا، وانما سيخلق قويا فله امواله ورأس مال ضخم عند دولة اسرائيل ومعترفة بها (في اشارة واضحة منه لاجمالي المبالغ المالية التي كانت اسرائيل تقتطعها من اجور عمالنا) ونحن علينا المطالبة بها".
ولا يشكك محمود خليفة عضو الامانة العامة للاتحاد العام لعمال فلسطين/ كتلة الوحدة العمالية، انه يوجد لدى البعض ما وصفه بـ "الوهم" فيما يتعلق بالاموال المستحقة للعمال في اسرائيل، "على اعتبار ان احد نصوص اتفاق باريس الاقتصادي يتحدث عن اعادة اموال الاستقطاعات العمالية المتعلقة بالتأمين الصحي والاجتماعي والرفاه الوطني لدى اسرائيل، الى مؤسسة الضمان الاجتماعي الفلسطينية او صندوق خاص بعد تشكيل مؤسسة للضمان الاجتماعي واصدار قانون فلسطيني للضمان الاجتماعي".
وقال خليفة: "يوجد مثل هذا الوهم لدى بعض الاشخاص المتنفذين في السلطة الوطنية وفي الفريق الوطني من العاملين على اصدار قانون الضمان الاجتماعي والذي مجموع مؤسسات المجتمع المدني والنقابات العمالية الفاعلة على امتداد الشهور الخمسة الماضية بصدد الغاء العمل فيه وتعديله".
ولا يستبعد مدير عام الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الانسان د. عمار الدويك، ان تكون استعادة اموال عمالنا داخل اسرائيل، احد اسباب الاسراع في اقرار القانون، ولكنه قال: "ان القانون ينطبق على كل الفلسطينيين وفيه مساس مباشر بعد سريانه بحقوق العاملين، وأؤيد تحصيل مليارات الدولارات من حقوق عمالنا لدى اسرائيل وبدلا من ان تستفيد منها، نحن نستفيد منها خاصة ان من شأنها ان تخلق فرص عمل وتحرك الاقتصاد الوطني، لذلك لسنا ضد اعادة الاموال للعاملين وضمان حقوقهم، لكن الطريقة التي اعد فيها القانون خلقت ازمة الثقة الآخذة بالتزايد".
الموقف الرسمي
وفي تعليقه على الجدل بشأن استعادة مستحقات العمال الفلسطينيين في إسرائيل وكيفية استثمارها وحصول أصحاب الحقوق على حقوقهم قال رئيس الفريق الوطني لقانون الضمان الاجتماعي، د. احمد مجدلاني: "هذه المبالغ المالية المودعة لدى اسرائيل هي اموال فردية للعمال العاملين داخل اسرائيل، وليست اموالا للصندوق، وانما هي اموال فردية لكل مؤمن عليه حتى لا نخلط ما بين الامرين".
واكد د. مجدلاني انه لا يوجد رقم محدد عند اي طرف حول الاموال المستقطعة من عمالنا من قبل اسرائيل، "وهذا يصبح من مسؤولية مؤسسة الضمان الاجتماعي بعد تشكيلها بحكم القانون، باعتبارها جهة الاختصاص المكلفة، وبعد ذلك تتم اجراءات تحاسبية تستعين بالمنظمات الدولية، وفقا لاتفاق باريس الاقتصادي، لان هذا الموضوع سيخضع لمحاسبات".
أما وكيل وزارة العمل ناصر قطامي، فانه يقر بان احد اهداف الصندوق الحصول على تلك الاموال المترصدة في وزارة المالية الاسرائيلية، وقال: "للمرة الاولى في تاريخ السلطة الوطنية ومجلس الوزراء ووزارة العمل، توجد متابعة حثيثة لوضع حد للانتهاكات الممارسة بحق العاملين داخل الخط الاخضر على كافة المستويات، وجزء منها: الاستمرار في مصادرة الاقتطاعات التي تخصم من جانب المشغل الاسرائيلي لحساب العامل وهي 7 انواع من الاقتطاعات، فهذا الملف مفتوح على مصراعيه من اجل استرداد هذه الاموال".
ولا يخفي قطامي سرا، بقوله: "ان عملية استرداد تلك الاموال من احدى اهم القضايا التي سارعت في انجاز القانون، ولدينا شعور ان وجود نظام ضمان اجتماعي عصري، يعتبر تكميلا للجزء الناقص في قانون العمل، اضافة الى اننا نعتبره مدخلا مهما لتحقيق حماية اجتماعية شاملة للعامل وافراد اسرته على طريق تحقيق منظومة حماية شاملة بالمنافع السبع التي يغطيها القانون الحالي وان البدء في ثلاث منها، اضافة الى موضوع حقوق العاملين في داخل الخط الاخضر والتي تقدر حسب آخر الدراسات الاسرائيلية بـ 16 مليار دولار".
ويؤكد قطامي، ان استعادة هذه الاموال ووضعها قي جسم مؤسسة وصندوق الضمان الاجتماعي لحساب العمال، يعتبر ضخ اموال طائلة في شرايين الاقتصاد الوطني وفي تمكين هذه المؤسسة من اهدافها ومهامها.
ويقول قطامي: "بكل تأكيد هذه الاموال احد الاسباب التي سارعت في انجاز القانون من اجل ان يكون مدخلا لاستعادة الحقوق، حيث هناك نص واضح وصريح في اتفاقية باريس الاقتصادية، ان المدخل لاسترداد هذه الحقوق هو وجود مؤسسة للضمان الاجتماعي يشارك فيها الاطراف الثلاثة "القطاع الخاص، الحكومة، والعمال".
وتكون على حسابات خاصة للعاملين من اجل الانتفاع منها"، وهو ما اعتبره سبب وطني بامتياز.
ويحاول قطامي، تبديد تخوفات الاخرين حينما قال: "ليست دقيقة التخوفات التي تتوقع ان انشاء صندوق الضمان هو فقط للحصول على اموال العمال من وزارة المالية الاسرائيلية، فجوانب القانون غطت كل هذه الفئات للعاملين داخل الخط الاخضر والعاملين داخل السوق الاسرائيلي، وعملية الجمع ستبدأ خلال اشهر قليلة بعد بناء جسم مؤسسة الضمان ومكوناتها".
الحياة الجديدة