الاقتصادي- ما زال عبد المجيد المبيض يتذكر عندما كان القطار يمرّ من جانب بيته.
الشيخ البالغ 80 عاما من العمر، والذي يعرفه الناس بالشجاعية في غزة بـ"الحج أبو محمد"، اعتاد أن يحكي لأحفاده عن القطار الذي كان يربط أراضينا بالقاهرة آنذاك.
ويقول: "ما زلت أذكر صوت القطار، والغرفة التي كانوا يبيعون التذاكر ويستلمون الطرود فيها".
ورغم أن هذه الأيام ولت وكأنها بلا رجعة، إلا أن هناك الكثير من الأصوات التي تنادي بإرجاع السكة الحديدية إلى فلسطين. وفي نهايات العام 2015 كانت السلطة الفلسطينية تحدثت عن نيتها المحاولة لربط الضفة الغربية بقطاع غزة عبر سكة حديدية، ستمتد إلى دول الجوار.
هذا المخطط يتطلب تسويات جدّية مع إسرائيل، ودول أخرى مثل مصر، وفي ظل المناخ الحالي يبدو هذا أشبه بحلم بعيد المنال... ورغم ذلك، هو حلم، رغم صعوبته، يحرك الألسنة والذكريات.
السكة زورتها الحرب
حامد أحمد، البالغ 75 من العمر، درس طب الأسنان في العاصمة المصرية القاهرة، ويحكي أنه عندما كان يدرس في الجامعة (1959-1965) كانت الرحلة إلى مصر شيقة ومريحة.
ويتابع: "أذكر أنهم كانوا يتفقدون أوراقنا الرسمية قبل الدخول إلى مصر، بطريقة بسيطة جدًا، وكانت أم الدنيا ترحب بنا في أي وقت نشاء".
حكاية كهذه تبيّن التناقض بين أيامهم وأيامنا، فقطاع غزة يقبع الآن في عزلة شبه تامة، والخروج من الضفة يتطلب الدعاء والشقاء والابتعاد عن أي تصريحات سياسية؛ لذا من السهل أن نرى لما يتذكر هؤلاء الشيوخ أيام السكة الحديدية على أنها العصر الذهبي لغزة، دون أن يلاحظوا أن شبكة السكك الحديدية الفلسطينية زورت في الحرب.
خلال الحرب العالمية الأولى كان الاستيلاء على شبكات السكك الحديدية هدفًا رئيسيًا للقوى المتنافسة. فبريطانيا حاولت السيطرة على فلسطين عبر بناء سكة حديدية خاصة بها، وتدمير تلك السكك الخاصة بالحكم العثماني.
وهكذا باتت فلسطين مهيئة بعد الحرب، لتقديم سفر مريح داخليًا وخارجيًا.
لكن روابط السكك الحديدية التي كان يستعملها الفلسطينيون بدأت تتراجع بعيد إقامة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وبات السفر بين مصر وغزة أكثر صعوبة، وبخاصة بعد القيود التي فرضها الاحتلال على حركة الفلسطينيين عام 1967، وبعد احتلال غزة وسيناء.
أحلام ستبقى أحلام
اليوم باتت محادثات السكة الحديدية الواصلة بين الضفة والقطاع، ومع الدول المجاورة في أسفل أولويات النخبة السياسية، فبعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة عام 2014، وعند الإعلان عن التهدئة الدائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لم يتطرق الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى موضوع السكة الرابطة بين شقي الوطن، أو أي مشروع بنية تحتية مماثل.
وما يزيد الأمر صعوبة، هو توتر العلاقة بين حركة حماس والحكومة المصرية، التي لم تدخر مجهودًا في عزل قطع غزة عن العالم الخارجي.
لكن البعض تابع الحلم، ولم يستسلم بعد لفكرة استحالة السكة الحديدية، منهم وزير النقل والمواصلات الفلسطيني سميح طبيلة، الذي لاقت خططه الرامية إلى ربط مدن الضفة الغربية بعضها ببعض عبر سكك حديدية متصلة ثم الضفة بغزة، ثم فلسطين بدول الجوار، صدى واسعًا.
ويؤكد طبيلة أن الوزارة تعمل حاليًا مع 5 شركات أجنبية وفلسطينية، على خطة متعددة المراحل لإنجاز هذا المشروع.
ضغوط باتجاه إنشاء سكة
ويبين طبيلة أن الحكومة الفلسطينية خاطبت الاتحاد الأوروبي، وبخاصة فرنسا، بشأن الدعم السياسي والمادي لمشروع السكة الحديدية. مضيفًا ان الحكومة طلبت خططًا مفصلة حول كيفية التنفيذ، والحصول على الرخص لبدء الإنشاء.
الحاج المبيض يقول إن هذه واحدة من أهم المطالب التي على الفلسطينيين التركيز عليها، كونها ستغير واقع المواصلات في فلسطين.
لذا فإن السؤال المطروح حاليًا ليس كيف أو متى، وإنما هل سيتمكن المبيض من رؤية القطار مرة أخرى قبل وفاته؟
ترجمة: وفاء الحج علي
المصدر: Electronic Intifada