لم يكترث الخمسيني أبو عياد لأصوات الطائرات "النفاثة" التي ملأت الأجواء، واستمر في عمله رغم هبوط إحدى الذبابات على جبينه، يهشها بيده ويكمل عمله، يمسك مطرقة بيده اليمنى ومسمارا بيده اليسرى بعدما عاين موطئ الحدوة من حافر الحصان، ويبدأ بعدها بطرق أول مسمار والثاني والثالث إلى أن يتأكد من أن الحدوة تمسكت بقوة بحافر الحصان، وبلغة تواصل بينه وبين الحصان وبحكم مهنته يعرف أن الحدوة تؤذي الحصان من حركته واستمرار رفضه لها بركل قدمه، أو تريحه.
أبو عياد الذي لم يسترح على مدار أعوام، لم يقو جسده على الجلوس طويلا خلف صندوق يلجم الحصان عن حركته أثناء حديه فجلس مكانه شقيقه مصباح الذي يصغره بأعوام، فكانت تلك صورة تدل على استمرارية العائلة في هذه المهنة وتناقلها عبر الأجيال.
وكان أبو عياد اعتاد منذ صغره على العمل في مهنته التي لم يمتهنها سوى هو وعائلته منذ القدم، ورغم حالته الصحية التي تمنعه عن ممارسة عمله، إلا أنه يتغلب ويكابر على مرضه في بعض الأحيان.
الحاج صبحي عياد السحباني (أبو عياد) "51 عاما" قضى عشرين عاما في حدي الأحصنة وكان سبقه والده بعشرين عاما.
يقول الحاج أبو عياد لـ "استراحة الحياة": ورثت مهنة حدي الأحصنة عن والدي، وقبل عملي مع والدي كنت أعمل على "كارة "، وبعدها أصبحت أعمل مع والدي في الحداوي، ولي في المهنة 20 عاما، أما والدي فكان يسبق لحاقي بهذه المهنة بـ 20 عاما، وبقيت أنا في مهنته، وأولادي الصغار ربيتهم وسلمتهم هذه المهنة؛ لأنني تعبت من المرض، ولعائلتنا 40 عاما في مهنة حدو الأحصنة".
وأضاف أنه بعد وفاة والده، ورث هذه المهنة عنه وعمل على تسليمها لأولاده وإخوته، لإصابته بضعف في عضلة القلب وحصوة في الكلى.
وأشار أبو عياد الى أن عمله في هذه المهنة في أوقات سابقة كان أفضل بكثير. وقال "أحدو يوميا من 3 إلى 4 أحصنة وأحيانا 10 أحصنة، وأعمل منذ الساعة 7 صباحا حتى الـ 7 مساء".
وحول عمله في حدي الأحصنة يوضح أبو عياد ان "الحصان كل شهرين يحتاج لحدي، وذلك في حالة ما إذا كان كان عليه عمل متواصل، ويكون حافره ناعما من المشي على الاسفلت، أما إذا لم يكن عليه عمل يبقى لمدة 5 شهور".
ويشتكي الحاج أبو عياد من قلة الإقبال وتراجع دخله اليومي، ويشتكي من ارتفاع أسعار أسياخ اللحام التي تفرض إسرائيل حظرا على إدخالها لغزة.
وقال ان "اللقمة الحديد" التي يستخدمها لحافر الحصان ويستخدم اللحام فيها يأخذ أجرة اللحام فيها شيقلا واحدا، وأن سعر السيخ الواحد يبلغ شيقلا واحدا، وهذا السعر مرتفع جدا، مشيرا الى أن الكرتونة تباع بـ 200 شيقل وتضم 20 سيخ لحام.
الحاج أبو عياد متزوج من اثنتين ورب لأسرة مكونة من 18 فردا ويعاني من أمراض في القلب والكلى. ويذكر أبو عياد تنقلات مهنته ومحله قائلا: "أساس المحل كان في شارع الثلاثيني قبل أن ينتقل لحي المشاهرة، وعملت في شارع الثلاثيني لمدة 10 سنوات، ونقلنا الى المشاهرة منذ 12 سنة".
ويعد أبو عياد أقدم حادي أحصنة في غزة، ويوجد حادي آخر أيضا يعد من أقدم حداة الأحصنة بعد أبو عياد في حي المشاهرة غرب مدينة غزة، وآخر في المحافظة الوسطى جنوب القطاع وتحديدا في النصيرات. وعلى مستوى القطاع يوجد 80 حاديا جديدا و"دخيلا" على هذه المهنة، وأصبح من يمتلك حصانا يحديه بنفسه ليوفر على نفسه دفع أجرة حديه لدى أي من الحداة في ظل ضعف العمل.
يقول عاطف ابن أبو عياد: "كنا قبل 5 سنوات نعمل أفضل، وكنت اعمل بـ 20 شيقلا يوميا، وأوفي احتياجات أسرتي، أما اليوم لا أعمل بـ 10 شواقل في اليوم ولا أجد قوت العائلة في بعض الأحيان وقد نبات بلا طعام".
عاطف الذي يعمل في مهنة والده متزوج وأب لطفل، ويسعى لقوت يومه ولو بأقل القليل ولا يوجد له مهنة أخرى، ولا يجد دواء له بعدما تعرض لإصابة من حصان، ولا لابنه الذي يحتاج لعلاج بـ 120 شيقلا.
ويعيش أبو عياد وأسرته في بيت ايجار، وبسبب قلة دخله لم يدفع أجرته، ما دفع صاحب البيت للتبليغ عليه بسبب مستحقات ايجار 4 شهور.
ويطالب أبو عياد أصحاب القلوب الرحيمة بمساعدته حتى يقوى على تلبية احتياجات أسرته وضمان العيش الكريم. كما طالب السلطة الوطنية بمساعدته حتى يعيش بأمن واستقرار وسلام.
أما محمود المظلوم صاحب حصان متعطل عن العمل منذ فقال ان السبب الرئيس لعدم عمله هو تزايد أعداد التكاتك التي دخلت قطاع غزة عبر الأنفاق.
ويضيف المظلوم "التكاتك خربت الدنيا، كنا ننقل الثلاجة بـ 10 شواقل والحجارة أيضا كذلك، أما الآن فان الناس تفضل التكتك، وإذا كان هناك نقليات أصبحنا ننقلها مقابل 5 شواقل؛ لأن الناس تتجه نحو التكاتك". وأردف المظلوم أنه كان يعمل قبل خمس سنوات على حصانه ويدخل على نفسه يوميا 200 شيقل، أما اليوم فلا يعمل بـ 30 شيقلا.
الحياة الجديدة