في أوائل مارس آذار خاض مسؤول الهجرة في أوروبا ديميتريس أفراموبولوس مخيما موحلا للاجئين على حدود اليونان مع مقدونيا وأطل عبر سياج تعلوه الأسلاك الشائكة التي تفصل بين عشرات الألوف من المهاجرين في اليونان وبين الدول الأغنى التي تقع إلى الشمال منها.
وقال "ببناء الأسوار ونشر الأسلاك الشائكة .. لا نقدم حلا."
لكن أفراموبولوس لا يبعث بهذه الرسالة دائما. ويعكس تغير وجهة نظره تعقيدات المشكلة التي وجدت أوروبا نفسها فيها مع تدفق أكثر من مليون مهاجر عبر المياه اليونانية منذ مطلع 2015.
وفي عام 2012 عندما كان أفراموبولوس يتولى منصب وزير الدفاع اليوناني بنت اليونان سياجا ووضعت نظام مراقبة الكتروني على امتداد الحدود مع تركيا. وصمم السياج والأسلاك الشائكة ونشر نحو 2000 من حرس الحدود الإضافيين لوقف الارتفاع الكبير في الهجرة غير الشرعية.
ولم يكن أفراموبولوس الدبلوماسي البالغ من العمر 62 عاما ضالعا بشكل مباشر في المشروع. لكنه في عام 2013 دافع عنه قائلا في مؤتمر صحفي إن الجدار أثمر. وأضاف "دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى اليونان من هذا الجانب توقف تقريبا."
والاستجابة الأوروبية الرسمية لأزمة المهاجرين -والتي قادتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أغسطس آب الماضي- هي أن تعمل الدول الأعضاء معا على توفير مأوى للناس خاصة السوريين الفارين من الحرب أو الاضطهاد. لكن في واقع الأمر لم تستقبل أغلب الدول الأعضاء الحصص المخصصة لها من اللاجئين وقامت أكثر من عشر دول ببناء أسوار في محاولة لإبقاء المهاجرين واللاجئين خارج حدودها. ويحاول الاتحاد الأوروبي الآن تنفيذ اتفاق يقضي بأن تستعيد تركيا الوافدين الجدد.
وتأسس الاتحاد الأوروبي على أنقاض الحرب العالمية الثانية واستند جزئيا على مفهوم حرية الحركة بين الدول الأعضاء. وأفاد تحليل رويترز لبيانات متاحة أنه منذ سقوط حائط برلين بنت الدول الأوروبية أو شرعت في بناء أسوار يمتد طولها 1200 كيلومتر بتكلفة 500 مليون يورو (570 مليون دولار) على الأقل.
والعديد من هذه الأسوار يفصل دول الاتحاد الأوروبي عن دول خارجه لكن بعضها بين دول الاتحاد وبعضها ومنها دول أعضاء في منطقة حرية الحركة دون تأشيرات سفر. وبدأ بناء أغلب هذه الأسوار في عام 2015.
وقال إيريم ارف الباحث في شؤون الهجرة في أوروبا لدى منظمة العفو الدولية "أينما وجدت أعداد كبيرة من المهاجرين أو اللاجئين يحاولون دخول الاتحاد الأوروبي تمت الاستجابة لهذا الاتجاه ببناء سور."
وبالنسبة للحكومات تبدو الأسوار حلا بسيطا. بناؤها قانوني تماما ومن حق الدول التحكم فيمن يدخل أراضيها. وكل سور جديد في أوروبا حد بدرجة كبيرة من أعداد المهاجرين غير نظاميين القادمين من الطريق الذي سده.
وبالنسبة لشركة واحدة على الأقل كان بناء الأسوار ناجحا. وتقول شركة يوروتانل المشغلة للنفق الواصل بين فرنسا وبريطانيا إنه منذ تعزيز إجراءات الأمن حول محطتها في فرنسا في أكتوبر تشرين الأول توقف المهاجرون عن التسبب في مشكلات.
وقال جون كيفي المتحدث باسم يوروتانل "لم يحدث أي تعطل للخدمة منذ منتصف أكتوبر 2015 ويمكننا القول إن السور وزيادة الوجود الشرطي كان فعالا للغاية."
لكن الأسوار -على الأقل في الأجل القصير- لم توقف محاولات الناس الدخول. بل فقط غيرت اتجاههم عادة إلى مسارات أطول وأكثر خطورة. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن بعض الجسور تحرم طالب اللجوء من فرصة السعي للحصول على مأوى رغم أن القانون الأوروبي ينص على أن من حق أي شخص التمتع بإجراءات نزيهة وتتسم بالكفاءة لطلبه اللجوء.
ويجبر المهاجرون واللاجئون على البحث عن طريق آخر فيلجأون لمهربي البشر.
* السيطرة على الحشود
كانت اليونان من أولى الدول التي أقامت سياجا حدوديا ولا يزال أفراموبولوس يدافع عنه. ويقول إن اليونان أقامت السياج لتحويل الناس باتجاه المعابر الرسمية حيث يمكنهم التقدم بطلب للجوء.
ويرسم نهر إيفروس المتدفق جزءا كبيرا من الحدود بين اليونان وتركيا لكن هناك مساحة 12 كيلومترا من الأرض اعتاد الناس التسلل عبرها بعد عبور النهر في تركيا.
وقال أفراموبولوس لرويترز من مكتبه في فبراير شباط "ايفروس نهر خطير للغاية ... فقد المئات أرواحهم هناك."
وتقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن 19 شخصا على الأقل غرقوا في ايفروس عام 2010. ولم تستطع السلطات اليونانية ولا وكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس) تقديم المزيد من البيانات.
وعمليا تقول جماعات حقوق الإنسان إن السياج اليوناني وغيره من الأسوار مثل السياج الذي بنته إسبانيا في المغرب يصرف الجميع بعيدا ويحرم الضعفاء من فرصة عرض طلبهم الحماية.
ولهذا الزعم أسباب من بينها فرض قيود على بعض الأسوار الجديدة تشبه القيود في المطارات. ويحتاج الناس إلى وثائق سفر للخروج من دولة والوصول إلى نقطة التفتيش في الدولة الأوروبية التي يودون طلب اللجوء إليها. ولا يملك لاجئون كثيرون أي وثائق لذا يحرمون من الدخول.
ومع الأسوار يأتي حراس الأمن والكاميرات وأجهزة المراقبة التي تجعل من الصعب على الناس عرض حالاتهم للجوء. ووثقت جماعات حقوق الإنسان تقارير كثيرة عن مسؤولين حدوديين ضربوا أو أساءوا معاملة أو سرقوا مهاجرين ولاجئين قبل أن يعيدونهم من حيث جاءوا. ويعرف هذا الأسلوب باسم الصد وقالت منظمة العفو الدولية إنه أصبح سمة جوهرية للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.
ولحل هذه المشكلة يشتري بعض المهاجرين واللاجئين وثائق مزورة ويختبئ آخرون في سيارات أو يلجأون إلى مهربي البشر.
وأصبح للسياج اليوناني تأثير متواصل في أوروبا إذ دفع دولا أخرى لبناء حواجز. وبدأ المزيد من المهاجرين الذين ينتقلون عبر تركيا في دخول أوروبا عبر الحدود البلغارية أو عن طريق الإبحار إلى اليونان في زوارق قابلة للنفخ. وفي شرق البحر المتوسط سجلت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 1100 حالة وفاة لمهاجرين منذ مطلع العام الماضي.
* النقاء الثقافي
ويرفض الاتحاد الأوروبي تمويل الحواجز قائلا إنها لا تجدي نفعا. وحاول أفراموبولوس بصفته مفوضا أوروبيا إقناع الدول الأوروبية بإظهار التضامن من خلال توفير المأوى لنحو 160 ألف لاجئ ومهاجر أغلبهم قادمون من اليونان وإيطاليا. لكن تمت إعادة توطين 937 طالب لجوء فقط حتى 15 مارس آذار.
وبالنسبة لرئيس وزراء المجر فيكتور أوربان فإن فكرة الحصص "تعني الجنون". ويعارض أوربان أي انحراف عن "القيم المسيحية" لأوروبا من خلال المهاجرين الوافدين من ثقافات متعددة. وبدأ في بناء حواجز على طول حدود المجر مع كرواتيا وصربيا في أواخر 2015.
وتشعر دول البلقان بحساسية خاصة تجاه مخاطر الصراعات العرقية والدينية منذ التطهير العرقي في يوغوسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي. وحذت دول أخرى حذو المجر وبنت حواجز حتى وإن قال معظمها إنها أقامتها للسيطرة على التدفقات البشرية وليس الحفاظ على النقاء الثقافي.
وعندما شرعت النمسا في بناء سياج على حدودها مع سلوفينيا في نوفمبر تشرين الثاني 2015 قالت إنه ضروري لإدارة الحشود. ثم وضعت فيينا سقفا لعدد الأشخاص الذين سوف تستقبلهم وعدد من ستسمح لهم بالعبور إلى ألمانيا. وبحلول مارس آذار بدا أن كل هذه الإجراءات تحقق التأثير المنشود إذ انخفض عدد المهاجرين الذين يدخلون ألمانيا من النمسا بدرجة كبيرة.
وعلى الرغم من ذلك بدت إشارات على أن الأسوار تعيد رسم مسارات الهجرة دون أن تغلقها. وزاد عدد من يقومون برحلة العبور المحفوفة بالمخاطر من افريقيا إلى إيطاليا. وقالت النمسا إنها سترسل جنودا للدفاع عن حدودها مع إيطاليا.
ويسلط السياج الذي زاره أفراموبولوس الشهر الماضي الضوء على مخاطر هذه الأسوار. فقد أدى سياج الذي أقامته مقدونيا في إطار معاهدة مع دول تقع إلى الشمال إلى حبس نحو 50 ألف شخص في اليونان.
ويقيم أكثر من عشرة آلاف شخص ثلثهم أطفال في خيام مهلهلة قرب السياج. ورفضت معظم الأسر مغادرة الحدود وآثرت انتظار فتحها فيما تفشت عدوى الأمراض التنفسية وتزايد الإحباط.
وقال أفراموبولوس "كل قيمنا معرضة للخطر اليوم ... يمكنك أن ترى هذا هنا."
رويترز