"إذا نظرتم إلي فلا أعتقد أنني ارتدي أي ملابس لم يتم شراؤها من سوق البالة"
هذا الكلام هو لأحد أثرى أثرياء أوروبا اينغفار كامبراد مؤسس مجموعة “ايكيا” السويدية، هذا الرجل الذي أسس إمبراطورية تشمل 340 مخزنا في 42 دولة، مبيعاتها السنوية 36 مليار دولار، والذي أطلق عليه لقب “المصمم غير المرئي للمنازل”، والتي سجلت 880 مليون زيارة لمتاجرها في العالم في عام 2015.
إحتفل كامبراد في 30 مارس بعيد ميلاده التسعين متكئا على نجاح الشبكة العالمية الرائجة التي كافح منذ نعومة أظافره في سبيل اعلاء شأن المؤسسة المنتشرة في عشرات البلدان حول العالم.
والمعروف عن كامبراد حرصه الهوسي على تجنب التبذير لدرجة يصفه البعض بـ “الملياردير البخيل”، وهو هجر السويد عام 1973 لينقل مؤسسته الى سويسرا لتجنب الضرائب المرتفعة، علما أن حسابات الشركة المنتشرة وطرق إدارتها معقدة جدا وهي غير مدرجة في الأسواق المالية.
ويفخر كامبراد الذي تقدر ثروة عائلته التي كوّنها بنفسه وبعصامية بنحو 65 مليار يورو بأنه يسافر في الدرجة الاقتصادية، وأنه يستخدم القطار وأحيانا الباصات للتنقل، وينزل في فنادق رخيصة ويرتدي ملايس مستعملة.
كان يشجع موظفي “ايكيا” على الكتابة على جانبي الورقة، وكان خلال إدارته للشركة شديد الحرص على مراقبة تفاصيل التكاليف ومتابعة العمليات والتطوير المستمر لمنتجات الشركة، ويقال أنه كان يقوم بتدوير أكياس الشاي، كما كان يأخذ معه بقايا الطعام من المطاعم التي يرتادها ويحرص على وضع أكياس الفلفل والملح في جيبه، وأقرّ أن أغلى قصة شعر كلفته 22 يورو، وقد هاله الرقم، معترفا أنّه غالباً ما يتعمد قص شعره في البلدان النامية أثناء سفره لأنها أرخص.
ومن نوادره في ما يسميه “إقتصادا” (وليس بخلا) حرصه على تناول كريات اللحم داخل متاجر “إيكيا” لأنّ سعرها رخيص، وكان يشتري هدايا الأعياد وأوراق لف الهدايا بعد العيد خلال موسم التنزيلات.
قاد سيارة “فولفو” مصنوعة عام 1993 لفترة عشرين عاما قبل أن يستبدلها بسيارة “سكودا” مستعملة، ولديه فلسفة خاصة في هذا الصدد فهو يقول: “أتجنب الفنادق الفاخرة لأسباب لا تتعلق بالتكاليف فقط، فنحن لسنا بحاجة لبهرجة السيارات ولا لمراكز إجتماعية جذابة ولا لألبسة غالية الثمن أو غيرها .. علينا أن نعتمد على قوتنا وإرادتنا”.
ويضيف:”هذا يعني أنني أحاول ضرب مثل جيد.. إذا أردنا التحدث عن ترشيد نفقات المعيشة، فإن علينا ممارسة ذلك، وليس التحدث عنه فقط”، وقال كامبراد في مقابلة نادرة اجراها مطلع الشهر الجاري مع قناة سويدية أنّ “الاقتصاد في الانفاق من شيم أبناء منطقة سمولاند”.
وفي مقابل إزدرائه بالمظاهر الإجتماعية وبحياة الأثرياء فالمعروف عن كامبراد أنّه يتبرع بسخاء لمؤسسات تعليمية وللأبحاث العلمية والطبية كمحاربة السرطان وغيرها ويعنى بمساعدة رواد الأعمال الشباب، وهو يرأس مؤسسة عائلة كامبراد للاعمال الخيرية
“منزل الاحلام بسعر الاحلام”
بات كامبراد المولود لمزارعين في منطقة سمولاند الفقيرة الوادعة في جنوب السويد احد اثرى اثرياء العالم بفضل عهد بسيط بتقديم “منزل الاحلام بسعر الاحلام” وهو ما صدقه ملايين المستهلكين.
فمن لوس انجلوس الى سيدني مرورا بعشرات المدن حول العالم، يتهافت المستهلكون في كل مكان على هذه الظاهرة حتى أن افتتاح متاجر “ايكيا” تمثل في بعض البلدان حدثا منتظرا كما حصل في كوريا الجنوبية مع تدشين اول فرع لهذه الشبكة السويدية نهاية سنة 2014 اذ شهدت الشوارع المحيطة بموقع المتجر في ضاحية سيول زحمة سير خانقة.
وتوظف هذه الامبراطورية التجارية السويدية حاليا 150 الف شخص حول العالم مع ايرادات تقارب ثلاثين مليار يورو.
وعلى رغم انكفائه خلال السنوات الاخيرة، يتابع كامبراد عن كثب النجاح الكبير لمؤسسته التي انطلقت قبل اكثر من ستة عقود كشركة عائلية صغيرة.
وبحسب ادارة المجموعة يحتفل كامبراد بعيد ميلاده التسعين في اجواء عائلية من دون اي مظاهر مرتبطة بهذه المناسبة في متاجر الشركة.
وقد بدأت مسيرة “ايكيا” سنة 1943 مع قرار الشاب اينغفارالبالغ حينها 17 عاما التوقف عن الدراسة وخوض مجال التجارة.
وفي منطقة يعيش سكانها في ظروف متواضعة، بذل اينغفار جهودا للتفوق على منافسيه عبر بيع بضائع بأسعار أرخص خصوصا عيدان الثقاب التي كان ينقلها عبر دراجات نارية ثم الاقلام واطارات الصور وقطع التزيين والات الطباعة.
وفي سنة 1947 بدأ ببيع اولى مفروشاته المصنعة على يد حرفيين محليين وبدأ بعدها بأربع سنوات بتوزيع اول كتيب للمجموعة في اصدار سنوي عرفت به “ايكيا” وبات يوزع منه حاليا 200 مليون نسخة.
وفي سنة 1956 خطرت على بال موظف فكرة تفكيك طاولة لجعلها تتسع داخل صندوق سيارة، وقد طورت “ايكيا” فكرة بيع مفروشات قابلة للتركيب محولة اياها الى فن، وهو ما جذب الزبائن خصوصا بفضل سهولة تركيبها وأسعارها المتهاودة.
كما أن تسمية “ايكيا” كلمة مركبة من الاحرف الاولى لإسم المؤسس اينغفار كامبراد وعنوان اقامته عند تأسيس الشركة وهو “ايلتامريد وأغوناريد”.
ولدحض الفكرة السائدة بأن المفروشات الرخيصة والقابلة للتركيب تتسم بسوء نوعيتها فتح اينغفار كامبراد اول متجر في مدينة اولمهولت سنة 1958 لعرض قطع الاثاث.
وبعد خمس سنوات بدأ كامبراد مسيرته نحو غزو الاسواق العالمية مقتنعا بأن سر النجاح يكمن في بيع مفروشات بأسعار بخسة وضمن معايير موحدة في كل المتاجر مع تمويل ذاتي وتصاميم اسكندينافية.
واعتبارا من سبعينات القرن الماضي بدأ بالتوسع نحو سويسرا واستراليا وكندا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا بعد سقوط الستار الحديدي وفي اسيا والشرق الاوسط.
وبعد الارباح الكبيرة المحققة قرر اينغفار كامبراد الرائد على صعيد تقليص الاعباء الضريبية ترك السويد الى الدنمارك سنة 1973 وبعدها الى سويسرا في 1977.
كما أن الغموض في تركيبة مجموعة “ايكيا” هي من الموروثات الاخرى المتأتية من صفات كامبراد كمقاول، اذ ان الوظائف التنفيذية والتخطيط الاستراتيجي وتصميم المنتجات بقيت في سمولاند.
لكن من وجهة نظر قانونية ومحاسبية تتوزع اسهم “ايكيا” على مؤسسات وشركات في هولندا ولوكسمبورغ وسويسرا وليشتنشتاين.
عام 1994 تحدثت صحيفة عن روابط بين كامبراد خلال شبابه ومجموعة نازية سويدية صغيرة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، وهو أقر في رسالة الى معاونيه بأن هذه المرحلة تمثل “اكبر خطأ في حياته” محملا المسؤولية الى معارف قوميين اشتراكيين من اصول المانية لعائلته من جهة والده.
منزل كامبراد في مسقط رأسه في السويد
ويقبع الرجل في الفيلا التي يملكها في منطقة “ايبالينج” السويسرية قرب بحيرة ليمان بعيدا من وسائل الاعلام التي تسخر من سيارته القديمة ومواظبته على جمع نقاط في اطار برنامج احد المتاجر الكبرى لمكافأة ولاء الزبائن.
وبدأ تقاعده تدريجا في مطلع العقد الحالي لتسليم الامانة لابنائه الثلاثة قبل عودته الى السويد في 2014، وقد شكل ارث “ايكيا” موضوع معركة محتدمة بين مؤسس المجموعة وابنائه، فقد أكد كامبراد في كتاب نشر سنة 2013 بعنوان “ايكيا في طريقها نحو المستقبل” أن ابناءه طعنوا في حقوق ملكيته للعلامة التجارية مطالبين اياه بنسبة مئوية على المبيعات عبر دفع ما بين 20 و30 مليار كرونة (2,45 الى 3,68 مليار دولار) الى المؤسسة العائلية، وبحسب معدي التحقيق فإن كامبراد رضخ لهذا المطلب بعدما سئم النزاعات القضائية.
ووفقا لمؤلف السيرة الذاتية لكامبراد مالكوم غلادويل، فإن كامبراد شخص من سلالة نادرة، وهو صاحب ضمير، وشخص منفتح على الآخرين، وهذه السمات في شخصيته جعلت منه رجلا مبتكرا في بداية حياته المهنية.
ورغم تولي ابنه الأصغر ماثيوس قيادة الشركة، إلا أن كامبراد مازال محتفظا بسلطة القرار، ويرى أن لديه العديد من الأعمال التي يود أن يقوم بها ما دام على قيد الحياة.
وكالات